منتديات إسلامنا نور الهدى
فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  24dhvkk
منتديات إسلامنا نور الهدى
فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  24dhvkk
منتديات إسلامنا نور الهدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات إسلامنا نور الهدى

وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ
 
الرئيسيةمنتديات اسلامناأحدث الصورالتسجيلدخول

عن النبي صلى الله عليه وسلم : من قال في أول يومه أو في أول ليلته(بسم الله الذي لم يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يضره شيء في ذلك اليوم أو في تلك الليلة)للأستزادةوالشرح قسم الحديث الشريف بالمنتدى-مع تحيات الهوارى-المراقب العام

اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين،وأصلح لي شأني كله،لا إله إلاأنت.مع تحيات الهواى المراقب العام

لا إله إلا الله العظيم الحليم،لا إله إلا الله ربّ السّموات والأرض،وربّ العرش العظيم.

يا مَن كَفاني كُلَّ شَيءٍ اكفِني ما أَهَمَّني مِن أمرِ الدُّنيا والآخِرَة، وَصَدِّق قَولي وَفِعلي بالتَحقيق، يا شَفيقُ يا رَفيقُ فَرِّج عَنِّي كُلَّ ضيق، وَلا تُحَمِلني ما لا أطيق.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ وَأَعُوذُبِكَ مِنَ التَرَدِّي،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَق وَالحَرْقِ وَالهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَيْطَانُ عِنْدَالمَوْتِ وَأَعُوذُبِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيِلِكَ مُدْبِرَاً.


يا أهل مصر, نصرتمونا نصركم الله،وآويتمونا آواكم الله،وأعنتمونا أعانكم الله،وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا"ستظل هذه الدعوات المباركات حصنًا وملاذًا لكل المصريين فقدحظيت مصر بشرف دعاء السيدة زينب بنت الأمام على رضي الله عنها لأهل مصر عندما قدمت إليها- مع تحيات الهوارى المراقب العام بالمنتدى

عن السيدة أسماءابنةعميس قالت علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب(الله,الله ربي لا أشرك به شيئاً(


اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ وَالعَجْز وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ وَضَلْع الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ وَدَرْكِ الشَقَاءِ،وَسُوءِ القَضَاءِ وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ

منتديات إسلامنا نور الهدى عن عبدالرحمن بن أبى بكرة أنه قال لأبيه:يا أبت أسمعك تدعو كل غداة:اللهم عافني في بدني ,اللهم عافنى في سمعي,اللهم عافني في بصري,لا إله إلا أنت,تعيدها ثلاثاً حين تصبح وحين تمسي فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن فأنا أحب أن أستن بسنته

منتديات إسلامنا نور الهدى:أرسى النبي محمد مبادئ الحجرالصحي للوقاية من الأوبئة ومنع انتشارها حيث قال في حديثه عن الطاعون: "إِذا سمعتم به بأرضٍ؛ فلا تقدموا عليه، وإِذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها؛ فلا تخرجوا فرارًا منه"، كما أنّ هناك نص قرآني صريح في سورة البقرة الآية 195"وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"بالإضافة للحديث النبوي"لا ضرر ولا ضرار"ومن هنا نستنتج أن الوقاية من الوباء واتخاذ الإجراءات الوقائية هي أمر شرعي لا بد منه وقد نصحنا النبي محمد باتخاذ الإجراءات الوقائية لأنفسنا وأيضًا للأدوات التي نستخدمها فحسبما ورد عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صل الله عليه وسلم )غطوا الإناء،وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء،أوسقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء)وعن أم المؤمنين السيدة عائشة،رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب،وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال:كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه".إذًا فمبادئ الوقاية من الأوبئة والأمراض قد أقرها النبي محمد وهي واجب شرعي يجب على كل مسلم القيام به سواء كان اتباع إجراءات الوقاية الشخصية والحفاظ على النظافة وعدم نقل العدوى وأيضًا الالتزام بالحجر الصحي.

تٌعلن إدارة منتديات إسلامنا نور الهدى عن طلب مشرفين ومشرفات لجميع الأقسام بالمنتدى المراسلة من خلال الرسائل الخاصة أو التقدم بطلب بقسم طلبات الإشراف .. مع تحيات .. الإدارة

 

 فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  Empty
مُساهمةموضوع: فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني    فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 08, 2011 5:39 pm

بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
الـحـمـد لله رب الـعـالـمـيـن و الـصـلاة و
الـسـلام عـلـى أشـرف الأنـبـيـاء و الـمـرسـلـيـن
ســيـدنـا و مـولانـا
حـبـيـبـنـا و قـرة أعـيـنـنـا مـحـمـد و عـلـى آلـه و صـحـبـه أجـمـعـيـن
و
مـن تـبـعـهـم بـإحـســان إلـى يــوم الـديـن
فتوح الغيب
للقطب الرباني
الشيخ محي الدين عبدالقادر الجيلاني
رضي الله عنه وأرضاه
مـقـدمـة
الـمـؤلـف

قال الشيخ عبد الرزاق ولد المؤلف : قال والدي رضي الله تعالى عنه
مؤيد الأئمة سيد الطوائف أبو محمد محي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني الحسيني
الصديقي، ابن أبي صالح موسى جنكى دوست ابن الإمام عبد الله ابن الإمام يحيى الزاهد
ابن الإمام محمد ابن الإمام داود ابن الإمام موسى ابن الإمام عبد الله ابن الإمام
موسى الجون ابن الإمام عبد الله المحض ابن الإمام الحسن المثنى ابن الإمام أمير
المؤمنين سيدنا الحسن السبط ابن الإمام الهمام أسد الله الغالب، فخر بني غالب، أمير
المؤمنين سيدنا علي ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، ورضي عنه وعنهم أجمعين آمين :


الحمد لله ربِّ العالمين أولاً وأخرا وظاهراً وباطناً، عدد خلقه ومداد
كلماته، وزنة عرشه، ورضاء نفسه، وعدد كل شفع ووتر، ورطب ويابس في كتاب مبين، وجميع
ما خلق ربنا وذرأ وبرأ، خالق بلا مثال أبداً سرمداً طيباً مباركاً، الذي خلق فسوى،
وقدر فهدى، وأمات وأحيى، وأضحك وأبكى، وقرب وأدنى، وأرحم وأخزى، وأطعم وأسقى، وأسعد
وأشقى، ومنع وأعطى، الذي بكلمته قامت السبع الشداد، وبها رست الرواسي والأوتاد
واستقرت الأرض المهاد، فلا مقنوطاً من رحمته، ولا مأموناً من مكره وغيرته وإنفاذ
أقضيته وفعله وأمره، ولا مستنكفاً عن عبادته، ولا مخلواً من نعمته، فهو المحمود بما
أعطى، والمشكور بما زوى، ثم الصلاة على نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي
من اتبع ما جاء به اهتدى ومن صدف عنه ضل وارتدى، النبي الصادق المصدوق، الزاهد في
الدنيا، الطالب الراغب في الرفيق الأعلى، المجتبى من خلقه، المنتخب من بريته، الذي
جاء بالحق بمحبته، زهق الباطل بظهوره، وأشرقت الأرض بنوره.

