مصارف الزكاة والمراد بكل منها
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وأزواجه واصحابه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله تعالى قد تولى في كتابه بيان مصارف الزكاة، وحصرها في ثمانية أصناف، قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].
وإليك بيان المقصود بكل من هذه الأصناف الثماني
أ - (الفقراء): هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفي لسد حاجاتهم الأساسية, على ما جرت به العادة والعرف.
وهم من لا يملكون مالا ولا كسبًا حلالاً, عند جمهور الفقهاء, أو يملكون ما هو دون النصاب الشرعي للزكاة عند الحنفية, وهم أسوأ حالًا من المساكين, وقيل عكسه.
وهذا الخلاف لا أثر له عمليا, لأن كلا من الفقراء والمساكين من مصارف الزكاة.
ب - يعطى الفقير من الزكاة ما يكفي لسد حاجاته الأساسية عاما كاملا, لأن الزكاة تتكرر كل عام, ومعيار الحاجات الأساسية التي توفرها الزكاة للفقير هو أن تكون كافية لما يحتاج إليه من مطعم وملبس ومسكن وسائر ما لا بد له منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا تقتير, للفقير نفسه ولمن يقوم بنفقته.
ج - من الفئات التي تعطى من مصرف الفقراء إذا تحققت فيها شروط الحاجة التي تتمثل في ألا يكون للشخص دخل أو مال, وألا يوجد له عائل ملزم شرعًا أو قضاءً بإعالته: الأيتام واللقطاء, والأرامل والمطلقات, والشيوخ, والعجزة, والمرضى والمعوقون, وذوو الدخول الضعيفة, والطلبة, والعاطلون عن العمل وأسر السجناء, وأسر المفقودين والأسرى, حسب الشروط المبينة في لائحة توزيع الزكاة والخيرات لبيت الزكاة الكويتي (المادة 6 وفقراتها).
مصرف المساكين
(المساكين) هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفي لسد حاجاتهم الأساسية, على ما جرت به العادة والعرف, وهم من يملك أو يكتسب من الكسب اللائق ما يقع موقعا من كفايته, ولكن لا تتم به الكفاية, عند جمهور الفقهاء, أو من لا يملك شيئا, عند أبي حنيفة, وهم أسوأ حالا من الفقراء عند الحنفية والمالكية, وعكسه عند الشافعية والحنابلة.
وتنطبق على المساكين الأحكام الواردة في مصرف الفقراء, كما سبق.
(العاملون على الزكاة)
أ -(العاملون على الزكاة) هم كل من يقوم بعمل من الأعمال المتصلة بجمع الزكاة وتخزينها وحراستها وتدوينها وتوزيعها, وهم كل من يعينهم أولياء الأمور في الدول الإسلامية أو يرخصون لهم أو تختارهم الهيئات المعترف بها من السلطة أو من المجتمعات الإسلامية للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها وما يتعلق بذلك, من توعية بأحكام الزكاة, وتعريف بأرباب الأموال وبالمستحقين, ونقل وتخزين وحفظ, وتنمية واستثمار
كما تعتبر هذه المؤسسات واللجان القائمة في العصر الحديث صورة عصرية من ولاية الصدقات المقررة في النظم الإسلامية ولذا يجب أن يراعى فيها الشروط المطلوبة في العاملين على الزكاة
ب - المهام المنوطة بالعاملين على الزكاة منها ما له صفة ولاية التفويض (لتعلقها بمهام أساسية وقيادية) ويشترط فيمن يشغل هذه المهام شروط معروفة عند الفقهاء منها: الإسلام, والذكورة, والأمانة, والعلم بأحكام الزكاة في مجال العمل, وهناك مهام أخرى مساعدة يمكن أن يعهد بها إلى من لا تتوافر فيه بعض تلك الشروط, مثل أعمال الحاسب الآلي والمخازن وصيانة الموجودات الثابتة ونحو ذلك
