قصة ولدي آدم عليه السلام

مراقب عام المنتدى

حمداً لله تعالى مشفوعاً بالتوحيد والتقديس0
حمداً لله الذي خَصّ نبيَّه محمّداً وأهلَ بيته عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليم بالاجتباءِ والاصطفاء، والتطهيرِ والتكريم، وأمرَ بالصلاةِ عليه وعليهم كما أمرَ بالصلاةِ على إبراهيم وآلِ إبراهيم، وجعل معرفتَهم براءةً من النار، ومحبّتَهم جوازاً على الصراط، وولايتَهم أمْناً مِن العذابِ الأليم.
والصلاة والسلام على سيدنا محمّدٍ النبيِّ الأُمّيِّ الذي هو على خُلُقٍ عظيم، وبالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
وعلى ذريّتهِ وأهل بيته وعترته , الذين بذِكْرهم تُستدفَعُ نوازلُ البلاء والضرر، ويُستعاذُ من سوء القضاء وشرّ القَدَر، ويُستنزل بهم في المُحول نَوافعُ المطر، ويُستقضى بهم على غلَبات اليأس وجوامعِ الوَطَر, جَمالُ ذي الأرضِ كانوا في الحياةِ , وهُم بـعـد المـمـاتِ جـمالُ الكُتْـبِ والـسِّيَـرِ[/color