ثم الصلوات
الوافيات، والبركات الطيبات، الزاكيات المباركات عليه ثانياً وعلى آله الطيبين،
وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، الأحسنين لربهم فعلا، الأقومين له قيلا، والأصوبين
إليه طريقاً وسبيلاً، ثم تضرعنا ودعاؤنا ورجوعنا إلى ربنا، ومنشئنا وخالقنا
ورازقنا، ومطعمنا ومسقينا، ونافعنا وحافظنا، وكالئنا ومحيينا، والذابّ والدافع عنا
جميع ما يؤذينا ويسوءنا، كل ذلك برحمته وتحننه وفضله ومتنه بالحفظ الدائم في
الأقوال والأفعال في السر والإعلان، والإظهار والكتمان والشدة والرخاء والنعمة
والبأساء والضراء، إنه فعال لما يريد، والحاكم بما يشاء، العالم بما يخفى، المطلع
على الشؤون والأحوال، من الزلات والطاعات والقربات، السامع للأصوات، المجيب
للدعوات، لمن يشاء من غير تنازع وتردد.

أما بعد : فإن نعم الله علي كثيرة
متواترة، في آناء الليل وأطراف النهار والساعات واللحظات والخطرات وجميع الحالات،
كما قال عزَّ وجلَّ : }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا{.
إبراهيم34. وقوله تعالى : }وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ{.النحل53. فلا
يدان لي ولا جنان ولا لسان في إحصائها وأعدادها، فلا يدركها التعداد ولا تضبطها
العقول والأذهان، ولا يحصيها الجنان ولا يعبرها اللسان. فمن جملة ما مكن عن تعبيرها
اللسان، وأظهرها الكلام وكتبها البنان، وفسرها البيان، كلمات برزت وظهرت لي من فتوح
الغيب فحلت في الجنان، فأشغلت المكان فأنتجها وأبرزها صدق الحال، فتولى إبرازها لطف
المنان، ورحمة ربّ الأنام في قالب صواب المقال، لمريدي الحق والطلاب.



المقالة الأولى
فـيمـا لا بـدّ لـكـل مـؤمـن


قـال رضـي
الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا بد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء : أمر
يمتثله، ونهي يجتنبه، وقدر يرضى به، فأقل حالة المؤمن لا يخلو فيها من أحد هذه
الأشياء الثلاثة، فينبغي له أن يلزم همها قلبه، وليحدث بها نفسه، ويؤاخذ الجوارح
بها في سائر أحواله.







المقالة الثانية
فـي
الـتـواصـي بـالـخـيـر


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : اتبعوا
ولا تبتدعوا, وأطيعوا ولا تمرقوا، ووحدوا ولا تشركوا, ونزهوا الحق ولا تتهموا،
وصدقوا ولا تشكوا، واصبروا ولا تجزعوا، واثبتوا ولا تنفروا, واسألوا ولا تسأموا,
وانتظروا وترقبوا ولا تيأسوا, وتواخوا ولا تعادوا، واجتمعوا على الطاعة ولا
تتفرقوا، وتحابوا ولا تباغضوا, وتطهروا عن الذنوب وبها لا تدنسوا ولا تتلطخوا,
وبطاعة ربكم فتزينوا, وعن باب مولاكم فلا تبرحوا، وعن الإقبال عليه فلا تتولوا،
وبالتوبة فلا تسوفوا، وعن الاعتذار إلى خالقكم في آناء الليل وأطراف النهار فلا
تملوا، فلعلكم ترحمون وتسعدون، وعن النار تبعدون، وفي الجنة تحبرون، وإلى الله
توصلون، وبالنعيم وافتضاض الأبكار في دار السلام تشتغلون، وعلى ذلك تخلدون، وعلى
النجائب تركبون, وبحور العين وأنواع الطيب وصوت القيان مع ذلك النعيم تحبرون، ومع
الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ترفعون.









المقالة الثالثة
فـي الابـتـلاء



قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا ابتلي العبد ببلية تحرك
أولاً في نفسه بنفسه, فإن لم يتخلص منها استعان بالخلق كالسلاطين وأرباب المناصب
وأرباب الدنيا وأصحاب الأحوال وأهل الطب في الأمراض والأوجاع، فإن لم يجد في ذلك
خلاصاً رجع إلى ربّه بالدعاء والتضرع والثناء. ما دام يجد بنفسه نصرة لم يرجع إلى
الخلق، وما دام يجد به نصرة عند الخلق لم يرجع إلى الخالق, ثم إذا لم يجد عند الخلق
نصرة استطرح بين يديه مديماًً للسؤال والدعاء والتضرع والثناء والافتقار مع الخوف
والرجاء, ثم يعجزه الخالق عزَّ وجلَّ عن الدعاء, ولم يجبه حتى ينقطع عن جميع
الأسباب، فحينئذ ينفذ فيه القدر ويفعل فيه الفعل، فيفنى العبد عن جميع الأسباب
والحركات، فيبقى روحاً فقط, فلا يرى إلا فعل الحق فيصير موقناً موحداً ضرورة يقطع
أن لا فاعل في الحقيقة إلا الله لا محرك ولا مسكن إلا الله ولا خير ولا ضر ولا نفع
ولا عطاء ولا منع, ولا فتح ولا غلق، ولا موت ولا حياة، ولا عزّ ولا ذل إلا بيد الله
فيصير في القدر كالطفل الرضيع في يد الظئر والميت الغسيل في يد الغاسل والكرة في
صولجان الفارس، يقلب ويغير ويبدل, ويكون ولا حراك به في نفسه ولا في غيره فهو غائب
عن نفسه في فعل مولاه , فلا يرى غير مولاه وفعله, ولا يسمع ولا يعقل من غيره إن بصر
وإن سمع وعلم, فلكلامه سمع، ولعلمه علم، وبنعمته تنعم، وبقربه تسعد، وبتقريبه تزين
وتشرف, وبوعده طاب وسكن, به اطمأن, وبحديثه أنس, وعن غيره استوحش ونفر, وإلى ذكره
التجأ وركن, وبه عزَّ وجلَّ وثق وعليه توكل، وبنور معرفته اهتدى وتقمص وتسربل, وعلى
غرائب علومه اطلع، وعلى أسرار قدرته أشرف، ومنه سمع ووعي, ثم على ذلك حمد وأثنى
وشكر ودعا.





المقالة الرابعة
فـي الـمـوت الـمـعـنـوي



قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا مت عن الخلق قيل لك رحمك
الله وأماتك عن الهوى، وإذا مت عن هواك قيل رحمك الله وأماتك عن إرادتك ومناك، وإذا
مت عن الإرادة قيل رحمك الله وأحياك حياة لا موت بعدها، وتغنى غنى لا فقر بعده،
وتعطى عطاء لا منع بعده, وتراح براحة لا شقاء بعدها، وتنعم بنعمة لا بؤس بعدها،
وتعلم علماً لا جهل بعده، وتؤمن أمناً لا خوف بعده، وتسعد فلا تشقى, وتعز فلا تذل,
وتقرب فلا تبعد, وترفع فلا توضع, وتعظم فلا تحقر, وتطهر فلا تدنس, لتحقق فيك
الأماني, وتصدق فيك الأقاويل, فتكون كبريتاً أحمر فلا تكاد ترى, وعزيزاً فلا تماثل,
وفريداً فلا تشارك, ووحيداً فلا تجانس, فرداً بفرد ووتراً بوتر, وغيب الغيب, وسر
السر, فحينئذ تكون وارث كل نبي وصديق ورسول. بك تختم الولاية وإليك تصير الأبدال
وبك تنكشف الكروب, وبك تسقى الغيوث, وبك تنبت الزروع, وبك يدفع البلاء والمحن عن
الخاص والعام وأهل الثغور والراعي والرعايا, والأئمة والأمة وسائر البرايا, فتكون
شحنة البلاد والعباد, فتنطلق إليك الرجل بالسعي, والرجال والأيدي بالبذل والعطاء
والخدمة بإذن خالق الأشياء في سائر الأحوال, والألسن بالذكر الطيب والحمد والثناء
وجمع المجال, ولا يختلف فيك اثنان من أهل الإيمان, يا خير من سكن البراري وجال بها
}ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ{. الحديد21.





المقالة الخامسة
فـي بـيـان
الـدنـيـا و الـحـث عـلـى عـدم الالـتـفـات إلـيـهـا


قـال رضـي الله
تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا رأيت الدنيا في يدي أربابها بزينتها وأباطيلها
وخداعها ومصائدها وسمومها القتالة, مع لين مس ظاهرها, وضراوة باطنها وسرعة إهلاكها,
وقتلها لمن مسها واغتر بها وغفل عن وليها وعيرها بأهلها ونقض عهدها، فكن كمن رأى
انساناً على الغائط بالبراز بادية سوأته وفائحة رائحته, فإنك تغض بصرك عن سوأته،
وتسد أنفك من رائحته ونتنه, فهكذا كن في الدنيا, إذا رأيتها غض بصرك عن زينتها، وسد
أنفك عما يفوح من روائح شهواتها ولذاتها, فتنجو منها ومن آفاتها, ويصل إليك قسمك
منها وأنت مهنأ, قال الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : }وَلَا
تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.
طـه131.





المقالة السادسة
فـي الـفـنـاء عـن الـخـلـق



قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : افن عن الخلق بإذن الله
تعالى, عن هواك بأمر الله تعالى }وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ{. المائدة23. وعن إرادتك بفعل الله تعالى. وحينئذ تصلح أن تكون وعاء
لعلم الله تعالى, فعلامة فنائك عن خلق الله تعالى انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم
واليأس مما في أيديهم، وعلامة فنائك عن هواك ترك التكسب والتعلق بالسبب في جلب
النفع والضرر, فلا تحرك ولا تعتمد عليك ولا لك ولا تذب عنك ولا تنتصر لنفسك، تكل
ذلك كله إلى الله تعالى لأنه تولاه اولاً فيتولاه آخراً, كما كان موكولاً إليه في
حال كونك مغيباً في الرحم، وكونك رضيعاً طفلاً في مهدك, وعلامة فنائك عن إرادتك
بفعل الله أنك لا تريد مراداً قط , ولا يكون لك غرض, ولا يبقى لك حاجة ولا مرام,
فإنك لا تريد مع إرادة الله سواها, بل يجري فعل الله فيك, فتكون أنت عند إرادة الله
وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان منشرح الصدر منور الوجه عامر البطن غنياً عن
الأشياء بخالقها, تقلبك يد القدرة, ويدعوك لسان الأزل, ويعلمك ربُّ الْمِلَلْ,
ويكسوك أنواراً منه والحلل, وينزلك من أولي العلم الأول, فتكون منكسراً أبداً, فلا
يثبت فيك شهوة وإرادة كالإناء المنثلم الذي لا يثبت فيه مائع وكدر, فتنقى عن أخلاق
البشرية, فلن يقبل باطنك شيئاً غير إرادة الله عزَّ وجلَّ, فحينئذ يضاف إليك
التكوين وخرق العادات, فيرى ذلك منك في ظاهر الفعل والحكم, وهو فعل الله وإرادته
حقاً في العالم, فتدخل حينئذ في زمرة المنكسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية
وأزيلت شهواتهم الطبيعية فاستؤنفت لهم إرادة ربانية كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم : (حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء , وجعلت قرة عيني في الصلاة)
فأضيف ذلك بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقاً بما أشرنا, وتقدم. قال الله تعالى في
حديثه القدسي : "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" فإن الله تعالى لا يكون عندك حتى
تنكسر جملة هواك وإرادتك, فإذا انكسرت ولم يثبت فيك شيء ولم يصلح فيك شيء, أنشأك
الله فجعل فيك إرادة, فتريد بتلك الإرادة, فإذا صرت في الإرادة المنشأة فيك، كسرها
الربّ تعالى بوجودك فيها, فتكون منكسر القلب أبداً, فهو لا يزال يجدد فيك إرادة ثم
يزيلها عند وجودك فيها هكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله, فيحصل اللقاء, فهذا هو معنى
"عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" ومعنى قولنا عند وجودك فيها هو ركونك وطمأنينتك
إليها. قال الله تعالى في حديثه القدسي , الذي يرويه صلى الله عليه وسلم : (لا يزال
عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره
الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها) وفي لفظ آخر "فبي يسمع ،
وبي يبطش وبي يعقل". وهذا إنما يكون في حالة الفناء لا غير, فإذا فنيت عنك وعن
الخلق, والخلق إنما هو خير وشر, فلم ترج خيرهم ولا تخاف شرهم بقي الله وحده كما
كان, ففي قدر الله خير وشر, فيؤمنك من شر القدر ويغرقك في بحار خيره, فتكون وعاء كل
خير, ومنبعاً لكل نعمة وسرور وحبور وضياء أمن وسكون، فالفناء والمنى والمبتغى
والمنتهى حد ومرد ينتهي إليه مسير الأولياء, وهو الاستقامة التي طلبها من تقدم من
الأولياء والأبدال أن يفنوا عن إرادتهم وتبدل بإرادة الحق عزَّ وجلَّ, فيريدون
بإرادة الحق أبداً إلى الوفاة، فلهذا سموا أبدالاً رضي الله عنهم, فذنوب هؤلاء
السادة أن يشركوا إرادة الحق بإرادتهم على وجه السهو والنسيان وغلبة الحال والدهشة,
فيدركهم الله تعالى برحمته بالتذكرة واليقظة, فيرجعوا عن ذلك ويستغفروا ربهم, إذ لا
معصوم عن الإرادة إلا الملائكة, عصموا عن الإرادة، والأنبياء عصموا عن الهوى, وبقية
الخلق من الإنس والجن المكلفين لم يعصموا منها غير أن الأولياء بعضهم يحفظون عن
الهوى, والأبدال عن الإرادة, ولا يعصمون منهما على معنى يجوز في حقهم الميل إليهما
في الأحيان, ثم يتداركهم الله عزَّ وجلَّ باليقظة برحمته.







المقالة السابعة
فـي إذهـاب غـمـم الـقـلـب



قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أخرج من نفسك وتنح عنها,
وانعزل عن ملكك وسلم الكل إلى الله, فكن بوابه على باب قلبك، وامتثل أمره في إدخال
من يأمرك بإدخاله، وانته بنهيه في صد من يأمرك بصده، فلا تدخل الهوى قلبك بعد أن
خرج منه، فإخراج الهوى من القلب بمخالفته، وترك متابعته في الأحوال كلها، وإدخاله
في القلب بمتابعته وموافقته، فلا ترد إرادة غير إرادته, وغير ذلك منك تمن وهو وادي
الحمقى, وفيه حتفك وهلاكك وسقوطك من عينه وحجابه عنك, أحفظ أبداً أمره, وانته أبداً
بنهيه، وسلم لمقدوره, ولا تشركه بشيء من خلقه, فإرادتك وهواك وشهواتك كلها خلقه,
فلا ترد ولا تهوى ولا تشته كيلا تكون مشركاً. قال الله تعالى : }فَمَن كَانَ
يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ
رَبِّهِ أَحَداً{. الكهف110.

ليس الشرك عبادة الأصنام فحسب, بل هو متابعتك
هواك، وأن تختار مع ربك شيئاً سواه من الدنيا وما فيها والآخرة وما فيها, فما سواه
عزَّ وجلَّ غيره، فإذا ركنت إلى غيره فقد أشركت به عزَّ وجلَّ غيره, فاحذر ولا
تركن, وخف ولا تأمن, وفتش فلا تغفل فتطمئن, ولا تضف إلى نفسك حالاً ومقاماً, ولا
تدع شيئاً من ذلك, فإن أعطيت حالاً أو أقمت في مقام فلا تختر شيئاً واحداً من ذلك,
فإن الله }كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{.الرحمن29. في تغيير وتبديل, وإنه يحول بين
المرء وقلبه, فيزيلك عما أخبرت به, ويغيرك عما تخيلت ثباته وبقاءه, فتخجل عند من
أخبرته بذلك، بل أحفظ ذلك فيك ولا تعده إلى غيرك فإنه كلي الثبات والبقاء, فتعلم
أنه موهبة وتسأل التوفيق للشكر واستر رؤيته وإن كان غير ذلك كان فيه زيادة علم
ومعرفة ونور وتيقظ وتأديب. قال الله عزَّ وجلَّ : }مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ
عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{.البقرة106. فلا تعجز الله في قدرته، ولا تتهمه في
تقديره ولا تدبيره، ولا تشك في وعده, فليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسوة حسنة, نسخت الآيات والسور النازلة عليه المعمولة بها المقروءة في المحاريب
المكتوبة في المصاحف, ورفعت وبدلت وأثبت غيرها مكانها, ونقل صلى الله عليه وسلم إلى
غيرها, هذا في ظاهر الشرع، وأما في الباطن والعلم والحال فيما بينه وبين الله عزَّ
وجلَّ فكان يقول : (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة) ويروى
(مائة مرة) وكان صلى الله عليه وسلم ينقل من حالة إلى أخرى ويسير به في منازل القرب
وميادين الغيب، ويغير عليه خلع الأنوار، فتبين الحالة الأولى عند ثانيها ظلمة
ونقصاناً وتقصيراً في حفظ الحدود، فيلقن الاستغفار لأنه أحسن حال العبد، والتوبة في
سائر الأحوال لأن فيها اعترافه بذنبه وقصوره، وهما صفتا العبد في سائر الأحوال،
فهما وراثة من أبي البشر آدم عليه السلام إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم حين اعترت
صفاء حاله ظلمة النسيان للعهد والميثاق، وإرادة الخلود في دار السلام, ومجاورة
الحبيب الرحمن المنان، ودخول الملائكة الكرام عليه بالتحية والسلام, فوجد هناك
مشاركة إرادته لإرادة الحق, فانكسرت لذلك تلك الإرادة, وزالت تلك الحالة, وانعزلت
تلك الولاية, فانهبطت تلك المنزلة وأظلمت تلك الأنوار وتكدر ذلك الصفاء, ثم تنبه
وذكر صفي الرحمن، فعرف الاعتراف بالذنب والنسيان, ولقن الإقرار فقال : }رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ{.الأعراف23. فجاءت أنوار الهداية وعلوم التوبة ومعارفها، والمصالح
المدفونة فيها ما كان غائباً من قبل, فلم تظهر إلا بها، فبدلت تلك الإرادة بغيرها
والحالة الأولى بأخرى, وجاءته الولاية الكبرى والسكون في الدنيا ثم في العقبى,
فصارت الدنيا له ولذريته منزلاً, والعقبى لهم موئلاً ومرجعاً وخلداً, فلك برسول
الله وحبيبه المصطفى وأبيه آدم صفي الله عليهم الصلاة والسلام عنصر الأحباب
والأخلاء أسوة في الاعتراف بالقصور والاستغفار في الأحوال
كلها

المقالة الثامنة
فـي الـتــقــرب إلــى الله


قـال رضـي الله
تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا كنت في حالة لا تختر غيرها أعلى منها ولا أدنى، فإذا
كنت على باب الملك لا تختر الدخول إلى الدار حتى تدخل إليها جبراً لا اختياراً,
وأعني بالجبر أمراً عنيفاً متأكداً متكرراً, ولا تكف بمجرد إذن بمجرد الدخول, لجواز
أن يكون ذلك منكراً وخديعة من الملك, لكن اصبر حتى تجبر على الدخول فتدخل الدار
جبراً محضاً وفضلاً من الملك, فحينئذ لا يعاقب الملك على فعله, إنما تتعرض العقوبة
لك لشؤم تخيرك وشرهك، وقلة صبرك وسوء أدبك, وترك الرضي بحالتك التي أقمت فيها, فإذا
حصلت فكن مطرقاً غاضاً لبصرك متأدباً, محافظاً لما تؤمر به من الشغل والخدمة فيها
غير طالب للترقي إلى الذروة العليا. قال الله عزَّ وجلَّ : }وَلَا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.طـه131. فهذا
تأديب منه عزَّ وجلَّ لنبيه المختار صلى الله عليه وسلم في حفظ الحال والرضا
بالعطاء بقوله : }وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.طـه131. أي ما أعطيتك من
الخبر والنبوة والعلم والقناعة والصبر وولاية الدين, والعروة فيه أولى مما أعطيت
وأحرى, فالخير كله في حفظ الحال والرضا بها وترك الالتفات إلى ما سواها, لأنه لا
يخلو إما أن يكون قسمك أو قسم غيرك, أو أنه لا قسم لأحد بل أوجده الله فتنة, فإن
كان قسمك وصل إليك شئت أم أبيت فلا ينبغي أن يظهر منك سوء الأدب والشره في طلبه,
فإن ذلك غير محمود في قضية العلم والعقل, وإن كان قسم غيرك فلا تتعب فيما لم تناوله
ولا يصل إليك أبداً, وإن كان ليس بقسم لأحد بل هو فتنة فكيف يرضى للعاقل ويستحسن أن
يطلب لنفسه فتنة ويستجلبها لها, فقد ثبت أن الخير كله والسلامة في حفظ الحال, فإذا
رقيت إلى الغرفة ثم إلى السطح فكن كما ذكرنا من الحفظ والإطراق والأدب, بل يتضاعف
ذلك منك, لأنك أقرب إلى الملك وأدنى بالخطر, فلا تتمن الانتقال منها إلى أعلى منها
ولا إلى أدنى, وثباتها وبقائها, ولا تغير وصفها وأنت فيها, ولا يكون لك اختيار
ألبته, فإن ذلك كفر في نعمة الحال والكفر يحل بصاحبه الهوان في الدنيا والآخرة
فاعمل على ما ذكرناه أبداً حتى ترقى إلى حالة تصير لك مقاماً تقام فيه فلا تزال
عنه، فتعلم حينئذ أنه موهبة ظهر بيانها فتمسكه ولا تزل، فالأحوال للأولياء
والمقامات للأبدال والله يتولى هداك.

المقالة التاسعة
فـي الـكـشــف و
الـمـشـاهـدة


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : يكشف للأولياء
والأبدال من أفعال الله ما يبهر العقول ويخرق العادات والرسوم فهي على قسمين : جلال
وجمال, فالجلال والعظمة يورثان الخوف المقلق والوجل المزعج, والغلبة العظيمة على
القلب بما يظهر على الجوارح, كما روي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يسمع من
صدره أزيز كأزيز المرجل في الصلاة من شدة الخوف " لما يرى من جلال الله عزَّ وجلَّ
وينكشف له من عظمته، ونقل مثل ذلك عن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه وعمر
الفاروق رضي الله عنه.

أما مشاهدة الجمال : فهو التجلي للقلوب بالأنوار
والسرور والألطاف, والكلام اللذيذ والحديث الأنيس, والبشارة بالمواهب الجسام
والمنازل العالية, والقرب منه عزَّ وجلَّ مما سيئول أمرهم إلى الله عزَّ وجلَّ, وجف
به القلم من أقسامهم في سابق الدهور فضلاً منه ورحمة, وإثباتاً منه لهم في الدنيا
إلى بلوغ الأجل وهو الوقت المقدور, لئلا تفرط بهم المحبة من شدة الشوق إلى الله
تعالى فتنفطر مرائرهم, فيهلكون ويضعفون عن القيام بالعبودية إلى أن يأتيهم اليقين
الذي هو الموت، فيفعل ذلك بهم لطفاً منه ورحمة ومداراة لها }إِنَّهُ حَكِيمٌ
عَلِيمٌ{.الأنعام139.الحجر25. لطيف بهم }رَؤُوفٌ
رَّحِيمٌ{.التوبة117+128.النور20.الحشر10. ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان يقول لبلال المؤذن رضي الله عنه (أرحنا بها يا بلال) أي بالإقامة لندخل في
الصلاة لمشاهدة ما ذكرناه من الحال, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (وجعلت قرة
عيني في الصلاة).






المقالة العاشرة
فـي الـنـفـس و
أحــوالـهـا


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إنما هو الله
ونفسك وأنت المخاطب، والنفس ضد الله وعدوه, والأشياء كلها تابعة لله, والنفس له
خلقاً ومُلكاً, وللنفس ادعاء وتمن وشهوت ولذة بملابستها, فإذا وافقت الحق عزَّ
وجلَّ في مخالفة النفس وعدوانها فكنت لله خصماً على نفسك كما قال الله عزَّ وجلَّ
لداود عليه السلام : "يا داود أنا بدك اللازم فألزم بدك، العبودية أن تكون خصماً
على نفسك" فتحققت حينئذٍ موالاتك وعبوديتك لله عزَّ وجلَّ, وأتتك الأقسام هنيئاً
مريئاً مطيباً وأنت عزيز ومكرم, وخدمتك الأشياء وعظمتك وفخمتك, لأنها بأجمعها تابعة
لربّها موافقة له إذ هو خالقها ومنشئها, وهي مقرة له بالعبودية. قال الله تعالى :
}وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ{.الإسراء44. }فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ
كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{.فصلت11. فالعبادة كل العبادة في مخالفة
نفسك. قال الله تعالى : }وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ
اللَّهِ{.ص26. وقال لداود عليه السلام : "أهجر هواك فإنه منازع".

والحكاية
المشهورة عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله لما رأى ربّ العزة في المنام فقال له :
كيف الطريق إليك ؟، قال : اترك نفسك وتعال, فقال : فانسلخت كما تنسلخ الحية من
جلدها, فإذا الخير كله في معادتها في الجملة في الأحوال كلها, فإن كنت في حال
التقوى فخالف النفس, بأن تخرج من حرام الخلق وشبهتهم ومنتهم والاتكال عليهم والثقة
بهم والخوف منهم, والرجاء لهم والطمع فيما عندهم من أحكام الدنيا, فلا ترج عطاياهم
على طريق الهدية والزكاة والصدقة أو النذر, فاقطع همّك منهم من سائر الوجوه
والأسباب حتى إن كان لك نسب ذو مال لا تتمن موته لترث ماله, فاخرج من الخلق جاداً
وجعلهم كالباب يرد ويفتح، وشجرة توجد فيها ثمر تارة وتختل أخرى وكل ذلك بفعل فاعل
وتدبير مدبر وهو الله جلَّ وعلا, لتكون موحداً للربّ، ولا تنس مع ذلك كسبهم لتخلص
من مذهب الجبرية, واعتقد أن الأفعال لا تتم بهم دون الله لا تعبدهم وتنسى الله. ولا
تقل فعلهم دون فعل الله فتكفر فتكون قدرياً, لكن قل هي لله خلقاً وللعباد كسباً كما
جاءت به الآثار, لبيان موضع الجزاء من الثواب والعقاب, وامتثل أمر الله فيهم, وخلص
قسم منهم بأمره ولا تجاوزه فحكم الله قائم بحكمه عليك وعليهم, فلا تكن أنت الحاكم,
وكونك معهم قدر والقدر ظلمة فادخل بالظلمة في المصباح وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم, لا تخرج عنهما فإن خطر خاطر أو وجد إلهام فاعرضه على الكتاب
والسنة, فإن وجدت فيها تحريم ذلك مثل أن تلهم بالزنا والرياء ومخالطة أهل الفسق
والفجور وغير ذلك من المعاصي, فادفعه عنك واهجره ولا تقبله ولا تعمل به, واقطع بأنه
من الشيطان اللعين نعوذ بالله منه. وإن وجدت فيها إباحة كالشهوات المباحة من الأكل
أو الشرب أو اللبس أو النكاح فاهجره أيضاً ولا تقبله, واعلم أنه من إلهام النفس
وشهواتها وقد أمرت بمخالفتها وعداوتها. وإن لم تجد في الكتاب والسنة تحريمه
وإباحته, بل هو أمر لا تعقله مثل السائق لك ائت موضع كذا وكذا, الق فلاناً صالحاً,
ولا حاجة لك هناك ولا في الصالح لاستغنائك عنه بما أولاك الله من نعمته من العلم
والمعرفة، فتوقف في ذلك ولا تبادر إليه فتقول هذا إلهام من الحق جلَّ وعلا فأعمل به
بل انتظر الخير كله في ذلك وفعل الحق عزَّ وجلَّ بأن يتكرر ذلك الإلهام وتؤمر
بالسعي, أو علامة تظهر لأهل العلم بالله عزَّ وجلَّ يعقلها العقلاء من الأولياء
والمؤيدون من الأبدال, وإنما لم يتبادر إلى ذلك لأنك لا تعلم عاقبته وما يؤول الأمر
إليه, وما كان فيه فتنة وهلاك ومكر من الله وامتحان فاصبر حتى يكون هو عزَّ وجلَّ
الفاعل فيك, فإذا تجرد الفعل وحملت إلى هناك واستقبلتك فتنة كنت محمولاً محفوظاً
فيها, لأن الله تعالى لا يعاقبك على فعله وإنما تتطرق العقوبة نحوك لكونك في الشيء,
وإن كنت في حالة الحقيقة وهي حالة الولاية فخالف هواك واتبع الأمر في جملة.


واتباع الأمر على قسمين :

أحدهما أن تأخذ من الدنيا القوت الذي هو
حق النفس وتترك الحظ , وتؤدي الفرض وتشتغل بترك الذنوب ما ظهر منها وما بطن.


والقسم الثاني ما كان بأمر باطن, وهو أمر الحق عزَّ وجلَّ, يأمر عبده
وينهاه, وإنما يتحقق بهذا الأمر في المباح الذي ليس له حكم في الشرع على معنى ليس
من قبيل النهي ولا من قبيل الأمر الواجب, بل هو مهمل ترك العبد يتصرف فيه باختياره
فسمي مباحاً فلا يحدث للعبد فيه شيئاً من عنده بل ينتظر الأمر فيه, فإذا أمر امتثل
فتصير حركاته وسكناته بالله عزَّ وجلَّ, ما في الشرع حكمه فبالشرع، وما ليس له حكم
في الشرع فبالأمر الباطن فحينئذ يصير محقاً من أهل الحقيقة, وما ليس فيه أمر باطن
فهو مجرد الفعل حاله التسليم, وإن كنت في حالة حق الحق وهي حالة المحو والفناء وهي
حالة الأبدال المنكسري القلوب لأجله الموحدين العارفين أرباب العلوم والعقل السادة
الأمراء الشحن خفراء الخلق خلفاء الرحمن وأخلائه وأعيانه وأحبائه عليهم السلام,
فإتباع الأمر فيها بمخالفتك إياك بالتبري من الحول والقوة, وأن لا يكون لك إرادة
وهمة في شيء البتة دنيا وعقبى, فتكون عبد المَلك لا عبد الْمُلْك وعبد الأمر لا عبد
الهوى كالطفل مع الظئر, والميت الغسيل مع الغسل, والمريض المقلوب على جنبيه بين يدي
الطبيب فيما سوى الأمر والنهي والله أعلم.





المقالة الحادية
عشرة
فـي الــشــــهـوة


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه :
إذا ألقيت عليك شهوة النكاح في حالة الفقر وعجزت عن مؤنته فصبرت عنه منتظر الفرج من
الباري عزَّ وجلَّ, إما بزوالها وإقلاعها عنك بقدرته التي ألقاها عليك وأوجدها فيك
فيعينك أو يصونك وحياتك عن حمل مؤنتها أيضاً أو بإيصالها إليك موهبة مهنئاً مكفياً
من غير ثقل في الدنيا ولا تعب في العقبى, وسماك الله عزَّ وجلَّ صابراً شاكراً
لصبرك عنها راضياً بقسمته فزادك عصمة وقوة. فإن كان قسماً لك ساقها إليك مكفياً
مهنئاً فينقلب الصبر شكراً, وهو عزَّ وجلَّ وعد الشاكرين بالزيادة في العطاء قال
الله عزَّ وجلَّ : }لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ{.إبراهيم7.

وإن لم تكن قسماً لك فالغنى عنها بقلعها من
القلب إن شاءت النفس أو أبت, فلازم الصبر وخالف الهوى وعانق الأمر وارض بالقضاء,
وارج بذلك الفضل والعطاء, وقد قال الله تعالى : }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{.الزمر10.







المقالة
الثانية عشرة
فـي الـنـهـي عـن حـب الـمـال


قـال رضـي الله تـعـالى
عـنـه و أرضـاه : إذا أعطاك الله عزَّ وجلَّ مالاً فاشتغلت به عن طاعته حجبك به عنه
دنيا وأخرى, وربما سلبك إياه وغيرك وأفقرك لاشتغالك بالنعمة عن المنعم, وإن اشتغلت
بطاعته عن المال جعله موهبة ولم ينقص منه حبة واحدة وكان المال خادمك وأنت خادم
المولى, فتعيش في الدنيا مدللاً وفي العقبى مكرماً مطيباً في جنة المأوى مع
الصديقين والشهداء والصالحين.




المقالة الثالثة عشرة
فـي
الـتـســلـيـم لأمــر الله


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا
تختر جلب النعماء ولا دفع البلوى، فالنعماء واصلة إليك إن كانت قسمك استجلبتها أو
كرهتها, والبلوى حالَّةٌ بك إن كانت قسمك مقضية عليك سواء كرهتها أو رفعتها بالدعاء
أو صبرت وتجلدت لرضى المولى, بل سلم في الكل, فيفعل الفعل فيك، فإن كانت النعماء
فاشتغل بالشكر, وإن كانت البلوى فاشتغل بالتصبر والصبر, أو الموافقة والتنعم بها أو
العدم أو الفناء فيها على قدر ما تعطى من الحالات وتنتقل فيها, وما تسير في المنازل
في طريق المولى الذي أمرت بطاعته والموالاة, لتصل إلى الرفيق الأعلى, فتقام حينئذ
مقام من تقدم ومضى من الصديقين والشهداء والصالحين, لتعاين من سبقك إلى المليك ومنه
دنا, ووجد عنده كل طريفة وسروراً وأمناً, وكرامة ونعما.

دع البلية تزورك,
خل من سبيلها, ولا تقف ولا تجزع من مجيئها وقربها, فليس نارها أعظم من نار جهنم
ولظى, فقد ثبت في الخبر المروي عن خير البرية, وخير من حملته الأرض وأظلته السماء
محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن نار جهنم تقول للمؤمن جز يا مؤمن
فقد أطفأ نورك لهبي) فهل كان نور المؤمن الذي أطفأ لهب النار في لظى إلا الذي صحبه
في الدنيا الذي لن يمر من أطاعها وعصى, فليطفئ هذا النور لهب البلوى, ولتجد برد
صبرك وموافقتك للمولى وهيج ما حل بك من ذلك ومنك دنا، فالبلية لم تأتك لتهلكك,
لكنها تأتيك لتجربك وتحقق صحة إيمانك وتوثيق عروة يقينك ويبشرك باطنها من مولاك
بمباهاته بك, قال الله تعالى : }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{.محمد31. فإذا
ثبت مع الحق إيمانك ووافقته في فعله بيقينك كل ذلك بتوفيق منه ومنة, فكن حينئذ
أبداً صابراً موافقاً مُسَلِّمَاً لا تحدث فيك ولا في غيرك حادثة ما خرج عن الأمر
والنهي, فإذا كان أمره عزَّ وجلَّ فتسامع وتسارع وتحرك ولا تسكن ولا تسلم للقدر
والفعل, بل ابذل طوقك وجهودك لتؤدي الأمر, فإن عجزت فدونك الالتجاء إلى مولاك عزَّ
وجلَّ, فالتجئ إليه وتضرع واعتذر, وفتش عن سبب عجزك عن أداء أمره وصدك عن التشوق
لطاعته لعل ذلك لشؤم دعائك وسوء أدبك في طاعته, ورعونتك واتكالك على حولك وقوتك,
وإعجابك بعلمك وشركك إياك بنفسك وخلقه, فصدك عن بابه, وعزلك عن طاعته وخدمته, وقطع
عنك مدد توفيقه, وولى عنك وجهه الكريم, ومقتك وقلاك, وشغلك ببلائك دنياك وهواك،
وإرادتك ومناك.

أما تعلم أن كل ذلك مشغول عن ذلك, وقاطعك عن عين الذي خلقك
ورباك، وخوّلك وأعطاك وأحياك.

احذر لا يلهيك عن مولاك غير مولاك, وكل من
سوى مولاك غيره, فلا تؤثر عليه غيره فإنه خلقك له, فلا تظلم نفسك فتشغل بغيره عن
أمره فيدخلك النار التي وقودها الناس والحجارة فتندم, فلا ينفعك الندم, وتعتذر فلا
تعذر, وتستعتب فلا تعتب, وتسترجع إلى الدنيا لتستدرك وتصلح فلا ترجع.

ارحم
نفسك وأشفق عليها, واستعمل الآلات والأدوات التي أعطيتها في طاعة مولاك من الفعل
والإيمان والمعرفة والعلم.

استضيء بنورهما في ظلمات الأقدار, وتمسك بالأمر
والنهي, وسيرهما في طريق مولاك وسلم ما سواهما إلى الذي خلقك وأنشأك, فلا تكفر
بالذي خلقك من تراب ورباك, ثم من نطفة ثم رجلاً سواك، ولا ترد غير أمره, ولا تكره
غير نهيه.

اقنع من الدنيا والأخرى بهذا المراد واكره فيهما هذا المكروه,
فكل ما يراد تبع لهذا المراد, وكل مكروه تبع لهذا المكروه.

إذا كنت مع أمره
كانت الأكوان في أمرك, وإذا كرهت نهيه فرت منك المكاره أين كنت وحللت.

قال
الله عزَّ وجلَّ في بعض كتبه : (يا ابن آدم أنا الله لا إله إلا أنا أقول للشيء كن
فيكون ، أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون) وقال عزَّ وجلَّ : (يا دنيا من خدمني
فاخدميه ومن خدمك فأتعبيه) فإذا جاء نهيه عزَّ وجلَّ فكن كأنك مسترخي المفاصل, مسكن
الحواس, مضيق الذرع، متماوت الجسد، زائل الهوى, منطمس الوسوم، منمحي الرسوم، منسي
الأثر, مظلم القنا, متهدم البناء، خاوي البيت, ساقط العرش, لا حس ولا أثر, فليكن
سمعك كأنه أصم وعلى ذلك مخلوق، وبصرك كأنه معصب أو مرمود أو مطموس, وشفتاك كأن بهما
قرحة وبثوراً, ولسانك كأنه به خرساً وكلولاً، وأسنانك كأن بهما ضرياناً وألماً
ونشورا, ويداك كأن بهما شللاً وعن البطش قصورا, ورجلاك كأن بهما رعدة وارتعاشاً
وجروحاً, وفرجك كأن به عنة وبغير ذلك الشأن مشغولا, وبطنك كأن به امتلاء وارتواء
وعن الطعام غنى, وعقلك كأنك مجنون ومخبول, وجسدك كأنك ميت وإلى القبر محمول,
فالتسامع والتسارع في الأمر, والتعاقد والتجاعد والتقاصر في النهي, والتماوت
والتعادم والتفاني في القدر, فاشرب هذه الشربة, وتداو بهذا الدواء, وتغذ بهذا
الغذاء، تنجح وتشفى, وتعافى من أمراض الذنوب وعلل الأهواء, بإذن الله تعالى إن شاء
الله.




المقالة الرابعة عشرة
فـي إتـبـاع أحـوال الـقــوم



قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا تدع حالة القوم يا صاحب
الهوى أنت تعبد الهوى وهم عبيد المولى, أنت رغبتك في الدنيا ورغبة القوم في العقبى,
أنت ترى الدنيا وهم يرون ربّ الأرض والسماء, وأنت أنسك بالخلق وأنس القوم بالحق،
أنت قلبك متعلق بمن في الأرض وقلوب القوم بربّ العرش, أنت يصطادك من ترى وهم لا
يرون من ترى بل يرون خالق الأشياء وما يرى, فاز القوم به وحصلت لهم النجاة, وبقيت
أنت مرتهناً بما تشتهي من الدنيا وتهوى، فنوا عن الخلق والهوى والإرادة والمنى
فوصلوا إلى الملك الأعلى, فأوقفهم على غاية ما رام منهم من الطاعة والجد والثناء
}ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{.المائدة54.
فلازموا ذلك وواظبوا بتوفيق منه وتيسير بلا عناء, فصارت الطاعة لهم روحاً وغذاء,
وصارت الدنيا إذ ذاك في حقهم نقمة وخزياً، فكأنها لهم جنة المأوى إذ ما يرون شيئاً
من الأشياء حتى يروا قبله فعل الذي خلق وأنشأ فيهم ثبات الأرض والسماء, وقرار الموت
والإحياء إذ جعلهم مليكهم أوتاداً للأرض الذي دحى, فكل كالجبل الذي رسى, فتنح عن
طريقهم ولا تزاحم من لم يفده عن قصده الآباء والأبناء، فهم خير من خلق ربي وبث في
الأرض وذرأ, فعليهم سلام الله وتحياته ما دامت الأرض والسماء.