ج - يستحق العاملون على الزكاة عن عملهم من سهم العاملين ما يفرض لهم من الجهة التي تعينهم على أن لا يزيد عن أجر المثل ولو لم يكونوا فقراء, مع الحرص على أن لا يزيد مجموع ما يدفع إلى جميع العاملين والتجهيزات والمصاريف الإدارية عن ثُمن حصيلة الزكاة (12.5%)
ويجب مراعاة عدم التوسع في التوظيف إلا بقدر الحاجة ويحسن أن تكون المرتبات كلها أو بعضها من خزانة الدولة وذلك لتوجيه موارد الزكاة إلى المصارف الأخرى
د - لا يجوز للعاملين على الزكاة أن يقبلوا شيئًا من الرشاوي أو الهدايا أو الهبات العينية أو النقدية
هـ - تزويد مقار مؤسسات الزكاة وإدارتها بما تحتاج إليه من تجهيزات وأثاث وأدوات إذا لم يمكن توفيرها من مصادر أخرى كخزينة الدولة والهبات والتبرعات ويجوز توفيرها من سهم العاملين عليها بقدر الحاجة شريطة أن تكون هذه التجهيزات ذات صلة مباشرة بجمع الزكاة وصرفها أو أثر في زيادة موارد الزكاة
و - تجب متابعة ومراقبة لجان الزكاة من الجهات التي عينتها أو رخصتها تأسيًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في محاسبته للعاملين على الزكاة, والعامل على الزكاة أمين على ما في يده من أموال ويكون مسئولا عن ضمان تلفها في حالات التعدي والتفريط والإهمال والتقصير
ز - ينبغي أن يتحلى العاملون على الزكاة بالآداب الإسلامية العامة, كالرفق بالمزكين والدعاء لهم والمستحقين, والتبصير بأحكام الزكاة وأهميتها في المجتمع الإسلامي لتحقيق التكافل الاجتماعي, والإسراع بتوزيع الصدقات عند وجود المستحقين
مصرف المؤلفة قلوبهم
أ - مصرف المؤلفة قلوبهم هو أحد المصارف الثمانية للزكاة وهو من التشريع المحكم الذي لم يطرأ عليه نسخ, وهذا مذهب الجمهور, ولا يمنع الغنى من الصرف إلى المؤلفة قلوبهم.
ب - من أهم المجالات التي يصرف عليها من هذا السهم ما يأتي:
المرغبون في الإسلام: وذلك بتأليف من يرجى إسلامه, أو تأثيره في إسلام من فيه صلاح المسلمين.
المرغبون لنصرة المسلمين: وذلك بتأليف أصحاب النفوذ من الحكام والرؤساء ونحوهم من الأفراد أو الجهات للإسهام في تحسين ظروف الجاليات والأقليات الإسلامية ومساندة قضاياهم, أو بتأليف أصحاب القدرات الفكرية والإسلامية لكسب تأييدهم ومناصرتهم لقضايا المسلمين, ومن ذلك الصرف في الكوارث لغير المسلمين إذا كان ذلك يؤدي إلى تحسين النظرة للإسلام والمسلمين.
المهتدون للإسلام ممن لم يمض عليهم في الإسلام سنة, وكانوا بحاجة إلى المؤازرة في ظروفهم الجديدة ولو لغير النفقة, وذلك بإعطائهم مباشرة أو بإيجاد المؤسسات العلمية والاجتماعية لرعايتهم وتثبيت قلوبهم على الإسلام وتوفير كل ما يمكّنهم من إيجاد المناخ المناسب معنويا وماديا لحياتهم الجديدة.
ج - يراعى في الصرف من هذا السهم الضوابط التالية:
أن يكون محققا للمقاصد ووجوه السياسة الشرعية بحيث يتوصل به إلى الغاية المنشودة شرعا.
أن يكون الإنفاق بقدر لا يضر بالمصارف الأخرى, وأن لا يتوسع فيه إلا بمقتضى الحاجة.
أن تتوخى الدقة والحذر في أوجه الصرف, لتفادي الآثار غير المقبولة شرعا أو ما قد يكون له ردود فعل سيئة في نفوس المؤلفة قلوبهم وما يعود بالضرر على الإسلام والمسلمين.
د - ينبغي استخدام الوسائل والأسباب المتقدمة الحديثة والمشاريع ذات التأثير الأجدى واختيار الأنفع والأقرب لتحقيق المقاصد الشرعية من هذا المصرف.
