شخصية الدرويش أن شخصية الدرويش ابراهيم بن ادهم شيخ المتصوفة المعروف كما يذكره لنا المورخون كأبن عساكر في تهذيبه الجزء الثاني و ابن كثير في البداية و النهاية الجزء العاشر و في حلية الأولياء الجزء السابع و كما ورد في سلسلة إعلام العرب للدكتور عبد الحليم محمود هي نفسها الشخصية الموجودة في التراث الديني اليزيدي مع بعض الأختلافات و لكن تحت اسم الدرويش آدم بن إبراهيم , وان الأيمان يدخل هنا كجزأ لا يتجزأ من رواية الدرويش آدم في تراثنا الديني .
فهناك دائما خطأ في نقل الأخبار أو المبالغة فيها و هذه طبيعة بشرية عامة تشمل جميع المجتمعات في العالم ,إلا آن المجتمعات تتفاوت في درجة المقاومة التي تظهر فيها تجاه تلك الأفكار الجديدة ،وكلما كان المجتمع أكثر انعزالاً وأنغلاقاً كانت مقاومته لتلك الأفكار أشد عنفاً .
فالشخصيتان هما واحدة من حيث كونها شخصية صوفية تقية كما وردت سواء في التراث اليزيدي أو كما أورده المورخون .
والصوفية هي طريقة دينية تستهدف معرفة الله عن طريق المجاهدة و الأتحاد بالذات الآلهية للحصول على أنواع ألكرامات والمعجزات و يشترك المتصوفة على اختلاف مذاهبهم في طريقة عيش حياة الزهد و التقشف ولبس الملابس الصوفية الخشنة (الخرقة ) على الجسم مباشرة .
ونظرة على الكتب الصوفية نرى فيها ما يبهر العقول من الأدب و الحكمة و الأقوال في مناجاتهم لله من قوة تعابيرها و جزالة معانيها وهي بلا شك الهامات ربانية لما تحويه من معاني وجدانية وروحية .
فالدرويش إبراهيم بن أدهم ,هو إبراهيم بن أدهم بن منصور التميمي البلخي أبو اسحق ,وكان أدهم أبوه من ملوك بلاد الخراسان ,آما إبراهيم فقد كان على عادة الموسرين يحب الصيد و اللهو,وقد خرج يوماً للصيد مع رجاله وحاشيته فسمع نداءاً يهتف به "ليس لهذا خلقت و لا
بذا أمرت "ثلاث مرات ،فهتف قلبه لهذا النداء ,فرجع الى أهله و تخلى عن أمواله و حاشيته .
وترك أمواله وقصوره و راح يتنقل بين البلدان طلباً للعلم و العبادة ،فرحل إلى العراق و بلاد الشام ،وعمل في المزارع و البساتين ليكسب لقمة عيشه ،وأشتهر بصلاحه وإخلاصه وتقواه،
فذاع صيته بين الناس واشتهر بقوة دعائه وكثرتها وكان يقول آن الله أنعم على الفقراء إذ لا يسألهم يوم القيامة لا عن زكاة ولاعن حج ولاعن جهاد ولا عن صلة رحم ,إنما يسأل في ذلك الأغنياء فقط .وكان لا يأكل آلا من عمل يده وغالب أهوائه حتى تغلب عليها ، وكان يتنقل من مكان إلى آخر طلباً للرزق الحلال وطلب العلم ، وكانت عبادته بكثرة الدعاء وبعبوديته لله ,وكان يغلب عليه طابع التفكير في خلق السماوات والأرض ,كثير الأسفار متجرداً للجهاد في سبيل الله ,يخالط الناس ويتحبب إليهم من اجل هدايتهم .
ومات في أرض الجزيرة وقيل في بلد من بلاد الروم سنة 161هجرية/778ميلادية.
أما في التراث اليزيدي فان الدرويش أدهم بن إبراهيم آو(آدم )هو أبو الأمير إبراهيم ,وكان فقيراً في تعبده لله تعالى وفق ماجاء في الأقوال الدينية ,فقد ذهب في أحد الأيام الى أمير منطقة
خورستان بملابسه الرثة وكان يحمل في عنقه حقيبة مصنوعة بيده و طلب منه يد ابنته الأميرة
(غزال)للزواج وكانت شابة رائعة الجمال وكان قد خطبها العديد من الملوك و الأمراء والأشراف وكانت قد رفضتهم كلهم ،فلما دخل الدرويش آدم على الأمير وسمع طلبه في الزواج من ابنته الأميرة حتى استشاط غضباً فأستلّ سيفاً وهمّ بقتل الدرويش الآ ان وزرائه و
حاشيته استمهلوه قليلاً وأخبروه آن قتله للدرويش سوف يؤ ثر على مكانته بين الناس ، فهدأ
الأمير و جارى الدرويش في طلبه ،فطلب منه شرطاً تعجيزياً مهراً لأبنته ،بأن يجلب له الدرة حتى
يزوجه ابنته ،فخرج الدرويش من قصر الأمارة ووقف على شاطى النهر فنادى ربه وطاووس ملك بان يمنحاه الدرة ،وبقدرة رب العالمين القادر على كل شي وضعت ثلاث درر في حقيبته ،
فشكر الله وحمده وتوجه صباح اليوم التالي الى قصر الأمير وأخرج الدرر الثلاث وسلمها للأميروسط دهشة وذهول الحاضرين حتى هرب قسماً منهم ,أما الأمير فسقط مغشياً عليه من هول المفاجأة ،فزحف نحو الدرويش طالباً منه المغفرة والسماح وقبل زواجه من ابنته وأمر الحراس بإقامة مراسيم الزفاف ،وفي صباح اليوم التالي حمل الأمير فطور الدرويش و دخل عليه الغرفة لكنه لم يجد سوى ابنته وعندما سألها عن الدرويش أخبرته انه خرج في الصباح الباكر بعد ان
تحول الى هيئة طير وسلّمها (الخرقة والبرات)ليحرساها،وطلب منها آن تهتم بأبنهاالذي سيولد منه .عندها أدرك الأمير آن سر الملائكةوضعت في روح الدرويش آدم .وبعد فترة ظهرت علامات الحمل على الأميرة وسط فرحة الجميع لأن روح الجنين هي من سر أبيه ,وحين رزق
الطفل سموه إبراهيم فنشأ و تربى في كنف جده ، وحين أصبح شاباً خرج يوماً للصيد مع رجاله
فشاهد غزالة بين الأحراش فرماها بسهمه أصابت رجلها فألتفتت الغزالة الى إبراهيم و بقدرة رب العالمين تكلمت و قالت يا إبراهيم لايليق بك الصيد لأن مكانك مع أبوك بين الرسل و الأولياء
وأختفت الغزالة ,فرجع إبراهيم الى أمه وسألها عن أبيه فحدثته عن قصة والده الدرويش آدم فتأثر إبراهيم كثيراً و خلع ثيابه الغالية و لبس ثياب الزهد وترك رجاله وحاشيته وقصر جده
وسافر الى لالش وصاحب الشيخ عدي فكان من أبرز وأخلص مريديه .
كما رأينا ان الشخصيتين هما لشخص واحد لكنها جاءت مع بعض الأختلافات فالمؤرخون يذكرون ان الدرويش ابراهيم بن أدهم قد توفي سنة 161هجرية بينما في التراث اليزيدي فأن
الدرويش آدم بن ابراهيم كان معاصراً للشيخ عدي المتوفي سنة 755 هجرية .
كما ان الأيمان يدخل كجزء من شخصية الدرويش آدم ,والأيمان هو شعور لايستند الى أي شكل من أشكال البرهان المنطقي أوالعلمي .لذلك فأن مثل هكذا اختلاط يجعل من كل مجموعة
دينية كانت أم اثنية أم عرقية تقيم معيارها الخاص دون اعتبار يما هو صواب أو خطأ .
وهذا ما نادي به سقراط حين أراد أن يضع مقياس منطقي لموازنة الأفكار و الأحكام وفق قاعدة
واحدة لا مجال فيه للأهواء والنزاعات للوصول الى الحقيقة .
لذا يجب أن لا نأخذ التراث كما هو منقول حرفياً تحت سيطرة الماضي و التي تكثر فيها الأساطير
والخرافات خصوصاً في عصور ضعفهم وعذرهم في ذلك ان المعرفة في ذلك الوقت كان محدوداً مع أننا نستدل من التراث الأسطوري والمثيولجي للشعوب إلى حقائق عن حياة هذه الشعوب و واقعها . ويشير د . علي الوردي إلى هذه الظاهرة بان هناك من رجال الدين أو رجال السياسة ممن يحاولون احتكار المعلومات و الأفكار و لا يعلنوها للعامة لأنهم يعتمدون في رزقهم و مناصبهم على هؤلاء العامة و هم يتنافسون فيما بينهم في اجتذاب العوام إليهم لذلك
لا يجرؤ الواحد منهم على إبداء الرأي المخالف لما أعتاد عليه العوام خشية أن ينفضوا عنه ويلتفوا
حول منافسيه .ويجب أن لا نلوم الناس حسب ما تمليه المعتقدات و العادات التي نشأوا عليها ,فهم لا إرادة لهم في ذلك لأنهم نشأوا في طفولتهم على تلك المعتقدات و العادات و التي بقيت عالقة
في الأذهان .
وفاته رضي الله عنه : تُوفي إبراهيم بن أدهم سنة 161هـ الموافق 778م , وفي رواية آخري أنه وتوفي سنة اثنتين وستين ومائة وهو مرابط مجاهد في إحدى جزر البحر المتوسط، ولما شعر بدنو أجله قال لأصحابه: "أوتروا لي قوسي، فأوتروه، فقُبِضَ على القوس ومات وهو قابضٌ عليها يُريد الرمي بها، وفي رواية أخرى قيل إنه مات في حملةٍ بحريةٍ على البيزنطيين، ودُفِنَ في مدينة جبلة على الساحل السوري، وأصبح قبره مزارًا، وجاء في معجم البلدان أنه مات بحصن سوقين ببلاد الروم.0
وقبره يزار ، وترجمته في "تاريخ دمشق" في ثلاثة وثلاثين ورقة .
مرقده رضي الله عنه : مسجده رضي الله عنه : وهو من أحد أهم معالم مدينة جبلة التاريخية ، وهو يقع في الشمال الشرقي من المدينة القديمة ، وسط جبلة اليوم
تبلغ مساحة المسجد حوالي 400 متراً مربعاً ، وهو مبني من الحجر الرملي ويحتوي على ستة قباب متفاوتة الحجوم ، وقد بني هذا المسجد عقب وفاة السلطان إبراهيم إنما كان صفيراً ، ومن ثم استكمل لاحقاً وأكثر الكتابات الموجودة داخل المسجد تشير إلى استكماله في العصر المملوكي ومن ثم في العصر العثماني أما في العصر الحديث وفي عهد القائد التاريخي حافظ الأسد أعيد بناء مأذنته بعد أن هدمتها صاعقة ، وكذلك أعيد ترميم المسجد وإعادة ما هدم منه أو زال عبر العصور ليعود كما كان في السابق0