المقالة الخامسة عشرة
فـي الـخــوف و الـرجــاء



قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : رأيت في المنام كأني في موضع
شبه مسجد وفيه قوم منقطعون, فقلت : لو كان لهؤلاء فلان يؤدبهم ويرشدهم, فأشرت إلى
رجل من الصالحين فاجتمع القوم حولي فقال واحد منهم : فأنت لأي شيء لا تتكلم ؟ فقلت
: إن رضيتموني ذلك, ثم قلت : إذا انقطعتم من الخلق إلى الحق فلا تسألوا الناس شيئاً
بألسنتكم, فإذا تركتم ذلك فلا تسألوهم بقلوبكم, فإن السؤال بالقلب كالسؤال باللسان.


ثم اعلموا أن الله }كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{.الرحمن29. في تغيير
وتبديل ورفع وخفض, فقوم يرفعهم إلى عليين, وقوم يحطهم إلى أسفل سافلين, فخوف الذين
رفعهم إلى عليين أن يحطهم إلى أسفل سافلين, ورجاؤهم أن يبقيهم ويحفظهم على ما هم
عليه من الرفع, وخوف الذين حطهم إلى أسفل سافلين, أن يبقهم ويخلدهم على ما هم فيه
من الحط, ورجاؤهم أن يرفعهم إلى عليين, ثم انتبهت.




المقالة
السادسة عشرة
فـي الـتـوكـل و مـقـامـاتـه


قـال رضـي الله تـعـالى
عـنـه و أرضـاه : ما حجبت عن فضل الله ونعمه إلا لاتكالك على الخلق والأسباب,
والصنائع والاكتساب, فالخلق حجابك عن الأكل بالسنة وهو المكسب, فما دمت قائماً مع
الخلق راجياً لعطاياهم وفضلهم سائلاً لهم متردداً إلى أبوابهم فأنت مشرك بالله
خلقه, فيعاقبك بحرمان الأكل بالسنة الذي هو الكسب من حلال الدنيا, ثم إذا تبت عن
القيام مع الخلق وشركك بربّك عزَّ وجلَّ إياهم ورجعت إلى الكسب فتأكل بالكسب وتتوكل
على الكسب وتطمئن إليه وتنسى فضل الرب عزَّ وجلَّ, فأنت مشرك أيضاً، إلا أنه شرك
خفي أخفى من الأول, فيعاقبك الله عزَّ وجلَّ ويحجبك عن فضله والبداءة به, فإذا تبت
عن ذلك وأزلت الشرك عن الوسط, ورفعت اتكالك عن الكسب والحول والقوة, ورأيت الله
عزَّ وجلَّ هو الرزاق, وهو المسبب والمسهل والمقوي على الكسب, والموفق لكل خير
والرزق بيده, تارة يواصلك به بطريق الخلق على وجه المسألة لهم في حالة الابتلاء أو
الرياضة أو عند سؤالك له عزَّ وجلَّ, وأخرى بطريق الكسب معاوضة وأخرى من فضله
مبادأة من غير أن ترى الواسطة والسبب, فرجعت إليه واستطرحت بين يديه, ورفع الحجاب
بينك وبين فضله, وباداك وغذاك بفضله, عند كل حاجة على قدر ما يوافق حالك, كفعل
الطبيب الشفيق الرقيق الحبيب للمريض حماية منه عزَّ وجلَّ, وتنزيهاً لك عن الميل
إلى من سواه, يرضيك بفضله, فإذاً ينقطع عن قلبك كل إرادة وكل شهوة ولذة ومطلوب
ومحبوب, فلا يبقى في قلبك سوى إرادته عزَّ وجلَّ, فإذا أراد أن يسوق إليك قسمك الذي
لابدّ من تناوله وليس هو رزقاً لأحد من خلقه سواك, أوجد عندك شهوة ذلك القسم وساقه
إليك, فيواصلك به عند الحاجة, ثم يوفقك ويعرفك أنه منه وهو سائقه إليك ورازقه لك,
فتشكره حينئذٍ وتعرف وتعلم, فيزيدك خروجاً من الخلق وبعداً من الأنام, وأخليت
الباطن عما سواه عزَّ وجلَّ, ثم إذا قوي علمك ويقينك, وشرح صدرك ونور قلبك, وزاد
قربك من مولاك ومكانتك لديه عنده، وأهليتك لحفظ الأسرار علمت متى يأتيك قسمك كرامة
لك وإجلالاً لحرمتك فضلاً منه ومنة وهداية, قال الله تعالى : }وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا
يُوقِنُونَ{.السجدة24. وقال الله تعالى : }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{.العنكبوت69.
وقال تعالى : }وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ{.البقرة282. ثم يرد عليك
التكوين فتكون بالإذن الصريح الذي هو لا غبار عليه والدلالات اللائحة كالشمس
المنيرة, وبكلامه اللذيذ الذي هو ألذ من كل لذيذ, وإلهام صدق من غير تلبس مصفى من
هواجس النفس ووساوس الشيطان الرجيم.

قال الله تعالى في بعض كتبه : (يا ابن
آدم أنا الله الذي لا إله إلا أنا أقول للشيء كن فيكون, أطعني أجعلك تقول للشيء كن
فيكون), وقد فعل ذلك بكثير من أنبيائه وأوليائه وخواصه من بني
آدم.
_________________
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ،
أستغفرك وأتوب إليك



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تغريد العدوي
عضو سوبر
عضو سوبر
تغريد العدوي



فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني    فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 09, 2011 1:16 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي خاتم النبيين والمرسلين
سيدنا محمد رسول الله
وعلى آله وأهل بيته وأزواجه وذريته وأصحابه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  3d1aadc9c2ax9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شمس الهدى
عضو سوبر
عضو سوبر
شمس الهدى



فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني    فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 22, 2012 5:37 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي خاتم النبيين والمرسلين
سيدنا محمد رسول الله
وعلى آله وأهل بيته وأزواجه وذريته وأصحابه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني  3d1aadc9c2ax9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من أقوال سيدي عبد القادر الجيلاني الفتح الرباني قدس سره
» أدعية الجيلاني من الفتح الرباني
» علم الغيب....!
» توضأ بماء الغيب
» فتوح البلدان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إسلامنا نور الهدى :: الطريق الى الله :: علوم الشريعة والحقيقة وكلام أهل الله-
انتقل الى: