ما حكم صيام شهر رجب ؟
اختلف أهل العلم في حكم صيام شهر رجب :
- فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والزيدية والشوكاني وهو قول في مذهب الحنابلة: إلى استحباب صيام شهر رجب كله
- وذهب الحنابلة إلى كراهة إفراد شهر رجب كله بالصوم دون سائر الشهور , وتزول الكراهة عندهم بفطر يوم منه أو يومين أو بصيام شهر آخر إضافة إليه , واختلف الحنابلة في تخصيص الأشهر الحرم بالصيام : فذهب بعضهم إلى استحباب ذلك , ولم يذكر الأكثرون استحبابه
وهذه بعض أقوال أهل العلم من المذاهب الأربعة في ذلك :
ـ الحنفية :
في الفتاوي الهندية 1/202 : ( المرغوبات من الصيام أنواع ) أولها صوم المحرم والثاني صوم رجب والثالث صوم شعبان وصوم عاشوراء ) اهـ
ـ المالكية:
وفي شرح الدردير على خليل 1/513 : ( و ) ندب صوم ( المحرم ورجب وشعبان ) وكذا بقية الحرم الأربعة وأفضلها المحرم فرجب فذو القعدة والحجة ) اهـ
ـ الشافعية:
قال الإمام النووي في المجموع 6/439 : ( قال أصحابنا : ومن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم , وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب , وأفضلها المحرم , قال الروياني في البحر : أفضلها رجب , وهذا غلط ; لحديث أبي هريرة الذي سنذكره إن شاء الله تعالى { أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم ) اهـ
ـ الحنابلة :
قال ابن قدامة في المغني 3/53فصل : ويكره إفراد رجب بالصوم . قال أحمد : وإن صامه رجل , أفطر فيه يوما أو أياما , بقدر ما لا يصومه كله ... قال أحمد : من كان يصوم السنة صامه , وإلا فلا يصومه متوالياً , يفطر فيه ولا يشبهه برمضان ) اهـ
أدلةالجمهور :
دليل الجمهور الخبر والأثر:
أما الخبر فالأحاديث الواردة في فضل الصوم مطلقاً :
قال ابن حجر كما في الفتاوى الفقهية الكبرى 2/53ويوافقه إفتاء العز بن عبد السلام فإنه سئل عما نقل عن بعض المحدثين من منع صوم رجب وتعظيم حرمته وهل يصح نذر صوم جميعه فقال في جوابه :
نذر صومه صحيح لازم يتقرب إلى الله تعالى بمثله والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشرع وكيف يكون منهياً عنه مع أن العلماء الذين دونواالشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى لما جاء في الأحاديث الصحيحة من الترغيب في الصوم مثل :
قوله صلى الله عليهوسلم { يقول الله كل عمل ابن آدم له إلا الصوم } وقوله صلى الله عليه وسلم { لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك } وقوله { إن أفضل الصيام صيام أخي داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً } وكان داود يصوم من غير تقييد بما عدا رجبا من الشهور).اهـ
ـ وما في سنن أبي داود 2/322عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حالته وهيئته فقال يا رسول الله أما تعرفني
قال ومن أنت قال أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول قال فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة قال ما أكلت طعاما إلا بليل منذ فارقتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَ عذبت نفسك
ثم قال صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر قال زدني فإن بي قوة قال صم يومين قال زدني قال صم ثلاثة أيام قال زدني قال صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها).اهـ
قال الإمام النووي في المجموع 6/439 : ( قوله صلى الله عليه وسلم : { صم من الحرم واترك } إنما أمره بالترك ; لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم كما ذكره في أول الحديث ، فأما من لم يشق عليه فصوم جميعها فضيلة . ).اهـ
أما الأحاديث التي فيها التصريح بفضل صوم رجب بخصوصه :
وهي وإن كانت ضعيفة فإن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل ففي فتاوى ابن حجر 2/53 : ( فقول هذاالجاهل إن أحاديث صوم رجب موضوعة إن أراد به ما يشمل الأحاديث الدالة على صومه عموماً وخصوصاً فكذب منه وبهتان فليتب عن ذلك , وإلا عزر عليه التعزير البليغ.
نعم روي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة , وأئمتنا وغيرهم لم يعولوا في ندب صومه عليها حاشاهم من ذلك وإنما عولوا على ما قدمته وغيره ومنه :
ما رواه البيهقي في الشعب عن أنس يرفعه : { أن في الجنة نهرا يقال له رجب أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل , من صام من رجب يوما سقاه الله من ذلك النهر}
وروي عن عبد الله بن سعيد عن أبيه يرفعه :{ من صام يوما من رجب كان كصيام سنة ومن صام سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم , ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة , ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه , ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفرلك ما سلف فاستأنف العمل وقد بدلت سيئاتك حسنات , ومن زاد زاده الله} .
ثم نقل عن شيخه الحاكم أن الحديث الأول موقوف على أبي قلابة وهو من التابعين فمثله لايقوله إلا عن بلاغ عمن قوله مما يأتيه الوحي.
ثم روي عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان } ثم قال إسناده ضعيف. اهـ
وأما الأثر فقد ورد صوم الأشهرالحرم عن الصحابة ومن ذلك :
ما في مصنف ابن أبي شيبة 2/457 : (حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يصوم أشهر الحرام .
حدثنا أبو داود عن خالد بن أبي عثمان عن أيوب بن عبد الله بن يسار وسليط أخيه قالا كان ابن عمر يصوم بمكة أشهر الحرام).اهـ
أدلة الحنابلة :
ودليل الحنابلة الخبر والأثر والنظر :
أما الخبر فأحاديث ومنها :
ـ ما في مصنف ابن أبي شيبة 2/513 وعبد الرزاق 4/292: ( عن زيد بن أسلم قال { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم رجب فقال : أين أنتم من شعبان } . ) اهـ وهو مرسل كما ترى.
ـ وما رواه ابن ماجه 1/555 : (عن محمد بن إبراهيم أن أسامة بن زيد كان يصوم أشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : صم شوالاً فترك أشهر الحرم ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات ). اهـ
وهو ضعيف قال البوصيري في مصباح الزجاجة : فيه مقال.
وأما الأثر فمنها :
ما في مصنف ابن أبي شيبة 2/513 : ( 1 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن وبرة عن عبد الرحمن عن خرشة بن الحر قال رأيت عمريضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية) .اهـ
وأما النظر :
فقالوا : إن ذلك تشبهاً بأهل الجاهلية ففي الفروع لابن مفلح 3/118 : ( ولأن فيه إحياء لشعارالجاهلية بتعظيمه ). اهـ
أقول : وقول الجمهور هو المعول عليه للأدلة والآثار التي أوردوها، أما أدلة الحنابلة فلا تخلو من نظر.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.]]منقول وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم