انطلقوا فزوروا الشهيدة.

مراقب عام المنتدى

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.
أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها، قال عنها رسول الله لأصحابه:انطلقوا فزوروا الشهيدة، وقال لها عليه الصلاة والسلام أيضا: إنَّ الله يهديك الشهادة، وقري في بيتك فإنك شهيدة.
العابدة الحافظة:
أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية، إحدى نساء الأنصار الفضليات ممن نذرن أنفسهن للعبادة والطَّاعة والسَّعي لمرضاة الله عزّ وجل، إذ جمعت القرآن الكريم في عَهْد النبي ﷺ وحفظته وفهمت معانيه.
وفي جموع السابقات إلى الإسلام، كانت أم ورقة في الأوائل منهن، إذ تشرفَتْ بمبايعة النبي ﷺ، كما تشرفت بالرواية عنه، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الصَّحابية قد اشتهرت بكنيتها أم ورقة وعُرفت بها، وهي وحيدة بهذه الكنية بين الأنصاريات.
في رحاب المكرمات:
عُرِفَتْ أم ورقة بنقاء السريرة، وصَفَاء النَّفس، وكثرة العبادة، وتلاوة القرآن، فقد وصلت نهارها بليلها في طاعة الرحمن، وكانت صلاتها موصولة بصيامها فحظيت بالإكرام من رسول الله، فكان يخصها بالزيارة بين الفينة والأخرى، وذات مرة زف إليها نبأ ملأ جوانب نفسها سروراً حيث أخبرها أنَّها ستكون شهيدة، فكانت تُعرفُ بهذا اللقب وتُسمى الشهيدة، لقوله لأصحابه: انطلقوا فزوروا الشهيدة.
وكانت أم ورقة رضي الله عنها قد أغُرمَتْ بالعبادة والصَّلاة غراماً شديداً، وشغفت بالقرآن الكريم شغفاً جعلها من الحافظات لكتاب الله عزّ وجل، تتلوه حق تلاوته.
وفي زيارة أخرى من زيارات النبي الله لها، أمرها أنْ تؤْمَ النِّساء من أهلها، ففي صفة الصفوة ذكر ابن الجوزي رحمه الله هذا فقال: أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية، كانت قد جمعت القرآن، وكان النبي يزورُها في بيتها، وقد أمرها أن تؤم أهلَ دارِها، واستأذنتِ النبي ﷺ أن تتخذ في بيتها مؤذناً، فجعل لها مؤذناً يؤذن لها.
وقال شاهد عيان: فأنا رأيتُ مؤذنَها شيخاً كبيراً، وفي هذا دليل على كرامتها ومكانتها عند النبي ﷺ، ولله درّ أبي نعيم الأصبهاني إذ افتتح ترجمتها بقوله: الشَّهيدة القارئةُ، أم ورقة الأنصارية، كانت تؤم المؤمنات المهاجرات، ويزورها النبي في الأحايين والأوقات.
إن الله يهديك الشهادة:
دعا داع الجهاد إلى غزوة بدر، فابتدر المسلمون يسارعون إلى الفوز بمرضاة الله سبحانه، ويتسابقون للظفر بشرف الجهاد مع النبي؛ وخرج النبي ﷺ إلى بدر، فجاءته أم ورقة من أقصى المدينة تسعى وقالت: يا رسول الله، ائذن لي أن خرج معكم، أداوي جرحاكم، وأمرضُ مرضاكم، لعل الله تعالى يهدي إليَّ الشَّهادة، فقال لها رسول الله ﷺ: إنَّ الله يهديك الشَّهادة، وقري في بيتكِ فَإِنَّكِ شهيدة.
وقرت أم ورقة في بيتها تنتظرُ ما أخبرها به النبي ﷺ من فوزها بالشهادة، فرسول الله ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وتابعت أم ورقة رضي الله عنها حياة الزهد والعبادة إلى أن توفى رسول الله ﷺ وهو راض عنها.
وظلت أم ورقة ترجو الشَّهادة في سبيل الله عزّ وجلّ، وتسأل الله أن يرزقها إياها حتى اشتهرت بين الصَّحابة بهذا الطلب المعطار.
الشهيدة القارئة
من دلائلِ صِدْقِ نبوة رسول الله ﷺ ما وقع لأم ورقة الأنصارية رضي الله عنها، إذ تحققت بشراه لها بالشَّهادة فنالتها في عهد عمر بن الخطاب رضوان الله عليه.
فقد كان لأم ورقة رضي الله عنها غلام وجارية، وكانت قد وعدتهما بالعتق بعد موتها، ولما علم الغلامُ والجارية بهذا الشرط ظنَّا أنَّ الحياة ستطول بأم ورقة فسولت لهما أنفسهما أمراً رديئاً، فقاما إليها بالليل فغمياها ثم قتلاها وهربا.
وكان من عادة عمر رضي الله عنه أن يسمع قراءة أم ورقة كل ليلة، لكنَّه لم يسمع صوتها في هذه الليلة فلما أصبح قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة، فدخل دارها فلم ير شيئاً ولم يسمع صوتاً، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت.
فقام عمر رضي الله عنه في وقال: النَّاس إن أم ورقة غمّها غلامها وجاريتها فقتلاها وإنَّهما هربا، ثم أمَرَ بطلبهما، فأدركا وأتي بهما فسألهما فأقرا أنَّهما قتلاها، فأمر بهما فصلبًا، فكانا أول مصلوبين بالمدينة المنورة، عندئذ قال عمر رضي الله عنه: صدق رسول الله حين كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشهيدة.
وبموتها، ظفرت أم ورقة بما كانت تتمناه فرزقها الله الشهادة، وصدق الله رسوله الكريم بما حدث عن الغيوب المستقبلة.

» قوموا بنا نزور الشهيدة
» الشهيدة آيات الحمصاني