قصة ولدي آدم :
ذكر الله جل شأنه قصة ولدي آدم قابيل وهابيل في سورة المائدة , وذلك عند الحديث عن مساوئ بني إسرائيل , والصورة التي تحدثت عنها هذه الآيات صورة للإنسان الذي فسدت فطرته , وضاعت إنسانيته , فدفع بيديه الخير المساق إليه , لما كانت الإنسانية ليشت كلها علي هذه الصورة الكئيبة المعتمة , فكان من تمام العرض ان يعرض الجانب الطيب منها كما عرض جانبها الخبيث 0
فالصورة إذن بيان كاشف لجوانب الخير والشر في الإنسانية , وتعبير صادق عن الوجهة التي يوليها كل من فسدت فطرته , وضعفت إرادته , واتبع هواه , واستخف بكل قيم الدين والأخلاق , وارتكب في حق نفسه والبشرية أعظم جرم أنكرته الأديان السماوية 0
كما أنها تعبير صادق أيضاً عن كل وجهة يوليها من سلمت فطرته , وقويت إرادته , وعلا بإنسانيته , حيث يري وجه الحق مشرقاً فيأنس ويحيا به 0
وقصة ولدي آدم كما سنرى معاً من خلال عرض القرآن الكريم لها هي عرض للإنسانية كلها من جانبيها الطيب والخبيث , ووجهيها المشرق والمظلم , ومثليها الملائكي والشيطاني 0
وعرض القرآن الكريم عرض لا لبس فيه ولا غموض , تتجسد فيه نفحات الحق , ونزوات الباطل , وتتمثل فيه حقائق لا غني للبشرية عن معرفتها , وفهمها , وتكون مقاييس صدق لتميز المفسد من المصلح 0
وهذه القصة التي نحن بصددها قصة ولدي آدم أنها تتميز عن سائر القصص القرآني وذلك لعرضها أول جريمة وقعت في الأرض بين أخوين كان دوافعها الحسد , والحقد الدفين , فجاء فيها من القواعد و الأحكام ما يأت في غيرها 0
وبعد هذه المقدمة نتلو الآيات التي قصت علينا هذا النبأ ولنتدبرها بعقولنا وقلوبنا , لنقف منها علي ما ينفعنا في ديننا ودنيانا والله المستعان وبه التوفيق 0
يقول الله تبارك وتعالي في الآيات من 27 : 31 من سورة المائدة :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ )
زعم المفسرين أن ابني آدم قابيل وهابيل قد أمرهما أبوهما بأن يتزوج كل منهما توأم أخيه وألا يتزوج الأخت التي ولدت معه , وأن توأم قابيل كانت أجمل من توأم هابيل , فأباها علي أخيه , وأصر علي أن يتزوجها 000 إلي أخر ما ورد في ذلك 0
معتمدين في أكثر ما ذكروا وقالوا علي ما يُحدث به اليهود من أخبار الماضي 0
وأنه لم يرد عن المعصوم صلي الله عليه وسلم شيء يصح حمل عليه هذا المفهوم , فلابد من الرجوع هنا إلي ما تضمنته الآيات والاكتفاء به عما سواه من الأخبار التي شوهها أهل الكتاب وما دخلها من إسرائيليات وزيفوها وزادوا عليها ونقصوا منها واختلفوا فيها 0
فنجد أن خلاصة القول في الخلاف بين الأخويين أنهما قربا قرباناً إلي الله عز وجل , ليري كل منهما مكانته من الله تعالي , فقد أدعي قابيل فيما يبدوا أنه أقرب إلي الله وأحب من أخيه هابيل , وأنه أحسن حالاً ومالاً 0
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله عزّ ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه, ولا خبر يقطع العذر بصفته قتله إياه.
ولا يعنينا معرفة نوع القربان الذي قربه كل منهما , ولا كيف تقبله الله من أحدهما , كما لا يعنينا متي ولا أين كان ذلك , لخلوه من العظة والعبرة , حيث طواه القرآن عنا لعدم وجود فائدة منه تعود علينا 0
والبحث وراء ما طواه عنا القرآن في هذه القصة مما ذكر والنقل عن أهل الكتاب بالزيف , يذهب بالكثير من معطيات الله تعالي التي أرادها في سياق هذه القصة0