مصرف الرقاب
نظرًا إلى أن مصرف (الرقاب) ليس موجودًا في الوقت الحاضر فإنه ينقل سهمهم إلى بقية مصارف الزكاة حسب رأي جمهور الفقهاء ويرى البعض أنه ما زال قائم بالنسبة لأسرى الجنود المسلمين.
مصرف الغارمين
(الغارمون) هم المدينون ويدخل في مفهوم هذا المصرف من يلي:
أ - المدينون لمصلحة شخصية لا يستغنى عنها, وذلك بالشروط التالية:
1- أن لا يكون الدين ناشئا عن معصية.
2- أن يكون الدين مما يحبس فيه.
3- أن لا يكون المدين قادراً على السداد.
4- أن يكون الدين حالّا, أو مستحق الأداء وقت إعطاء المدين من الزكاة.
مصرف سبيل الله
اختلف العلماء رحمهم الله في تفسير (سبيل الله) والمقصود منه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المقصود من ( سبيل الله ) الغزاة في سبيل الله وهذا القول هو قول جمهور أهل العلم من أهل التفسير، والحديث، والفقه.
الثاني: أن المقصود من ( سبيل الله ) الغزاة، والحجاج، والعمار، وقد قال بهذا القول مجموعة من أهل العلم من علماء التفسير، والحديث، والفقه.
الثالث: أن المقصود من ( سبيل الله ) جميع وجوه البر من تكفين الموتى، وبناء الجسور، والمدارس، والمساجد، والجمعيات الخيرية، وغير ذلك.
والتوسع في ذلك ينفي حصر مصارف الزكاة وتحديدها ، والضابط في ( سبيل الله ) أن يكون العمل مما يحتاج إليه في نصرة الدين والإسلام والتوحيد وأن يكون في سبيل الله أي على منهج القرآن والسنة وبالضوابط الشرعية ، فالجهاد الشرعي تامّ الشروط وتحت راية ولي الأمر هو المقصود ابتداء من مصرف ( في سبيل الله ) ، وقد يدخل في حكم ذلك ما عظم أثره واحتيج إليه ، ويرجع في تقدير الحاجة ولي الأمر أو من ينيبه.
ب - المدينون لمصلحة اجتماعية, وهم من استدان لإصلاح ذات البين, بتحمّله الديات أو قيم المتلفات الواجبة على الغير للإصلاح بينه وبين مستحقيها, ويعطى هؤلاء من الزكاة ولو كانوا أغنياء قادرين على السداد.
ج - المدينون بسبب ضمانهم لديون غيرهم, مع إعسار الضامن والمضمون عنه.
د - يعان من الزكاة المدين بدية قتل خطأ إذا ثبت عجز العاقلة عن تحملها وعدم قدرة بيت المال على تحملها.
ويجوز دفع ذلك مباشرة إلى أولياء المقتول, أما دية العمد فلا يجوز دفعها من مال الزكاة, وينبغي عدم التساهل في دفع الديات من أموال الزكاة ولا سيما مع كثرة الحوادث ووجود الحاجة الماسة بالنسبة للمصارف الأخرى, والسعي في إنشاء صناديق تعاونية لتكون ضمانا اجتماعيا للإسهام في تخفيف الأعباء عمن لزمتهم الديات بسبب حوادث المرور وغيرها وكذلك تشجيع إقامة الصناديق التعاونية العائلية والمهنية للاستفادة من نظام العواقل بصورة ملائمة لمعطيات العصر.
مصرف ابن السبيل
(ابن السبيل) هو المتغرب الذي لا يملك ما يبلغه وطنه, ويعطي من الزكاة بهذه الصفة بالشروط التالية:
أ - أن يكون مسافرا عن بلد إقامته, فلو كان في بلده وهو محتاج فإنه يُطبق عليه مصرف (الفقراء) أو (المساكين).
ب - أن لا يكون سفره لأمر غير مشروع, لئلا تكون إعانة له على المعصية.
ج - أن لا يملك في الحال ما يتمكن به من الوصول إلى بلده وإن كان غنيا في بلده, فلو كان له مال مؤجل أو على غائب أو مُعسر أو جاحد لم يمنع ذلك الأخذ من الزكاة.