الأذان والإقامة للنساء

عضو مميز

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله
وعلى آله وذريته وأصحابه
اللهم أرضى عن أوليائك والصالحين ومشايخنا الأحياء والمنتقلين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأذان والإقامة للنساء

اتفق جمهور الفقهاء على أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، سواءً كان أذانهنّ أو إقامتهنّ لجماعة النساء أو لنفسها منفردة- انظر- الإفصاح لابن هبيرة1/64-65)و المبسوط1/133

ويرى بعض العلماء أن النساء كالرجال في الأذان والإقامة، وفي ذلك يقول الشوكاني-رحمه الله- :" ثم الظاهر أن النساء كالرجال؛ لأنهن شقائق الرجال، والأمر لهم أمر لهنّ، ولم يرد ما ينتهض للجة في عدم الوجوب عليهنّ، فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون ولا يحل الاحتجاج بهم، فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذلك وإلّا فهن كالرجال"-انظر- السيل الجرار1/197-198

واختار هذا الرأي الشيخ محمد صديق خان

كما في الروضة الندية شرح الدرر البهية- انظر- الدرر البهية1/216

وتبعه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، كما في السلسلة الضعيفة والموضوعة2/271

فإن أذّنت المرأة وأقامت لجماعة النساء أو لنفسها، فقد اختلفت أقوال الفقهاء في حكم ذلك على أربعة أقوال:

القول الأول:

يكره لهنّ الأذان والإقامة، وهو مذهب الحنفية

ورأي لبعض المالكية، ووجه للشافعية، ومذهب الحنابلة

والكراهة عند المالكية
هنا تحمل على المنع، وصرّح بعض الحنابلة بعدم صحتهما منهنّ.

أدلتهم :

استدلّ من قال بكراهة الأذان والإقامة للنساء، بما يلي:

أولاً: من السنة:

1- حديث السيدة أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنه-قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة، ولا اغتسالٌ، ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم في وسطهن)- انظر- أخرجه البيهقي في السنن(2/169)، رقم(1960). وابن عدي في الكامل (2/620

2- عن أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها : أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-جعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم
أهل دارها"- أخرجه أبو داود، وأحمد والحاكم

ووجه الدلالة :

أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لما أذن لها أن تؤمّ أهل دارها لم يأمرها أن تؤذن هي ، أو امرأة من أهل دارها، بل جعل
لها مؤذناً، فلو كان الأذان مشروعاً للمرأة لما أمرها باتخاذ مؤذن رجل.

ثانياً: من الآثار:

1- ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-أنه قال: "ليس على النساء أذان ولا إقامة"-انظر- البيهقي في السنن
الكبرى، وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير1/521

2- ما روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" كنا نصلي بغير إقامة"-انظر- البيهقي في السنن
الكبرى2/170

3- ما روي عن أنس رضي الله عنه أنه سُئل هل على النساء أذان وإقامة قال: "لا، وإن فعلن فهو ذِكر"- انظر- ابن أبي شيبة في المصنف 2317 والبيهقي في السنن2/170

ثالثاً من المعقول:

1- أن الأذان في الأصل يشرع للإعلام، ولا يشرع للمرأة ذلك.-انظر- المغني(2/80

2- أن الأذان يشرع له رفع الصوت, ولا يشرع للمرأة رفع الصوت، لما فيه من الفتنة-انظر- - المبسوط1 /133

ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه الإقامة، كغير المصلي، وكمن أدرك بعض الجماعة.- انظر- المغني (2/80)

3- لأنه ليس على النساء الجماعة بل إن جماعتهنّ غير مستحبّة، فلا يكون عليهنّ الأذان والإقامة- انظر- بدائع الصنائع 1/152

القول الثاني:

يكره لهنّ الأذان وتستحبّ الإقامة

وهو المشهور والمعتمد في مذهب المالكية

والصحيح عند الشافعيّة، ورواية عند الحنابلة

إلّا أن الشافعية قالوا:

لو أذّنت ولم ترفع صوتها لم يكره، وكان ذكراً لله، وإن رفعت وثم أجنبيّ حرم.

أدلتهم:

استدلّ أصحاب هذا القول بما يلي:

أولاً : من الآثار:

ما روي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-أنّه قال: " تقيم المرأة إن شاءت"-انظر- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/203)(2329

ثانياً: من المعقول:

1- أن الأذان مشروع للإعلام بدخول الوقت وحضور الجماعة، ومشروعية الإقامة لإعلام النفس بالتأهب للصلاة
فطلبت من الجميع ولو صبيّاً- المغني(2/80).

2- أن في الأذان ترفع المرأة صوتها فيكره لما فيه من الفتنة، وأمّا في الإقامة فلا ترفع صوتها؛ لأنها لاستنهاض الحاضرين- مغني المحتاج(1/135)

القول الثالث:

يستحبّ لهن الأذان والإقامة، وهو وجه عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، دون رفع الصوت عند الشافعيّة

أمّا الحنابلة فعلى روايتين:

الأولى مطلقاً, والثانية مع خفض الصوت.

استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

1- ما روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها-:" أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء وتقوم وسطهن"-انظر-
أخرجه عبد الرزاق في المصنف3/126 -5016، وابن أبي شيبة، والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك

2- ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل هل على النساء أذان فغضب، وقال: ( أنا أنهى عن ذكر الله!!"-انظر-
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/202)(2324

وجه الدلالة
أن الأثر دل على أن الأذان والإقامة ذكر لله، وذكر الله لا يمنع منه أحد.

القول الرابع:

يباح لهنّ الأذان والإقامة، مع خفض الصوت، وهو رواية عند الحنابلة.

أدلة أصحاب هذا القول:

يمكن أن يستدلّ له بالجمع بين الآثار الواردة عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وابن عمر-رضي الله عنهما-حيث نُقل عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها الفعل والترك

وأمّا ابن عمر فنقل عنه النفي وعدم النهي، فدلّ على جواز الأمرين.

قال الإمام البيهقي-بعد ذكره الأثرين الواردين عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها-:" وهذا إن صح مع الأوّل فلا ينافيان، لجواز فعلها ذلك مرّةً وتركها أخرى لجواز الأمرين جميعاً" السنن الكبرى للبيهقي(2/170.

والقول الرابع القائل بالإباحة، وأنه لا يسنّ للمرأة أذان ولا إقامة، يراه بعض أهل العلم وجيها لأسباب منها :

1- أن أبرز ما شرع له الأذان هو إعلام الناس كي يجتمعوا للصلاة والمرأة غير مطالبة بإجابة هذا النداء إذا سمعته، والأفضل لها أن تصليّ في بيتها، فلهذا لا يسنّ لها أذان ولا إقامة- انظر- راجع: الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام

2- أنه لم ينقل أن النبي-صلى الله عليه وسلم-ندب النساء إلى الأذان والإقامة أو علمهن ذلك، ولو كان مشروعاً في حقهنّ لعلمهن كما علمهن كيفية غسل الحيض والجنابة- المصدر السابق

3-أنه بهذا القول يمكن الجمع بين الآثار الواردة عن بعض الصحابة في ذلك- انظر - أحكام الأذان والنداء والإقامة ص356

والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا سيدنا محمد
وآله وذريته وأصحابه والحمد لله رب العالمين