نقد خطبة الخشية وقصة الغامدية
الخطبة تحدثنا عن حكاية لا أصل لها لو تمعن فيها من يحكونها لوجدوا أنهم يتهمون الرسول(ص) بكونه جاهل بأحكام الله ومعاذ الله أن يكون جاهلا يقول الخطيب حاكيا:
"أما بعد انظروا إليها تقطع مراحل الزمن وتطوي صفحات التاريخ لتسجل للأجيال موقفا نادرا ، يقف له التاريخ هيبة وإجلالا
امرأة ضعيفة عصفت بها لحظة من لحظات الضعف فوقعت في الفاحشة ولما كشف عنها غطاء الغفلة ، انتفض الإيمان في قلبها ، فجادت بنفسها ، وأبت إلا أن تكون هي الفداء ، لتسبق الأحياء ، وتضع رحلها في جنة عرضها الأرض والسماء
ها هي تقبل على رسول الله بخطى ثابتة, وفؤاد يرجف وجلا وخشية, رمت بكل مقاييس البشر وموازينهم, تناست العار والفضيحة, لم تخش الناس, أو عيون الناس, وماذا يقول الناس؟ أقبلت تطلب الموت, نعم تطلب الموت, فالموت يهون إن كان معه المغفرة والصفح, يهون إن كان بعده الرضا والقبول, يهون إن كان فيه إطفاء لحرقة الألم, ولسع المعصية, وتأنيب الضمير (يا رسول الله أصبت حدا فطهرني) فيشيح النبي عنها بوجهه, فتقبل عليه وتقول: يا رسول الله أصبت حدا فطهرني فيقول الرؤوف الرحيم (ص): ويحك ، ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فتقول : تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك؟ والله إني حبلى من الزنا, فيقول : ((اذهبي حتى تضعيه)) فولت والفرح يملأ قلبها, والسرور يخالط نفسها أن نجت من موت محقق؟ وردها رسول الله؟ كلا, بل لم يزل هم الذنب يعترك في فؤادها ، وسياط الخوف تسيطر على تفكيرها
ويمر الشهر والشهر, والآلام تلد الآلام, فتأتي بوليدها تحمله ها أنا ذا وضعته فطهرني يا رسول الله, فيقول الرؤوف الرحيم (ص): ((اذهبي حتى ترضعيه فتفطميه))
وتعود بابنها الرضيع فلو رأيتها ، ووليدها بين يديها, والناس يرقبونها عجبا وإكبارا ترضع وليدها حولين كاملين كلما ألقمته ثديها, أو ضمته إلى صدرها زاد تعلقها به وتعلقه بها, وحبها له, كيف لا وهي أمه ولا تسل عن حنان الأم وعطفها
وتمضي السنتان فتأتي بوليدها وفي يده خبزة يأكلها يا رسول الله قد فطمته فطهرني !!
عجبا لها ولحالها! أي إيمان تحمله؟ وأي إصرار وعزم تتمثله؟ قرابة الثلاث سنين , والأيام تتعاقب, والشهور تتوالى, وفي كل لحظة لها مع الألم قصة, وفي عالم المواجع رواية ومع هذا فلا تزال ثابتة على موقفها ، خائفة من ذنبها ، منيبة إلى ربها
ثم كان أمر الله فيدفع النبي الصبي إلى رجل من المسلمين, ويؤمر بها فترجم ورجم الزاني المحصن هو شرع الله ، والله أحكم الحاكمين ، ويجب على العاقل أن لا ينظر إلى هذه العقوبة الشديدة دون أن ينظر إلى خطورة جريمة الزنا الجريمة التي تعصف بالدين والعرض والنسل والنفس "
بداية نراجع الحكاية زانية ولا يوجد زانى ؟
هل هذا يعقل ؟
حبلى من دون مجامع أهذا يعقل؟
قطعا هذا خبل ما بعده خبل خاصة أنها لو كانت عذراء لثبتت الجريمة بالحبل وأما وهى محصنة أى متزوجة فلا يمكن أن تثبت الجريمة إلا بمجىء أو احضار الزانى واعترافه أنه زنى معها وكل روايات الحديث لا يوجد فيها الزانى المزعوم
المهم أنهم صدقوها لمدة ثلاث سنوات دون أن يسألوا عن الزانى ودون أن يطلقوها بلا حقوق أى ينزع منها المهر ويعاد للزوج كما قال تعالى "فلا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "
وتطرد من بيت الزوجية كما قال تعالى "يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهم وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة"
الرواية هنا لا يمكن إثبات فيها جريمة الزنى لعدم وجود الشهود الأربع كما قال تعالى ""لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون"
لا يوجد شهود أربع فالمرأة طبقا للآية كاذبة ولا يمكنها أن تثبت الجريمة إلا باقرارها وإقرار الزانى كما قال تعالى " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم" فإن اعترفا معا فقد ثبتت الجريمة وإن اعترف واحد منهما جلد لأنه يكون قد اتهم الأخر زورا ويستحق الجلد 80 جلدة كما قال تعالى :
"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا
هذا عن مخالفات الرواية لاثباتات الزنى وأما مخالفتها لأحكام الله فهى أنها تثبت حكما مناقضا لكتاب الله وهو أن عقاب الزانية والزانى المتزوجين هو الرجم مع أن الله لم يحدد نوعية الزناة فى قوله : "الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"
والمصيبة الأخرى أن عقوبة الأمة المتزوجة هى نصف عقوبة الحرة المتزوجة كما قال تعالى :
"فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب"
إذا كيف نوجد نصف موت؟
مستخيل
والمصيبة الأخرى أن عقوبة زوجة النبى0ص) لو زنت هى ضعف عقوبة الزانية العادية فلو كانت العقوبة الرجم فكيغ سنميت تلك الزوجة مرتين ؟
كلام يخالف النص والعقل وقوله فى حد زوجة النبى هو :
"يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين"
ثم يحدثنا الخطيب قائلا:
"وإن من التناقض الذي يقع فيه دعاة ما يسمى بحقوق الإنسان ؛ رأفتهم بالجاني القاتل والسارق والزاني ، ونسيانهم قسوة الجريمة ، وما يصيب المجني عليه وأهله ، وما يصيب الأسرة والمجتمع
الرجم ردع وزجر عن انتشار الزنا في المجتمع ، ثم هو تطهير لمن أقيم عليه ، فلا يحتاج بعده إلى تطهير في النار ، ولعذاب الآخرة أشد ومن عذاب الدنيا
رجمت المرأة وبينما كانت ترجم ، يطيش بعض دمها على خالد بن الوليد, فيسبها على مسمع من النبي , فيقول (ص): ((والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت منه)) ، ثم يأمر بها فيصلى عليها ثم تدفن والحديث رواه مسلم
وفي رواية أخرى أن عمر - - قال : تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ قال (ص): (( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ؟!"
بقية الرواية خبل وجنون فالله لم يشرع لنا أن تكون توبة المسلم موته وإنما هذه كانت توبة خاصة بعبدة العجل كما قال تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"
ومع هذا لم ينفذ هذا أحد إلا القليل ومن ثم تاب عليهم بالتوبة العادية كما قال تعالى " فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"
وهو يخبرنا أنه لو كتب ذلك فلن يفعله سوى القليل جدا من الناس وهو قوله""ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم"
ومن ثم اعتبر الله هذا الأمر منه محال ولم يكتبه على الناس وذلك بالحرف لو
ثم قال:
"الله أكبر إنه الخوف من الله, إنها خشية الله ، ترتقي بالنفوس فلا ترى لها قرارا إلا بجوار الرحمن في جنة الرضوان
نعم ، لقد أذنبت المرأة حين وقعت في حبائل الشيطان, واستجابت له في لحظة ضعف ، لكنها قامت من ذنبها بقلب يملأه الإيمان, ونفس تلهبها حرارة المعصية, ولسان حالها: كيف أعصيه وهو المنعم الخالق! كيف أعصيه وهو الواهب الرازق ؟ كيف أعصيه وقد نهاني؟ كيف أعصيه وقد كساني وآواني؟! فلم تقنع إلا بالتطهير وإن كان طريقه إزهاق النفس وذهاب الحياة مع أنها لو استغفرت وتابت إلى ربها توبة نصوحا لتاب الله عليها ، لكنها أخذت بالحزم والتطهير المضمون الذي لا رجوع بعده للذنب"
قطعا خشية الله تكون بطاعته وليس من طاعته قتل النفس كتكفير للذنب لأنه حرم قتل النفسي إلا بالحق وهو قتلها لنفس اخرى عمدا او الفساد فى الأرض وهو محاربة دين الله والمحاربة لا تعنى الزنى لأن الزنى له عقوبة بمفرده فهو ليس داخل ضمن الفساد فى الأرض وهو ترويع وإخافة الناس بجرحهم أو طردهم من بيوتهم او مساعدة الأعداء عليهم أو نهب وسلب أموالهم وانتهاك أعراضهم بالاغتصاب
ثم حكى لنا حكاية أخرى فقال:
"أيها المؤمنون ذلكم هو موقف تلك المرأة وفي موقف تاريخي آخر ، حضره الشيطان, وقلت فيه خشية الرحمن ، أجمع إخوة يوسف (ص) على رميه في غياهب البئر, وكان ما كان من أمر السيارة, وبيع يوسف وهو الحر الأبي, وراودته امرأة العزيز , حتى تجملت وقالت هيت لك, قد ملكت جمالا تغريه به, ومنصبا وجاها يحفظه من العقوبة, وكان الطلب منها بعد أن غلقت الأبواب، وهو شاب غريب ، بعيد عن أهله ، تضطرم الشهوة في نفسه
فتصور كل هذا, والمكان يعلوه السكون, لا يسمع فيه إلا نداء الإثم والفجور, هيت لك, هيت لك
فيبدد يوسف(ص) هذا السكون ، ويضج المكان بنداء الخشية والإيمان ، قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ، ويفر يوسف إلى الله , ويهرب إلى الباب لما رأى برهان رب الأرباب
وتمضي الأيام ، وتهدده امرأة العزيز ، (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه نعم السجن أحب إلى المؤمن الذي يخشى الله من الفاحشة والرذيلة
وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر منهم: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله))
عباد الله الخوف والخشية عبادة عظيمة ، غابت أو ضعفت في حياة كثير من الناس إلا من رحم الله, غابت في تعاملنا مع ربنا, في تعاملنا مع أنفسنا, في تعاملنا مع الناس ، في بيعنا وشرائنا, في تربيتنا لأبنائنا, في أدائنا لوظائفنا, في تعاملنا مع الأجراء والخدم والموفق من وفقه الله لخشيته وتقواه
إن الخشية الحقة, والخوف المحمود هو الذي يحمل على العمل, فلا يزال يدفع بصاحبه إلى الطاعة, وينفره من المعصية
الخشية الحقة هي التي تربي القلب حتى لا ينظر إلى صغر المعصية، ولكن ينظر إلى عظمة من عصى
قال الحسن: "إن الرجل ليذنب الذنب فما ينساه, وما يزال متخوفا منه حتى يدخل الجنة" رواه البخاري ومسلم
وقال ابن عون : لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا ، ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا
عباد الله وخشية الله تعالى إنما تظهر في أوقات الخلوات وساعات الوحدة والعزلة عن الخلق كثير أولئك الذين يتصدقون أمام الناس ولكنهم في السر قليل, كثير الذين يتورعون عن ظلم الناس أمام الناس وهم في السر أظلم الخلق, كثير هم أولئك الذين يقومون بالطاعات ويهجرون المعاصي في حضرة الخلق, وإذا خلوا بمحارم الله انتهكوها
إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير "
قطعا خشية الله مطلوبة وهى أساس الطاعة فمن لا يخاف العقاب الأخروى لن يطيع الله ويوسف(ص) خاف من عذاب الله فامتنع عن الزنى وكذلك حال كل من يخاف الله
ثم قال الخطيب :
"أيها الإخوة المؤمنون (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فقد كان من أخشى الناس لربه ، وأكثرهم تعظيما وإجلالا له سبحانه
روى الإمام مسلم عن عائشة قالت: فقدت رسول الله ليلة من الفراش, فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد (أي في السجود) وهما منصوبتان وهو يقول: ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, وأعوذ بك منك, لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))
وهكذا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان في خوفهم من الله وخشيتهم له
قال عمر بن الخطاب : "لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو"
وقرأ عمر بالطور فلما بلغ (إن عذاب ربك لواقع) بكى واشتد بكاؤه حتى مرض أياما في بيته وصلى زرارة ابن أبي أوفى بالناس الفجر ، فلما قرأ (فإذا نقر في الناقور) خر مغشيا عليه فمات رحمه الله وقام الحسن بن صالح ليلة بـ (عم يتساءلون) فغشي عليه فلم يختمها إلى الفجر وقرأ عمر بن عبد العزيز قوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي وقرأ تميم الداري (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) فجعل يرددها ويبكي
وقيل للإمام أحمد : ما أكثر الداعين لك فتغرغرت عينه بالدموع وقال : أخاف أن يكون هذا استدراجا
هكذا كانت أحوالهم فليت شعري أين نحن منهم ، والواحد منا يقيم على الذنب تلو الذنب ولا يتحرك قلبه ولا تدمع عينه خوفا من الله
وقد روى الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني عن أنس أن النبي دخل على شاب وهو في الموت فقال: ((كيف تجدك؟)) قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي, فقال رسول الله : ((لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو, وأمنه مما يخاف))
وروى الترمذي ـ وقال: حسن صحيح ـ والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع, ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم))
عباد الله عظموا الله في نفوسكم واخشوه واتقوه كما أمركم (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)
وليكن سيركم إلى ربكم بين الخوف والرجاء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الخشية أبدا متضمنة للرجاء ، ولولا ذلك لكانت قنوطا ، كما أن الرجاء يستلزم الخوف ، ولولا ذلك لكان أمنا ، فأهل الخوف لله والرجاء لله هم أهل العلم الذين مدحهم الله "(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) "
قطعا كما قلت خشية الله مطلوبة فى كل وقت وحين ولكنها ليست مطلوبة بالصورة التى تحكيها بعض الروايات كتورم القدمين فهذا لم يفعله النبى(ص) لأنه لم يجعل فى الدين ضرر وكذلك من قام الليل كله بآية فليس فى الدين قيام الليل كله وإنما أقصاه ثلثى الليل كما قال تعالى
"إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك"
ليس من الخشية إيذاء النفس والجسد كما قال تعالى " وما جعل عليكم فى الدين من حرج"