محمدالعدوى مديرعام المنتدى
| موضوع: الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلى وموقفه من التصوف والصوفية السبت يوليو 14, 2018 6:55 pm | |
| الدكتور محمد سيد سلطان العدويالمدرس بجامعة الأزهر وجامعة الأزهر شهادة سلفية فى قضايا صوفية مجال فى التقريب بين الطوائف الإسلامية الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلى - رضى الله عنه -ما زال الحديث موصولاً مع أئمة السلفية فى شهادتهم للتصوف الإسلامى والسـادة الصوفية ، حتى يثبت للجميـع أن هذا القول الذى يردده بعض الناس : " بأن التصوف كله باطل ، وأن الصوفية طائفة زائفة ، لا علاقة لها بالإسلام ، بل هم أعداء له ، وأن أصلهم من اليونان ، وبوذية الهند ... إلخ ما يقولون " نسبته إلى أئمة السلف كذب وبهتان ، وليعلم يقيناً أن من ادعى ذلك فإما أنه جاهل مغرور ، أو كذاب مفتون ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون . وها نحن اليوم مع الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلى - رضى الله عنه -تعريف بالإمام الحافظ :هو زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ المقرئ المحدث شهاب الدين أحمد ابن الإمام المحدث رجب عبد الرحمن البغدادى ثم الدمشقى الحنبلى الشهير بابن رجب لقب جده . ولد ابن رجب ببغداد فى ربيع الأول سنة 736هـ وقدم دمشق وهو صغير مع والده سنة 744هـ ، وأخذ العلم عن والده ثم رحل إلى الأقطار الإسلامية ، ورافق الحافظ العراقى ، ولازم الشيخ العلامة ابن القيم إلى أن توفى ابن القيم واستقر بمدينة دمشق ، كان - رضى الله عنه - صاحب تهجد وعبادة ، وكانت له مجالس تذكير . قال ابن ناصر : كانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة ، وللناس عامة ، مباركة نافعة ، اجتمعت الفرق عليه ومالت القلوب بالمحبة إليه . وتوفى ليلة الاثنين رابع شهر رمضان سنة 795هـ ببستان كان قد استأجره ، وله – رحمه الله تعالى – مؤلفات عديدة تدل على سعة اطلاعه وتبحره فى العلوم الشرعية والنقلية .روايته عن الصوفية فى كتبه :وغالب كتب الحافظ ابن رجب مشحونة بذكر السادة الصوفية وكلامهم وأحوالهم فعلى سبيل المثال , يروى فى كتابه : " لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف " فيقول :" وعظ عبد الواحد بن زيد – وهو شيخ الصوفية فى وقته - يوماً فصاح به رجل : يا أبا عبيدة كف فقد كشفت بالموعظة قناع قلبي فأتم عبد الواحد موعظته فمات الرجل .ويقول : صاح رجل في حلقة الشبلي فمات فاستعدى أهله على الشبلي إلى الخليفة – أى شكوه وأرادوا الأخذ بثأره - فقال الشبلي : نفس رنّتْ – أى صاحت - فحنّت , فدُعيتْ فأجابت فما ذنب الشبلي ؟ فكَّر في أفعاله ثم صـــــاح *** لا خير في الحب بغير افتضاح قد جئتكم مستأمناً فارحموا *** لا تقتلوني قد رميت الســـلاحوكان الحسن – أى البصرى - إذا خرج إلى الناس فكأنه رجل عاين الآخرة ثم جاء يخبر عنها , وكانوا إذا خرجوا من عنده خرجوا وهم لا يعدون الدنيا شيئاً " . [ اللطائف ، ص 28 ، 29 ] .حديثه عن أولية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الله :من القضايا التى تثير جدلاً بين الناس كونه - صلى الله عليه وسلم - أول خلق الله - تعالى – إذ تجد كثيراً من الناس يخبط فيها خبط عشواء ، ويهرف بما لا يعرف ، ويجادل فيها بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . ولكنك تجد هذا الحافظ الكبير يتناول هذه القضية بشيء من التفصيل ويحقق القول فيها بما لا مزيد عليه ، فيقول فى كتابه : " لطائف المعارف " : وظائف شهر ربيع الأول فى ذكر مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خرج الإمام أحمد من حديث العرباض بن سارية السلمي - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين , وإن آدم لمنجدل في طينته , وسوف أنبئكم بتأويل ذلك : دعوة أبي إبراهيم , وبشارة عيسى قومه , ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام , وكذلك أمهات النبيين يرين " وخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد وقد روي معناه من حديث أبي أمامة الباهلي من وجوه أخرى مرسلة . وهو حديث صحيح عند المحدثين . قال