في كل عام في شهر أبريل وبالتحديد يوم الثامن عشر تطل علينا ذكرى عطرة , ذكرى غالية علي قلوبنا نحن العدوية خاصة , ذكرى سطرها أجدادنا العدوية بدمائهم الذكية التي سالت علي أرض بني عدي وترابها الطاهر , ذكرى مواقفهم البطولية الخالدة , سطرها التاريخ بحروف من ذهب ومداد من نور , ذكرى أروح ملحمة بطولية خالدة قادها أجدادنا الأبطال , رجال قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه , رجال جعلوا أرواحهم فداء , رجال ضحوا , ورفضوا الذل والهوان , رفضوا الاستسلام للعدوان الفرنسي الغاشم
علي أرض بلدهم , أبوا أن يدنس ترابها الغالي والعزيز عليهم , رجالا قدموا أرواحهم نضالاً ودفاعاً عن بلدهم 0
رجالا بواسل شهد لهم العدو ببطولاتهم وسطرها في مذكراته 0
رجالاً آثروا الشهادة في سبيل الحرية , رجالا عاهدوا الله , وتمسكوا بكتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم , فكتب الله لهم النصر , والعزة والكرامة
رجالا صدق فيهم قول الله تعالي (( ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )
رجالا لم يسلموا تراب أرضهم يدنسه المستعمر ويعيث فيه فسادا , رجالاً اجتمعوا علي قلب رجال واحد هبوا بعصيهم ونبابيتهم لم يهابوا البارود وقذائف المدفعية , فأذهلت المستعمر الغاشم قوة إيمانهم بالله ونصره لهم , كل مكان من أرض بني عدي وترابها الأبي يشهد لهؤلاء الرجال البواسل بمجدهم 0
ولم تقتصر بطولات أجدادي علي هذا اليوم المشهود , بل كانت قبله حيث كان أهل بني عدي يقاومون الظلم, و فرض للضرائب الباهظة التي فرضها حكم المماليك علي كل البلاد أبان حكمهم الظالم , فقاوموا هذا الظلم ولم يظعـنوا لدفع هذه الضرائب , وكانوا يرون في أنفسهم العزة والكرامة , مما توعدوها خاصة لعلمهم بأنها بها أموالاً طائلة وودائع غالية ثمينة أعتادا الكثير من الأغنياء حفظها لديهم لما عُرف عنهم من قديم الزمان بالصدق والأمان والتقوى والصلاح 0
فضلاً عن أنهم كانوا يرسلون جماعات منهم إلي شاطئ النيل يهاجموا سفن المستعمر الغاشم الذي أراد غزوهم وإذلالهم وكبدوه خسائر فادحة قبل الملحمة البطولية علي أرض بني عدي
فمن أجل ذلك كانت بني عدي مستهدفة من قبل هذا العدو الغاشم 0
وإذ أنني أسترجع بذاكرتي لما رواه الرواة وما سجله التاريخ الحافل من هذه الأمجاد عن أجدادنا العدوية من أبـــناء بني عدي في هذه الملحمة وفي هذا اليوم المشهود 0
ففي هذا اليوم الثامن عشر من شهر أبريل من عام 1799م , برزت الشمس من مشرقها علي قريتي بني عدي الآمنة المطمئنة التي يأتيها رزقها رغداً من كل مكان لتقواها وإيمانها وصلاحها 0
أشرقت شمس صبيحة هذا اليوم المشهود لنرى في جنوب بني عدي جيش عتيد مدجج بالسلاح والمدافع والعتاد
أمام ثلاثة ألاف من أبناء هذه القرية بزعامة شيوخها الأبرار الشيخ/ أحمد الخطيب والشيخ/ محمد المغربي و الشيخ/ أبو أيوب العدوي وغيرهم وتحت قيادة هؤلاء الرجال البواسل دارت المعركة الغير متكافئة لا في العدد ولا في العدة والعتاد , وإذا بقائدهم المغرور دافوا يفاجئ بما لم يكن في حسبانه وما لم يتوقعه , وجد أبطلاً لا يهابون الموت أبطالاً وهبوا أرواحهم في سبيل الله دفاعاً عن أرضهم وأعراضهم , رافضين الذل والهوان تحت رايات الظلم والكفر
وجد أهالي القرية الباسلة متأهبين للوثوب والقتال بما أتيح لهم من سلاح بدائي وعصي ونبابيت , وفئوس 0
نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 25أبريل 1970 ما نصه
يقول المؤرخ ( رينو)
كان الجنود الفرنسيين يعملون علي إخماد الثورة التي نشبت في قرية بنى عدي باستخدام كل ما لديهم من أسلحة مدمرة , ولكن الثورة كانت كحية لها مائة رأس كلما أخمدها البارود من ناحية ظهرت من ناحية أخري أشد وأعنف مما كانت , فكان الثوار من أهلي بنى عدي يغامرون بأنفسهم ويهجمون إلي أن يصبحوا في وسط جنودنا , وقد رأيت بنفسي جماعة منهم ليس بأيديهم أسلحة سوى الفئوس والعصي يهاجموننا بحماسة منقطعة النظير فيموتون بين طلقات النيران 0
هذا ما أوردته جريدة الأهرام علي لسان مؤرخ العدو
وأن الخير ما شهد به الأعداء
ونعود للمعركة التي احتمى وطيسها بدون أي تكافؤ , عهد الجنرال دافو إلي الكولونيل بينون احتلال غابة تحصن بها طلائع الأبطال وتمكن من إجلاؤهم عنهم فعادوا للوراء يتخذون مواقعهم داخل القرية , فتعقبهم الكولونيل بينون فينقض عليه أحد أبناء حي السراجية بالبلدة الأبطال وهو يصيح الله أكبر الله أكبر الله أكبر من موقعه فيرديه قتيلاً وينكب علي وجهه صريعاً الفور 0
ويقال أن الذي قتله أحد أبناء عائلة آل العجيل وكان ذلك عند درب السراجية
وارتفعت الأصوات في صحراء بني عدي بالتكبير من حناجر الأبطال
وعين القائد ديزيه بدلاً منه واحداً من أكفأ قواده لقيادة الغزو الفرنسي وهو الجنرال دافو المعروف بالدهاء
وصدق القائل
( إن لله رجالاً إذا أرادوا أراد)
خلقت العقيدة من العدوية أبطالاً وفرساناً حتي إنك تري المرأة عندما تظهر فيها العقيدة تسبق الرجال إلي ميدان الفخر والكرامة والعزة
هذه السيدة أم أيمن رضي الله عنها عندما رأت بعض الناس ينفضون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم أحد فكانت تعيرهم هاكم المغزل وهلم سيوفكم
اعتصمت النساء العدويات في البيوت وقد تهيأت كل منهن للقيام بدورها في حدود طاقتها 0
وتولي ديزيه القيادة , وعلت المنابر بالدعوة للجهاد , وتحمس الأهالي فكان الشيخ محمد الجيلاني المغربي في جماعة من المغاربة يقصدون الحج مارين بصحراء بني عدي ولقبه الشيخ المغربي , فعلم أن أهلي بني عدي يواجهون الغزو الغاشم فقرر البقاء ليشارك في المعركة ودعا من معه في قافلة الحج واستجاب بعضهم , وكان الشيخ المغربي خطيباً مفوهاً واتصل بشيوخ القرية العدوية وخرج يحض الأهالي ويحمسهم ويحضهم علي النضال
وبينما صوته في شوارع القرية من الجهة القبلية يجلل فكان يقابله صوت الشيخ أحمد الخطيب يدوي في شوارعها من الجهة البحرية وفي عليو والوسطي أصوات المشايخ تعلو المنابر والمآذن تدعو الأهالي للجهاد والفوز بأحدي الحسنيين النصر أو الشهادة
أشتبك الأهالي الأبطال من هذه القرية الباسلة مع قوات العدو الفرنسي ودارت المعركة وحمى وطيسها ولكن كانت المفاجئة التي أذهلت الفرنسيين وهي أن رصاصهم لا يصيب أحداً من أهالي القرية ويقع علي الأرض واستغربوا لهذه الظاهرة من اقتحام الأهالي واختراقهم صفوف جنود الاحتلال بما لديهم من فئوس وعصي وبعض الأسلحة البدائية والسيوف والخناجر 0
مما جعلهم يلجئون لتدبير قتل زعمائهم والفتك بهم علي غرة 0
وعند ذلك اعتلى الفرنسيين تلاً عالياً يسمى تل السبع بنات وهو من آثار البلدة الهامة وموجود للآن 0
ومن تدبر هذه الحال التي رواها التاريخ عن أهل بني عدي الأبطال يرى أن لهم في سائر البلاد شأناً يذكر فيشكر , وأنهم علي قلة عددهم وكثرة قوتهم الحسية والمعنوية كانوا معتصمين بحبل الله ومتمسكين بدينه فأورثهم الله هذه القوة وجعلهم موضع سره وعلمه وكرامته وولايته
عن هذا الحال يروى الشيخ حسن بن محمد فرغل أن السبب في كون رصاص الفرنسيين لم يصب أهالي بني عدي في أول الهجوم , وأدركهم أخيراً أن الشيخ محمد المغربي الذي أنضم إليهم بعد عدوله عن الحج كان معروفاً بالعلم والتقوى والصلاح وكان علي دراية كبيرة بعلم أسرار الحروف , فربط الرصاص عن إصابتهم علي ألا يقتلوا قائد الحملة , وقد حذر الأهالي من ذلك ألا يقتلوا قائد الحملة 0
ولكن عندما اشتبك الفريقان ولم يبق في مقدور الأهالي أن يحتاطوا في ذلك أصيب القائد الفرنسي وقتل علي الفور , وحينئذ أخذ رصاص الفرنسيين يعمل في الأهالي
وهذا الشيخ مازال منزله للآن معروف لجميع أهالي بني عدي بحي الشيخ علي أبي صالح الولي الشهير ببنى عدي
وعن هذه الحالة قال فضيلة الشيخ محمد حسين مخلوف وكيل الأزهر آنذاك رحمه الله تعالي
ومثل هذه الحالة ينكرها من يقصر أسباب التأثير الإلهي علي الأدوات المادية التي تتفاوت قوة وضعفاً بتفاوت المسببات0
كما أن منارة مسجد الأستاذ الشيخ العياط وضريحه أصيبا بقذيفة