فما جري بين ولدي آدم من صراع ما هو إلا شرارة من شرارات الحسد , قد اندلعت في صدر أحد الأخوين , ثم شب ضرامها وتوقدت فكانت فتنة , وكان دم , وهلاك 0
وفي قوله تعالي (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) دليل علي شراسة هذا الأخ الآثم , وفساد طبعه وفطرته , وفيها ما يشعرنا بما يحمله الحسد والحقد الضغين لصاحبه من شر مستطير يقتل به نفسه قبل أن يقتل به غيره , فهو آفة الآفات , به طرد إبليس من رحمة الله تعالي , وبسببه ألقي سيدنا يوسف عليه السلام في الجب , وبسببه كفر من كفر 0
وقوله تعالي: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) دعوة من الأخ الصالح إلي أخيه بالهدي والتقوي , فهو يخبر أن رضا الله تعالي مقرون بطاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه , فلو كان تقياً مثله لتقبل قربانه 0
ولكن تمادي أخاه في غيه ويصر علي قتله , بينما يستمر الأخ التقي في دعوته إلي الهدي , ويكشف له عن معالم الطريق إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويلقاه ملاطفاً 0
في قول الله تعالي : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)
فهو ملازم للتقوى متمسك بها بعد أن عرف ثمرتها , في هذا المشهد الذي شهد به بين يدي ربه , إنه علي خوف أن ينحرف عن طريق التقوى والصلاح 0
أما الأخ الحسود فلم يزده اللين والنصح إلا عناداً وجفاء , مما أضطر الأخ التقي النقي أن يقرعه ببعض الكلمات التي فيها الزجر والوعيد له إن أقدم علي تنفيذ ما وعد به من تهديد وأصر علي موقفه , فقال كما حكي الله عنه :
(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)
والمواد هنا بقوله(بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) أي أنه لو قتله فسيكون عليه الإثم مضاعفاً , حيث لم يكن حريصاً علي قتله فانتقل إثم المقتول إلي القاتل 0
وأجمل ما يقال في معني قوله تعالي (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) هو أن ترجع بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك , وبإثمك ببسط يدك إليّ 0
وأيضاً أن يقال معني بِإِثْمِي : إثم قتلي , ومعني وَإِثْمِكَ : إثم قتلي والإثم الذي لم يتقبل لأجله قربانك 0
وقول الله تعالي (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) فيه بيان دقيق للمصير الذي ينتظر كل ظالم , بحمل أوزاره يوم القيامة و وأيضاً فيه من التخويف والترهيب ما لا يخفى0
وقوله (وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) توكيد لمضمون ما قبلها 0
ومما سبق يتبين لنا أن هابيل كان مع تقواه وصلاحه داعياً إلي الله تعالي علي بصيرة من ربه , حيث سلك مع أخيه أسلوب الترغيب والترهيب والتخويف , وأظهر له من نفسه القوة علي مواجهته بالحجة والبرهان , لا بالمبارزة , ثم تذكيره بعدم قبول قربانه وبما يجب عليه من خوف الله تعالي رب العالمين , وأن المعتدي يحمل أثم نفسه وأثم من اعتدى عليه بعدل الله تعالي في القصاص والجزاء , , وتذكيره بعذاب النار ومثواها للظالمين الفجار ووعظه كثيراً يريد أن يحننه تحنياً يرجعه إلى صَوابه, وبيَّن له أن خَوفه من الله مسألة مُستقرة في الذهن حتى ولو كانت ضد استبقاء الحياة، وقد يعرفها في نفسه لأن أخاه كان يستطيع أن يقدّم دفاعاً قويا، لقد ردّ الأمر إلى الحقّ الأعلى فلا يقال كان هابيل سَلبيّا لا. إنه صعّد الأمر إلى الأقوى

