بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا ومولانا ومصطفانا محمد رسولك وعلى أهله وآله وأزواجه وذريته وأصحابه
وأرضى عن سائر الأولياء والصالحين ومشايخنا الأحياء والمنتقلين
واغفر لنا ولوالدينا ولأموات المسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصحابي الذي كان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم
النعيمان بن عمرو رضي الله عنه
نسب النعيمان بن عمرو:
هو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد مالك بن النجار الأنصاري، وقد تمتع النعيمان بن عمرو بكثير من الصفات العذبة والشمائل الكريمة منها:
الشجاعة والإقدام على مواطن الجهاد, قال ابن سعد: شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها.
وكان من صفاته كذلك حب الفكاهة والطرفة وخاصة مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت أم سلمة رضي الله عنها: "كان الضحاك مضحاكًا مزاحًا".
بعض مواقف النعيمان بن عمرو مع النبي صلى الله عليه وسلم:
كان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي فيقول: هذا أهديته لك, فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أعط هذا ثمن متاعه, فيقول: "أوَ لم تهده لي", فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه.
ودخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه, فقال بعض الصحابة للنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها, فإنا قد قرمنا اللحم ففعل, فخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "من فعل هذا؟", فقالوا: هو النعيمان, فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد, فأشار رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو فأخرجه فقال له: "ما حملك على ما صنعت؟", قال: الذين دلوك عليَّ يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك, قال: فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك, ثم غرمها للأعرابي- انظر الإصابة: ج 5 ط. دار الفكر.
وذكر هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له، فدخل المسجد، وأناخ ناقته بفنائه، ودخل على نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وحمزة بن عبدالمطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان، فقالوا للنعيمان: ويحك! إن ناقته ناوية (يعني سمينة) فلو نحرتها، فإنا قد قرمنا (اشتد شوقنا) إلى اللحم، ولو قد فعلت غرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلنا لحما، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه بما صنعت وجد (غضب) علي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لا نفعل، فقام فضرب في لبتها (موضع الذبح)، ثم انطلق، فمر بالمقداد بن عمرو وقد حفر حفرة، وقد استخرج منها طينا، فقال: يا مقداد، غيبني في هذه الحفرة، وأطبق علي شيئا، ولا تدل علي أحدا، فإني قد أحدثت حدثا، ففعل، وجعل عليه الجريد والسعف، فلما خرج الأعرابي رأى ناقته قد نحرت، فصرخ وصاح: واعقراه يا محمد!
فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان، قال: وأين توجه؟ فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد: هل رأيت نعيمان؟ فصمت، فقال: لتخبرني أين هو؟ فقال: مالي به علم؟ وأشار بيده إلى مكانه، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فوجد وجهه قد تغير بالسعف الذي سقط عليه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟! قال: الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني، وقالوا: كيت وكيت.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن وجهه ويضحك،ثم غرم صلى الله عليه وسلم ثمن الناقة وأرضى الأعرابي من ناقته، وقال: شأنكم بها فأكلوها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر صنيعه ضحك حتى تبدو نواجذه.
وهنا تتجلى عظمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر على هذا الصحابي الذي عقر الناقة ما فعله لأنه
يحب المزاح، فالرسول يعلم أن النفس البشرية تتفاوت من إنسان إلى آخر, فهناك من هو جاد في كل
شيء وهناك من يحب المزاح؛ ولكنه قد حكم للأعرابي بثمن الناقة.
بعض مواقف النعيمان بن عمرو مع الصحابة :
كان من السمات المميزة لهذا الصحابي الجليل، كثرة المزاح، وحب الضحك حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة وهو يضحك".
وكثيرة هي المواقف الضاحكة من نعيمان.
فعن أم سلمة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خرج في تجارة له إلى بُصري - بلدة من بلاد الشام- ومعه نعيمان الأنصاري، وسليط بن حرملة - وكلاهما ممن شهد بدرًا- وكان سليط هو المسئول عن الزاد وتدبيره في الرحلة، فبينما هم في استراحة من الاستراحات أثناء الطريق، إذا بنعيمان جاع جوعًا شديدًا، فطلب من سليط أن يطعمه فأبى عليه ذلك إلا في حضرة أبي بكر من الخارج - الذي يبدو أنه خرج لبعض شأنه- فاغتاظ منه نعيمان وقال له: لأغيظنك.
وفي سفرهم ذاك مروا بقوم من العرب فاختلى بهم نعيمان وقال لهم: أتشترون مني عبدًا، قالوا: نعم, وفرحوا كثيرًا بذلك، لأنه -على ما يبدو- من النادر أن يجدوا عرضًا كهذا, والعرب كانوا يحتاجون لمن يسترقونهم لخدمتهم، فأشار نعيمان للقوم على صاحبه سليط وقال لهم: إن هذا عبدي وله كلام، فسوف يقول لكم: لست عبدًا وأنني ابن عمه، فإذا كنتم ستصدقونه فلا داعي لهذه الصفقة ولا تفسدوا عليَّ عبدي، قالوا: لا, بل نشتريه ولا نكترث لقوله، فدفعوا إليه عشرة من الإبل لحرصهم على شراء العبد المزعوم ثم جاءوا معه ليستلموا الصفقة فامتنع سليط منهم, وقال للقوم: إنه يستهزئ بي فلم يصدقوه, وقالوا له: لقد أخبرنا خبرك وأخذوه بالقوة, ووضعوا فوق عنقه عمامة كعادة زي العبيد.
ولما حضر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخبروه بالخبر لحق بالقوم, وأكد لهم أن صاحبه يمزح ورد عليهم إبلهم, قال ابن عبد البر: فلما قدموا على رسول الله وقصوا عليه قصة نعيمان وبيعه لسليط ضحك رسول الله وأصحابه حولاً كاملاً، أي إنهم كان يتملكهم الضحك كلما تذكروا القصة لحول بأكمله.
تقول بعض الروايات أن اسم ذلك الصحابي الذي باعه نعيمان - مزاحًا- هو سويبط وليس سليطًا.
ولقي نعيمان أبا سفيان بن الحارث فقال: يا عدو الله, أنت الذي تهجو سيد الأنصار نعيمان بن عمرو؟ فاعتذر له, فلما ولى قيل لأبي سفيان: إن نعيمان هو الذي قال لك ذلك فعجب منه.
وفاة النعيمان بن عمرو :
وقد بقي النعيمان حتى توفي في خلافة معاوية جميعًا- انظر ابن سعد في الطبقات: 3 / 494.
وروى أبو يعلى في "مسنده(176)، وأبو نعيم في"الحلية"(3/228) ، والضياء في "المختارة"(92)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( أن رجلا كان يلقب حمارا, وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن,والعكة من العسل , فإذا جاء صاحبها يتقاضاه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيقول يا رسول الله أعط هذا ثمن متاعه, فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبتسم ويأمر له فُيعطى , فجيء به يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد شرب الخمر , فقال رجل: اللهم العنه , ما أكثر ما يُؤتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا تلعنوه , فإنه يحب الله ورسوله.)
وقال أبو نعيم عقبه : " صحيح ثابت".
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (3/ 398) : " هذا إسناد صحيح ".
وقال الهيثمي في " المجمع" (4/ 148): "رواه أبويعلي , ورجاله رجال الصحيح".
وقد رواه البخاري في صحيحه (6780) مختصرا ، ولفظه : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أن رجلا عَلَى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله ،وكان يلقب حمارا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جله في الشراب , فأتى به يوما , فأمر به فجلد ، فقال رجلا من القوم: اللهم العنه , ما أكثر ما يُؤتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا تلعنوه , فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله.)
وينظر : شرح الحديث في "فتح الباري" ، وأيضا : "الإصابة" في تمييز الصحابة (6/ 366)
وقد كان ذلك يحصل منه ، رضي الله عنه ، على سبيل التفكه وممازحة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإرادة إلطافه ، فيرضى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ويضحك ، ولا يؤاخذه به ، ويقضي عنه ما اشتراه وأتحفه به ، ويعلم أنه إنما فعل ذلك حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم .