عادت من العمرة لتموت تحت الأنقاض.. مشاهد مفجعة رسمها حطام المنزل المنكوب بأسيوط
دائما ما تكون خلف جدران المنازل حكايات وقصص موجعة، وهذا ما جسده العقار 31 بشارع أحمد مدحت بمنطقة قلتة حي غرب مدينة أسيوط، المنهار على 4 أسر لكل منها حكاية تحركت معها مشاعر الحزن، واهتزت القلوب مع كل دقيقة تتمكن فيها قوات الإنقاذ من انتشال جثة لتخرج معها حكايتها ليرحل صاحب الحكاية ويترك الوجع في قلوب المتابعين.
أحلام تبخرت تحت حطام المنزل، لم يتبقَ منها إلا الدعاء لأصحابها ضحايا المنزل المنكوب، نرصد لكم بعض القصص الموجعة التي تركها أصحاب المنزل المنكوب
صرخات سيارات الحماية المدنية تدوي في شوارع أسيوط
في الساعات الأولى من يوم الأحد الماضي، كان الجميع نائمين في منازلهم بعد أن قررت الحكومة منح يوم الأحد إجازة بمناسبة عيد الميلاد المجيد، ولكن سرعان ما تحول هدوء شوارع مدينة أسيوط إلى صرخات سيارات الإسعاف والشرطة والحماية المدنية، فاستيقظ الجميع في فزع لا يدرون ما يحدث في الشارع، وظل الجميع يتساءل: ماذا حدث؟
دقائق وذاع الخبر كالنار في الهشيم، "انهيار منزل مكون من 5 طوابق على سكانه بمنطقة قلتة"، فخرج الأهالي مهرولين خلف سيارات الحماية المدنية لمعرفة مكان الحادث، ليجدوا تلالا من حطام المنزل تغلق شارع أحمد مدحت، ومعدات الحماية المدنية والإنقاذ السريع تحيط بها من كل جانب، وسيارات الإسعاف تقف وتفتح أبوابها لحمل من يتم إنقاذه من سكان المنزل.
استغاثة من تحت الأنقاض
بدأت قوات الحماية المدنية عملها في البحث عن ناجين أسفل أنقاض المنزل، والتعامل بحذر مع رفع الأنقاض خوفا على السكان أسفلها.
وبعد بحث استمر لساعتين، تلاحظ لأفراد الحماية المدنية وجود صوت لفتاة أسفل الأنقاض تستغيث، ونجحوا في تحديد موقعها في أعلى الأنقاض من الناحية الخلفية، وتبين أنها شقة في الطابق الثالث العلوي، والتي كان يقيم بها عاطف وصفي كيرلس وزوجته منال إبراهيم كيرلس وابنتاه إيريني وماريا، وتتبع قوات الإنقاذ صوت الاستغاثة وهم يواصلون عملهم بكل حذر، حتى تمكنوا من إخراج الابنة "ماريا" على قيد الحياة وتم نقلها إلى مستشفى أسيوط العام.
لحظة خروج ماريا على قيد الحياة
بكاء الأنبا يؤانس في جنازة إيريني
وواصلت قوات الإنقاذ عملها بكل حذر في استكمال رفع الأنقاض لإنقاذ باقي أسرة "ماريا"، ولكن فور الوصول إليهم وجدوهم فارقوا الحياة وسط حطام المنزل المنكوب.
وقاموا بإخراج جثماني والديها وشقيقتها "إيريني" التي تركت قصة مؤثرة اهتزت لها القلوب، حيث ظلت تعاني من التنمر لزيادة وزنها، ما أصابها بالحزن لفترة طويلة، وقررت أن تتحدى ما تواجهه من تنمر وعملت على إنقاص وزنها وعاشت زاهدة في تناول الطعام.
ولأنها كانت من المتفوقات بكلية التربية بجامعة أسيوط، قررت أن تكمل دراستها لتسجل بحث ماجستير، وكانت تعمل في إعطاء جلسات تخاطب لمن يعانون من صعوبة التحدث، كما أنها كانت تشارك في الأعمال التطوعية، منها زيارة المساجين ودور الرعاية، والتحقت بفريق خدمة الكنيسة، وكانت تسعى للرهبنة بدير السيدة العذراء بجبل درنكة.
وخلال عظة صلاة التجنيز، لم يتمالك الأنبا يؤانس، أسقف الأقباط الأرثوذكس بأسيوط، دموعه حزنا عليها قائلا: "أنا وافقت واعتمدت ورق قبولها دخول الدير، وكان يوم 15 يناير موعد إعدادها للرهبنة قديسة، ولكن ذهبت من الأرض إلى أطهر مكان عند خالقها"، وانهمر الحضور بالبكاء.
إيريني عاطف وصفي ضحية المنزل المنكوب
ماتت مستورة وماسكة المصحف على سجادة الصلاة
ولم تتوقف محاولات قوات الحماية المدنية عن البحث رغم الضباب الذي كان يكسو المكان بسبب رفع الأنقاض في كل اتجاه، حتى توصلوا إلى جثمان السيدة نوال محمد محمد زين، والتي كانت مقيمة بالطابق الثاني العلوي، ووجدوها متوفاة على سجادة الصلاة محتضنة المصحف، وقاموا بإخراجها ومعها سجادة الصلاة والمصحف، ليلقي نجلها عليها نظرة الوداع ويحتضنها قائلا: "ماتت مستورة وماسكة المصحف على سجادة الصلاة".
لحظة إخراج جثمان السيدة نوال بسجادة الصلاة والمصحف
مكالمة تليفون من تحت الأنقاض
وواصلت قوات الحماية المدنية عملها حتى سمع أحد أفرادها صوت استغاثة، ووجد مدير إدارة الحماية المدنية العميد وفيق توفيق شخصا يأتي ناحيته مسرعا قائلا له: "عمتي آمال عبد الخالق على قيد الحياة أسفل الأنقاض تتحدث معي في التليفون للاستغاثة".
فأخذ مدير إدارة الحماية المدنية الهاتف وتحدث معها لمعرفة موقعها أسفل الأنقاض، وبكل هدوء حاول تهدئتها وطمأنتها قائلا: "متخافيش إحنا قربنا نوصل ليكي بس نعمل بهدوء حتى لا ينهار الحطام عليكم، حافظي على هدوئك".
وتمكنت القوات من فتح ثقب وقاموا بإلقاء زجاجات المياه إليها ومن معها لحين الانتهاء من رفع الأنقاض من عليهم، واستمرت أعمال رفع الأنقاض حتى تمكنوا من إخراجها على قيد الحياة، وتم نقلها إلى العناية المركزة بمستشفى الإيمان العام.
جاءت من العمرة لتموت مع أخيها
وظلت قوات الحماية المدنية ترفع الأنقاض حتى وصلوا إلى جثمان شقيقها "كمال"، وقاموا بنقله إلى مستشفى أسيوط العام حتى لا تعلم "آمال" بوفاة شقيقها.
وأثناء رفع الأنقاض، سمع أحد الأفراد صوت استغاثة وتتبعت القوات مكان مصدر الصوت عاملين على رفع الأنقاض بكل حذر، حتى تمكنوا من إخراج شقيقتهما "عزة" على قيد الحياة، وتم نقلها إلى مستشفى أسيوط العام، ولكن توفيت بعد وصولها للمستشفى، وتركت قصتها لتترك وجعا بالقلوب، حيث كانت تقيم في الإسكندرية وتوفي زوجها وذهبت لأداء
عمرة، وبعد عودتها جاءت قبل الحادث بيومين إلى شقيقيها "كمال وآمال" للاطمئنان عليهما، وكان الموت كان يناديها في المنزل المنكوب.
ولم تتوقف أعمال البحث ورفع الأنقاض للبحث عن عوني وصفي كيرلس الذي كان يقيم بمفرده في الطابق الأرضي، بعد أن تم استخراج جثمان شقيقه وزوجته وابنتهما إيريني من حطام الطابق الثالث، واستخراج ابنة شقيقه على قيد الحياة، وبعد 13 ساعة من رفع الأنقاض تم استخراج جثمانه ليلحق بشقيقه وزوجته وابنتهما، لتكون حصيلة الحادث المفجع 7 وفيات ومصابتان.
حدوث تشققات وتصدع
وفي مستشفى الإيمان العام، ترقد آمال عبد الخالق صالح، إحدى الناجيات، بالعناية المركزة دون أن تعلم بوفاة شقيقيها "كمال وعزة" أسفل أنقاض المنزل المنكوب.
وقالت إن سبب الانهيار هو بناء برج للطابق الحادي عشر بالمخالفة لشروط التراخيص، ما أثر على المنزل وأدى إلى حدوث تشققات وتصدع؛ مشيرة إلى أن شقيقها "كمال" أرسل عدة شكاوى إلى موقع مجلس الوزراء بسبب بناء العقار الحديث 7 أدوار في أقل من شهر ونصف دون النظر للعقار المجاور له.
السيدة آمال إحدى الناجيات بمستشفى الإيمان العام
وأضافت: “تم إبلاغ شقيقي بتحويل الشكوى إلى محافظة أسيوط لفحص العقار أو اتخاذ قرار بالإزالة الأدوار المخالفة من البرج”، مؤكدة أن أصحاب البرج ليلة الحادث كانوا يواصلون الليل بالنهار في أعمال البناء وتعلية الأدوار من الطابق الرابع حتى أعمدة الطابق الثاني عشر.
وتابعت: “شقيقي تحدث مرارًا وتكرارًا مع ملاك البرج عن تعرض المنزل لتصدع وتشقق، مطالبًا بأن يأتي باستشاري هندسي لفحص العقار للوقوف على حالته الإنشائية حفاظًا على أرواح قاطنيه ولكن كان الرد بكرا، وبكرا يقول بعده، على الرغم من استمراره في البناء المخالف”.
وأوضحت: “ليلة الحادث كان في مقاول يجرى أعمال ترميم للعقار في الطابق الأرضي بعد حدوث التصدع والتشققات به، وكل ما يرمم يقع الترميم وتزداد الشروخ والتصدع حتى السلالم، وفي تمام الساعة 12 مساءً دخل المنزل مهندس برفقة المقاول وأخبره أنه آيل للسقوط".
“اخرجوا من البيت هيقع”.. رسالة على الهاتف
واستطردت: “تلقى شقيقي رسالة هاتفية في تمام الساعة الثانية فجرًا تخبره بالخروج من المنزل بسرعة لأنه معرض للسقوط؛ فقام شقيقي بالاتصال بأصحاب البرج وأخبرهم بأن المنزل سيقع وأنت مستمر في البناء؛ بعدها حاولنا ارتداء الملابس والخروج من المنزل في تمام الساعة الثالثة فجرًا، ولكن كان المنزل وقع فوق رؤوسنا جميعًا”.
https://www.elbalad.news/5604958