قرية بني عدي.. حالة فريدة من نوعها..

فبرغم أنها تقع في بحر من الثارات المنتشرة في الصعيد حيث تتبع مركز منفلوط بمحافظة أسيوط‏..‏ إلا أنها تكاد تكون القرية الصعيدية الوحيدة التي لم تعرف علي مدي تاريخها حالة ثأر واحدة‏,‏ وليس هذا فحسب بل انها تسجل اسمها بأحرف من نور في سجل أشرف البقاع المصرية التي خرجت كوكبة من العباقرة والمبدعين والعلماء في سائر المواهب والتخصصات‏.‏

أبناؤها يشيرون إلي اتحادهم وتعاونهم وتآخيهم باعتباره سر نجاحهم ومفتاح أمنهم في حين يصف علماء الاجتماع أوضاع القرية بأنها نموذج عملي للأمن الاجتماعي الذي يؤدي بالتبعية إلي النهوض الحضاري‏,‏ في حين يعد شباب القرية بأن يسيروا علي أمجاد آبائهم وأجدادهم في مواجهة غزو العادات الوافدة‏,‏ والتطلعات المادية المفرطة‏.‏

قرية بني عدي تنحدر في أصلها من قبيلة عربية هي قبيلة‏[‏ عدي‏]‏ وهي قبيلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه‏.‏

عرفت منذ القدم بقرية العلم والعلماء‏,‏ والكثير من أهلها رجال ونساء وشباب يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب حيث تنتشر كتاتيب تحفيظ القرآن علاوة علي أن نسبة التعليم بها أكثر من‏90%‏

أنجبت بني عدي علماء كبارا برعوا في تخصصاتهم المختلفة وفي مقدمتهم الدكتور أحمد كمال أبو المجد وزير الاعلام الأسبق ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان‏.‏ ويوسف السباعي من سلاح الفرسان ووزير الثقافة والاعلام الأسبق ورئيس مؤسسة الأهرام الأسبق‏,‏ والشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق‏,‏ والشيخ والعلامة الكبير إسماعيل صادق العدوي إمام الجامع الأزهر والشيخ صالح موسي شرف الذي كان رئيس هيئة كبار العلماء بالأزهر‏.‏

مشاركة شعبية
هذه القرية يعيش فيها المسلمون والأقباط متحابين ومتعاطفين ومشاركين في كافة الأعمال وكذلك الأعمال الخيرية‏.‏

كما تمتاز بني عدي بالمشاركة الشعبية بالجهود الذاتية في كل مشاريعها الخدمية‏..‏ يقول الدكتور علي عبد الرحمن بودي وهو من احدي كبريات العائلات في القرية انه فوق ذلك كله يأتي يوم‏18‏ أبريل من كل عام لتحتفل محافظة أسيوط بيومها الوطني بمناسبة تصدي أبناء بني عدي للحملة الفرنسية في‏18‏ ابريل عام‏1799‏ إذ اندلعت ثورة في بني عدي ضد الفرنسيين وكان الفدائيون من أبنائها يقومون بعمليات فدائية ضد السفن والمراكب الفرنسية العابرة في نهر النيل‏.‏

يقول عبد الحميد بركات‏(‏ جبرتي بني عدي‏)‏ إن عدم وجود عنف في بني عدي مرجعه لأنه لا توجد بطالة إذا هي أهم سبب للعنف‏.‏

ويضيف عبد الحميد بركات ان التدين الحقيقي لا المتشدد للمسلمين والمسيحيين يمنع الخلاف إلي الأبد كما لدينا في بني عدي عائلة معروفة تسمي عائلة القمص التي تتفاني في خدمة أبناء القرية‏.‏

ويتدخل أحمد عوض سلامة فيقول‏:‏ الترابط العائلي والأسري الكبير في بني عدي سمة من السمات المميزة لبلدة بني عدي‏..‏ قرية العلماء والقضاة والوزراء والكتاب‏.‏