الحافظ : المقصود من هذا الحديث أن نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله ويخرجه إلى دار الدنيا حياً وأن ذلك كان مكتوباً في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم - عليه السلام - وفسر " أم الكتاب " باللوح المحفـوظ ، وبالذكر في قوله تعالى : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [ الرعد : 39 ] . وفي صحيح مسـلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " . ومن جملة ما كتبه في هذا الذكر وهو " أم الكتاب " أن محمداً خاتم النبيين. ومن حينئذ انتقلت المخلوقات من مرتبة العلم إلى مرتبة الكتابة وهو نوع من أنواع الوجود الخارجيّ . ولهذا قال سعيد بن راشد سألت عطاء – يعنى الخراسانى - : هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نبياً قبل أن يخلـق ؟ قال : إي والله , وقبل أن تخلق الدنيا بألفي عام . خرجه أبو بكر الآجرّي في كتاب : " الشريعة " وهذا إشارة إلى ما ذكرنا من كتابة نبوته - صلى الله عليه وسلم - في " أم الكتاب " عند تقدير المقادير , وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : " إني عند الله في أم الكتاب لخاتـم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته " ليس المراد به - والله أعلم - أنه حينئذ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين , وإنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوباً في أم الكتاب في تلك الحال قبل نفخ الروح في آدم , وهو أول ما خلق من النوع الإنساني . وجاء في حديث آخر أنه في تلك الحال وجبت له النبوة , وهذه مرتبة ثالثة وهي انتقاله من مرتبـة العلم والكتابة إلى مرتبـة الوجود العيني الخارجي , فإنه - صلى الله عليه وسلم - استخرج حينئذ من ظهر آدم ونبىء , فصارت نبوته موجودة في الخارج بعد كونها كانت مكتوبة مقدرة في أم الكتاب . ففي حديث ميسرة الفجر قال : قلت يا رسول الله متى كنت نبياً ؟ قال : " وآدم بين الروح والجسد " خرجه الإمام أحمد والحاكم ، وهو حديث صحيح . قال الإمام أحمد في رواية مهنّا بن يحيي ، وبعضهم يرويه : متى كتبت نبياً ؟ من الكتابة فإن صحت هذه الرواية حملت مع حديث العرباض بن سارية على وجوب نبوته وثبوتها وظهورها في الخارج , فإن الكتابة إنما تستعمل فيما هو واجب , إما شـرعاً كقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } أو قدراً كقوله تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } , وفي حديث أبي هريرة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا : يا رسول الله ! متى وجبت لك النبوة ؟ قال : " وآدم بين الروح والجسد " خرجه الترمذي وحسنه وفي نسخة صححه , وخرجه الحاكم . وروى ابن سعد من رواية جابر الجعفي عن الشعبي قال : قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : متى استنبئت ؟ قال : " وآدم بين الروح والجسـد ، حين أخذ مني الميثاق " وهذه الرواية تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - حينئذ استخرج من ظهر آدم ونبىء ، وأخذ ميثاقه , فيحتمل أن يكون ذلك دليلاً على أن استخراج ذرية آدم من ظهره , وأخذ الميثاق منهم كان قبل نفخ الروح في آدم , وقد روي هذا عن سلمان الفارسي وغيره من السلف . ويستدل له أيضا بظاهر قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ } [ الأعراف : 11 ] على ما فسره به مجاهد وغيره : أن المراد : إخراج ذرية آدم من ظهره قبل أمر الملائكة بالسجود له , ولكن أكثر السلف على أن استخراج ذرية آدم منه كان بعد نفخ الروح فيه , وعلى هذا تدل أكثر الأحاديث , فيحتمل على هذا أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - خص باستخراجه من ظهر آدم قبل نفخ الروح فيه , فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو المقصود من خلق النوع الإنساني , وهو عينه وخلاصته وواسطة عقده , فلا يبعد أن يكون أخرج من ظهر آدم عند خلقه قبل نفخ الروح فيه . وقد روي أن آدم - عليه السلام - رأى اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - مكتوبا على العرش , وأن الله - عز وجل - قال لآدم : " لولا محمد ما خلقتك ... " وقد خرجه الحاكم في صحيحه فيكون حينئذ من حين صوّر آدم طيناً استخرج منه محمد - صلى الله عليه وسلم - ونبىء وأخذ منه الميثاق , ثم أعيد إلى ظهر آدم حتى خرج في وقت خروجه الذي قدر الله خروجه فيه , ويشهد لذلك ما روي عن قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث " أخرجه ابن سعد فى الطبقات مرسلاً . وفي رواية : " أول الناس في الخلق " وخرجه الطبراني من رواية قتادة عن الحسن , وعن أبي هريرة مرفوعاً والمرسل أشبه , وفي رواية عن قتادة مرسلة ثم تـلا : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [ الأحزاب : 7 ] فبدأ به قبل نوح الذي هو أول الرسل فمحمد - صلى الله عليه وسلم - أول الرسل خلقا , وآخرهم بعثا , فإنه استخرج من ظهر آدم لما صور , ونبىء حينئذ وأخذ ميثاقه , ثم أعيد إلى ظهره . ولا يقال : فقد خلق آدم قبله , ولأن آدم حينئذ كان مواتا لا روح فيه ومحمد - صلى الله عليه وسلم - كان حيا حين استخرج ونبىء وأخذ ميثاقه , فهو أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا , فهو خاتم النبيين باعتبار أن زمانه تأخر عنهم , فهو المقفى , والعاقب الذي جاء عقب الأنبياء ويقفوهم , قال تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [ الأحزاب : 40 ] . وفي الصحيحين عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويعجبون منها ويقولون : لولا موضع اللبنة " زاد مسلم قال : " فجئت فختمت الأنبياء " أ.هـ ما قاله الحافظ ابن رجب فى هذه القضية . هذا وقال بعض أهل العلم : إن الترتيب بين الزمن القبلى والبعدى وعدم الرؤية من السابق لشيء يتعلق بمن أتى بعده هذا أمر خاص بالخلق ولا يقال هذا لخالق الزمان والأكوان ، وما يكون فيها ، فهو سبحانه عالم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة . وعلى ذلك فلا إنكار على من يقول : يا أول خلق الله وخاتم رسل الله . فقد ثبت هذا بالأدلة المتقدمة التى ساقها الحافظ – رحمه الله تعالى - .كرامة الكشف والفراسة والإلهام :من ثمرات السلوك إلى الله الكشف والفراسة والإلهام، وفى الحديث: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظـر بنور الله " [ رواه الترمذى فى كتاب : التفسـير عن أبى سعيد الخدرى ] .وهى من الأمور التى ينكرها خصوم التصوف إنكاراً شديداً ، ولكنك ترى الحافظ ابن رجب يذكر فى تراجم علماء الحنابلة المتصوفين ما وقع لهم من كشف وفراسة وإلهام فيقول فى ترجمة سيدى عبد القادر الجيلانى - رضى الله عنه - :وقرأت بخط ابن الحنبلى أيضا أن خاله أبا الحسن بن نجا الواعظ اجتمع بالشيخ عبد القادر وكان يحكى عنه . قال : سبقت يوم العيد إلى المصلى إلى المكان الذى يصلى فيه الشيخ عبد القادر ، قال : فجاء الشيخ عبد القادر ومعه خلق كثير ، والناس يقبلـون يده ، فصلى ركعتين قبل الصلاة ، فقلت فى نفسى : ما هذه الصلاة ؟ فمن السنة ألا تنفل قبلها . قال : فلما سلم التفت إلىّ وقال : لها سبب ... [ الذيل على طبقات الحنابلة : 1 / 290 ] .وقال فى ترجمة الشيخ عبد الله الجبائى البغدادى - رضى الله عنه – :وقال ابن النجار وكان الشيخ يوماً يتكلم فى الإخلاص والرياء والعجب وأنا حاضر فى المجلس فخطر فى نفسى : كيف الخلاص من العجب ؟ فالتفت إلىّ الشيخ وقال : إذا رأيت الأشياء من الله ، وأنه وفقك لعمل الخير وأخرجت نفسك من الشين سلمت من العجب أ.هـ [ الذيل : 2 / 36 ] .وقال فى ترجمة موفق الدين بن قدامة الحنبلى - رضى الله عنه - :قال سبط بن الجوزى : حكى أبو عبد الله بن فضل الأعتاكى قال : قلت فى نفسى : لو كان لى قدرة لبنيت للموفق مدرسـة ، وأعطيته كل يوم ألف درهم ، قال : فجئت بعد أيام فسلمت عليه فنظر إلىّ وتبسم ، وقال : إذا نوى الشخص نية كتب له أجرها أ.هـ [ الذيل : 2 / 133 ] .هذا ، وهناك إشارات كثيرة فى كتاب : " الذيل على طبقات الحنابلة " تدل على أن طريق التصوف قد سلكه كثير من السادة الحنابلة وحصل لهم منه الكشف والإلهام والفراسة والكرامة .ومن أراد الاستزادة فليرجـع إلى هذا الكتاب العظيم حتى يعرف الحق وأهله ، والرجل يدور مع الحق حيث دار ، والله تعالى يردنا إلى الحق ، ويهدينا إلى سواء السبيل إنه نعم المولى ونعم النصير . | |
|