بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين
اللهم صلي وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد رسول الله وآله وأزواجه وأصحابه الغر الميامين
وصلى اللهم وسلم على الأنبياء والمرسلين والملائكة أجمعين
وأرض اللهم ربنا عن سائر الأولياء ومشايخنا الصالحين
واغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ )31-32 لقمان
ويعقب السياق على ذلك المشهد الكوني , وهذه اللمسة الوجدانية , بمشهد آخر من مألوف حياة البشر . مشهد الفلك تجري في البحر بفضل الله . ويفهم في هذا المشهد أمام منطق الفطرة حين تواجه هول البحر وخطره , مجردة من القوة والبأس والبطر والغرور:
والفلك تجري في البحر وفق النواميس التي أودعها الله البحر والفلك والريح والأرض والسماء . فخلقة هذه الخلائق بخواصها هذه هي التي جعلت الفلك تجري في البحر ولا تغطس أو تقف . ولو اختلت تلك الخواص أي اختلال ما جرت الفلك في البحر .
لو اختلت كثافة الماء أو كثافة مادة الفلك . لو اختلت نسبة ضغط الهواء على سطح البحر . لو اختلت التيارات المائية والهوائية . لو اختلت درجة الحرارة عن الحد الذي يبقي الماء ماء , ويبقي تيارات الماء والهواء في الحدود المناسبة . . لو اختلت نسبة واحدة أي اختلال ما جرت الفلك في الماء , وبعد ذلك كله يبقى أن الله هو حارس الفلك وحاميها فوق ثبج الأمواج وسط العواصف والأنواء , حيث لا عاصم لها إلا الله . فهي تجري بنعمة الله وفضله على كل حال . ثم هي تجري حاملة نعمة الله وفضله كذلك . والتعبير يشمل هذا المعنى وذاك: (ليريكم من آياته). . وهي معروضة للرؤية , يراها من يريد أن يرى ; وليس بها من غموض ولا خفاء . . (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). . صبار في الضراء , شكور في السراء ; وهما الحالتان اللتان تتعاوران الإنسان .
ولكن الناس لا يصبرون , ولا يشكرون , إنما يصيبهم الضر فيجأرون , وينجيهم الله من الضر فلا يشكر منهم إلا القليل:
(* وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.....)
فأمام مثل هذا الخطر , والموج يغشاهم كالظلل والفلك كالريشة الحائرة في الخضم الهائل . . تتعرى النفوس من القوة الخادعة , وتتجرد من القدرة الموهومة , التي تحجب عنها في ساعات الرضاء حقيقة فطرتها , وتقطع ما بين هذه الفطرة وخالقها . حتى إذا سقطت هذه الحوائل , وتعرت الفطرة من كل ستار , استقامت إلى ربها , واتجهت إلى بارئها , وأخلصت له الدين , ونفت كل شريك , ونبذت كل دخيل . ودعوا الله مخلصين له الدين .
((فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ)
لا يجرفه الأمن والرخاء إلى النسيان والاستهتار إنما يظل ذاكرا شاكرا , وإن لم يوف حق الله في الذكر والشكر فأقصى ما يبلغه ذاكر شاكر أن يكون مقتصدا في الأداء .
ومنهم من يجحد وينكر آيات الله بمجرد زوال الخطر وعودة الرخاء: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ). . والختار الشديد الغدر , والكفور الشديد الكفر ; وهذه المبالغة الوصفية تليق هنا بمن يجحد آيات الله بعد هذه المشاهد الكونية , ومنطق الفطرة الخالص الواضح المبين .
وبمناسبة هول البحر وخطره الذي يعري النفوس من غرور القوة والعلم والقدرة , ويسقط عنها هذه الحواجز الباطلة , ويقفها وجها لوجه أمام منطق الفطرة . بمناسبة هذا الهول يذكرهم بالهول الأكبر ,