يتبع

مراقب عام المنتدى

فماذا كان تأثر كل هذه المواعظ في نفس الحاسد الحاقد الظالم , بين ذلك الله تعالي في قوله :
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
فهل نفسه هي التي ستقتل وهي نفسه التي طوَّعَت؟
الإنسان فيه ملَكتان اثنتان, ملكة فطرية تُحبّ الحق وتُحبّ الخير، وَملَكَة أهوائية خاضعة للهوى، فالملكتان تتصارعان, كأن النفس الشريرة الأهوائية تغلبت على الخيّرة، فكأن هناك تجاذبا وتصارعاً وتدافعاً, لأن الإنسان لا يحب الظلم إن وقع عليه, لكن ساعة يتصور أنه هو الذي يظلم غيره فقد يقبل على ذلك.
وفي تفسير المنار لقول الله تعالي( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) إن هذه الكلمة تدل علي تدريج وتكرار في حمل الفطرة علي طاعة الحسد الداعي إلي القتل , كتذليل الفرس والبعير الصعب, فهي تمثل لمن يفهمها ولد آدم الذي زين له حسده لأخيه قتله وهو بين إقدام وإحجام ويفكر في كل كلمة من كلمات أخيه الحكيمة فيجد في كل منها صارفاً له عن الجريمة يدعم ويؤيد ما في الفطرة من صوارف العقل والقرابة والهيبة , فكر الحسد من نفسه الأمارة علي كل صارف في نفسه اللوامة فلا يزالان يتنازعان ويتجاذبان حتي يغلب الحسد كلاً منها ويجذبه إلي الطاعة , فإطاعة صوارف الفطرة , وصوارف الموعظة لداعي الحسد هو التطويع الذي عناه الله تعالي فلما تم كل ذلك قتله 0أ0هـ
فأصبح خاسراً دينه ودنياه , ووقف أمام جثمان أخيه لا يعرف كيف يستره عن عينيه 0
وفي الطبري:
حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ قال: شجعته علـى قتل أخيه.
وقال آخرون: معنى ذلك: زينت له. ذكر من قال ذلك:
9256ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال: زينت له نفسه قتل أخيه, فقتله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل).
عن ابن حميد, قال: حدثنا جرير, وحدثنا سفـيان, قال: حدثنا جرير وأبو معاوية (ح), وحدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, ووكيع جميعا, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرّة, عن مسروق, عن عبد الله, قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: « ما مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْـما إلاّ كانَ علـى ابْنِ آدَمَ الأوّلِ كِفْلٌ مِنْها, ذَلِكَ بأنه أَوّل مَنْ سَنّ القَتْلَ».
حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي (ح). وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن جميعا, عن سفـيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرّة, عن مسروق, عن عبد الله, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم نـحوه.
9253ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حسن بن صالـح, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن إبراهيـم النـخعي, قال: ما من مقتول يقتل ظلـما, إلا كان علـى ابن آدم الأوّل والشيطان كِفْلٌ منه.
9254ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن حكيـم بن حكيـم, أنه حدّث عن عبد الله بن عمرو, أنه كان يقول: إن أشقـي الناس رجلاً لابنُ آدم الذي قتل أخاه, ما سفك دم فـي الأرض منذ قتل أخاه إلـى يوم القـيامة إلا لـحق به منه شيء, وذلك أنه أوّل من سنّ القتل.
كان الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد, فحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.., لا يدري أين يذهب بها وما يعمل 0
فأراد الله تعالي أن يعلمه كيف يواري سوءة أخيه , فبعث الله تعالي له غراباً يريه ما يجب عليه فعله 0
قال الله تعالي : فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة
وقد ورد في قصة الغراب أقوال كثيرة مأخوذة عن أهل الكتاب , في حين أن مسألة الغراب والدفن , لا ذكر لهما في التوارة كما يقول صاحب تفسير المنار :
" ولو كان الله عز وجل قد بعث غرابين كما قالوا لصرح بذلك "
وقد زعموا بأن الغرابين اقتتلا , فقتل أحدهما الأخر , فنزل به إلي الأرض وحفر له حفرة فدفنه فيها , ولو وقع هذا الصراع بين الغرابين كما زعموا , لكان فيه عزاء لأبن آدم القاتل , إذ يري فيه تبريراً لفعله , غير أن الغربان لا تواري قتلاها أو موتاها 0
ولكن ما مفهوم هذه الآية إذن؟
وما شأن الغراب هنا ؟
وما هذا الندم الذي استشعره القاتل مما فعله الغراب؟
مفهوم ا لآية فأنها تشير إلي عجز ابن آدم في بادئ الأمر عن مواراة سوءة أخيه , ولم يتوصل للطريقة إلا حين رأي الغراب يبحث في الأرض , فهو وإن كان عاقلاً فأنه لا يستطيع أن يفكر في عمل أو صنع شيء لم يسبق إليه إلا بهداية من خالقه حل شأنه , فبعث الله غرابا ليكون له قدوة فيتعلم منه كيف يواري سوءة أخيه0
والغراب كان ملهم بأن يفعل بين يد القاتل ما فعله
فسبحان الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي , وتعلم من الغراب ما كان يجهله , فما كان من أمر الغراب إلا أن ظل يحفر في الأرض باحثاً عن شيء يطلبه , أو بحثاً عن رزق , نظر إليه القاتل بعد أن أعياه البحث عن الطريقة التي يواري بها سوءة أخيه , وقال نادماً ومتحسراً , معترفاً بجهله وضعفه وغروره ( يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)
فقد تنبه القاتل إلي شناعة الإثم الذي ارتكبه , وأن القتيل مظلوم , حتى استدعى ظلمه الطائر الأعجم ليكون إلي جانبه , حين تخلى عنه أخوه , وأبي عليه هذا الطائر أن يكون طعاماً للطير الجارح والسباع , ليستشعر القاتل الندم بأن قتل أخيه وعدواناً ظلماً, فوجد عاطفة الأخوة تستيقظ في نفسه , وهي العاطفة أماتها الحسد والحقد 0
ولم يجد لديه شىء من الندم قبل ما يرى ما فعل الغراب , ثم بعد ما رأى ندم حيث رأى نفسه اضأل من هذا الطائر شأناً , وأعمى بصيرة , وأضل سبيلا 0
وهكذا الإنسان إذ غلبه الهوى وركبه الضلال كان أحط مرتبة 0
وفي هذه القصة نعلم أن أبشع الجرائم وأشدها نكراً تقع بسبب الحسد الجامح الذي يفتك بصاحبه ويسلبه رشده وعقله , ويقطع أواصر المحبة والمودة والأخوة بين الناس , ويلقي بينهم العداوة والبغضاء حتي يهلك بعضهم بعضا , ويذيق بعضهم بأس بعض0
ولما كان القتل عدواناً بيناً علي الله تعالي الذي بيده وحده الموت والحياة , كانت غيرته عز وجل شديدة علي تلك الحرمة المقدسة موجبة للوعيد 0
وقع الخبر علي آدم عليه السلام:
قال آدم حين عرف القصة: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه. مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني. صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه.
ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه0

عضو سوبر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا

عضو سوبر

م الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي خاتم النبيين والمرسلين
سيدنا محمد رسول الله
وعلى آله وأهل بيته وأزواجه وذريته وأصحابه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة ولدي آدم عليه السلام 3d1aadc9c2ax9

عضو سوبر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي خاتم النبيين والمرسلين
سيدنا محمد رسول الله
وعلى آله وأهل بيته وأزواجه وذريته وأصحابه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة ولدي آدم عليه السلام 3d1aadc9c2ax9