علماء‏..‏ وأعلام
يقول الحاج عبد الحافظ بودي برغم عملي سفيرا لمصر في دول أوروبية فإنني لم أنس يوما قريتي بني عدي وأهلي وإخواني المسلمين والأقباط فالترابط الأسري والتعامل بروح الود والمحبة هو أهم ما يميز أبناء بني عدي ولدينا جمعية أهلية في منطقة أبوالعلا بالقاهرة ولها فرع في بني عدي نقوم من خلالها بمساعدة من يحتاج للمساعدة وتقديم النصح والإرشاد لشباب بني عدي‏.‏

ويضيف‏:‏ والدي المرحوم مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ حسنين مخلوف أوصاني عند وفاته عام‏1990‏ وكان عمره مائة عام بالتواصل بيني وبين أقاربي وإخواني في بني عدي‏.‏

عبدالغني أحمد ريش من أبناء بني عدي أيضا ويعمل بالتجارة‏..‏ يقول‏:‏ قريتنا وهي الوحيدة علي مستوي الوجه القبلي التي لا توجد بها حالة ثأر واحدة فهي قرية العلم والعلماء‏,‏ وبلدة القرآن الكريم وفيها‏200‏ دكتور في اللغة العربية حتي أطلقوا عليها كلية اللغة العدوية‏.‏ ويتدخل حسن علي حمزة بالقول‏:‏ كان من أعلام بني عدي كذلك القمص شنودة الذي رحلت روحه الطاهرة في العام الماضي هو صاحب أكبر رصيد في السعي لقضاء المصالح وحب الأهالي له‏.‏

المستشار حسن الدردير يقول‏:‏ إن قرية بني عدي تسمي قرية العدل لأن جذورنا تمتد إلي قبيلة عدي وهي قبيلة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

التفسير الاجتماعي
ماذا يقول كبار علماء الاجتماع حول ظاهرة بني عدي؟
تقول الدكتورة مايسة المفتي أستاذ علم الإجتماع بجامعة عين شمس‏:‏ إن هذه القرية تعد نموذجا فريدا للأمن الاجتماعي‏,‏ ونحن أساتذة علم الاجتماع ـ نعرف هذه القرية لأنها تكاد تكون القرية الوحيدة في الصعيد الخالية تماما من حوادث الثأر‏.‏ وتعزي د‏.‏ مايسة المفتي ذلك للعلم فالعلم يؤدي دورا كبيرا في البعد عن العصبيات‏,‏ وتغليب المصالح العامة علي المصلحة الخاصة‏.‏

اللواء اسماعيل الشافعي يقول‏:‏ كنت سكرتيرا عاما مساعدا ثم سكرتيرا عاما في عهد المحافظ اللواء أحمد همام عطية وقرية بني عدي تعد نموذجا فريدا علي مستوي مصر لا علي مستوي الوجه القبلي فكل شخصية من الشخصيات العامة من بني عدي يشار إليها بالبنان‏.‏ وتكاد تكون القرية الوحيدة في محافظة أسيوط التي لا تطلب مساعدات مادية من المحافظة فكل شيء فيها بالجهود الذاتية‏,‏ من طرق ومدارس ومعاهد ومساجد وكنائس‏,‏ وأتمني أن تكون مصر كلها مثل بني عدي‏.‏ المستشار سري صيام مساعد وزير العدل للتشريع يقول‏:‏ برغم أنني لست من بني عدي لكننا نفخر بهذه القرية التي لا توجد بها حالة ثأر واحدة علي مر تاريخها‏.‏ وأعتقد أن العلم وعدم التشدد والجهود الذاتية والتآخي بين المسلمين والأقباط‏,‏ وحب الأخ لأخيه والتعليم الجيد والقدوة الحسني المتمثلة في أعلام كبيرة والعدد الكبير من المستشارين الكبار في مجلس الدولة أو محكمة النقض والاستئناف والعدد الكبير من أبناء القرية الذين يلتحقون بالنيابة العامة‏..‏ كل هذه أسباب طبيعية لإختفاء ظاهرة الثأر في هذه القرية التي تعد نموذجا إيجابيا يستحق منا الإشادة‏.‏

المصدر جريدة الاهرام