حمداً لله تعالى مشفوعاً بالتوحيد والتقديس0
حمداً لله الذي خَصّ نبيَّه محمّداً وأهلَ بيته عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليم بالاجتباءِ والاصطفاء، والتطهيرِ والتكريم، وأمرَ بالصلاةِ عليه وعليهم كما أمرَ بالصلاةِ على إبراهيم وآلِ إبراهيم، وجعل معرفتَهم براءةً من النار، ومحبّتَهم جوازاً على الصراط، وولايتَهم أمْناً مِن العذابِ الأليم.
والصلاة والسلام على سيدنا محمّدٍ النبيِّ الأُمّيِّ الذي هو على خُلُقٍ عظيم، وبالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
وعلى ذريّتهِ وأهل بيته وعترته , الذين بذِكْرهم تُستدفَعُ نوازلُ البلاء والضرر، ويُستعاذُ من سوء القضاء وشرّ القَدَر، ويُستنزل بهم في المُحول نَوافعُ المطر، ويُستقضى بهم على غلَبات اليأس وجوامعِ الوَطَر, جَمالُ ذي الأرضِ كانوا في الحياةِ , وهُم بـعـد المـمـاتِ جـمالُ الكُتْـبِ والـسِّيَـرِ
بقلم الأستاذ الدكتور/ سيد الصاوي
أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بأسيوط
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام علي رسول الله – صلي الله عليه وسلم وبعد:
فهذه ألفاظ ينطقها أبناء بني عدي ( العدوية) في حياتهم اليومية العادية , مما يتطلبه المقال ويقتضيه المقام من دلالة التعامل , والإفصاح عما في النفس 0
والهدف رصد بعض الألفاظ التي يحسبها الناطقون من العامية , وهي موغرة في القدم بجذورها ضاربة في الفصحى بأصولها دالة علي رجوع لغة البلدة إلي اللغة الفصحى وطريقة عرض الألفاظ , ترتيبها في قوالبها ترتيباً هجائياً مع اعتبار الحرف الأول والثاني في الترتيب مع ذكر تركيب يوضح كيفية نطق اللفظ علي ألسنة المتحدثين , وبيان ما طرأ عليه من تغيير بالتحريف أو الاستبدال , أو احذف , أو الدمج , أو الزيادة تغيير أحدث تطورا بالنسبة للأصل في اللغة الفصحى 0
ونبدأ بما أوله الهمزة في النطق لا في الأصل علي النحو التالي:
أبعدية: يقول احدنا للآخر متحدثاً عن شخص : هو عنده أبعدية 0
يقصد أرض زراعية واسعة في جهة واحدة 0
والكلمة دخلها الحذف إذ أنها في الفصحى أبعادية , أخذتها اللغة الفصحى من اللغة التركية فعربتها , وهي فيها ـ أباد
بمعني مزرعة , وقد دخلت علي لغة البلدة في عهد الأتراك الذين انتشروا في كثير من البلاد ( المحكم في أصول الكلمات العامية ص2)0
أتأنزح : تقول فلان أتأنزح علينا , تقصد عجب بنفسه وتخايل 0
وهي في الأصل – اتقنزح- من الفعل – قزح- وفي معاجم اللغة قزح الحديث زينه وتممه من غير أن يكذب فيه , وقد وفدت إلي البلدة علي ألسنة القاهريين الذين ينطقون القاف همزة – ينظر لسان العرب – قزح0
أتحتح : تقول لآخر : أتحتح يا أخي من هنا , تريد منه أن يترك المكان , وهي من التحتحة بمعني الحركة , وينطقها بعضهم – أتعتع ـ بإبدال الحاء عينا , ولا شيء فيه بالنسبة للفصحى, لاتفاق المخرج بين الحرفين , وذلك مسوغ بالتبادل بينهم – انظر القاموس المحيط – اتحتح0
أخص: هو لفظ للشتم والاشمئزاز , ويقال : أخصي 0
وهو في اللغة الفصحى إخسا من خسا , والخاسىء من الكلاب والخنازير البعيد , وخسأت الكلب زجرته فأبعدته 0
ويقول الخاسىء بمعني الصاغر القمىء 0
وفي القرآن الكريم (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) 108 المؤمنون
أي تباعدوا فقد حذفت الهمزة من إخساء فرارا من ثقل النطق, وأبدلت السين صادا للاتفاق في المخرج وبعض الصفات – انظر لسان العرب – خصأ0
ادّلى : يقول احدنا لأخيه : ادليت ميته من فوق ؟
وهي في الأصل تدليت , يقال تدلى فلان علينا من أرض كذا أي أتانا , على وزن تفعل , والذي حدث الاشتقاق على وزن أتفعل , أي اتدل , ثم حدث تغيير في العامية من إبدال التاء دالاً وإدغامها في الدال لاتفاق المخرج وبعض الصفات الأمر الذي تجيزه الفصحى وذلك رغبة في التخفيف وفرارا من ثقل النطق 0
وأما ميته : بإمالة كسرة الميم فستأتي في مكانها إن شاء الله تعالي – ينظر المحكم في الكلمات العامية ص7
آداي : تقول : آداي الجمال وآداي الجمالة , وهي في الأصل – هاذي- ها للتنبيه وذي اسم إشارة , وكثيراً ما تبدل اللغة الفصحى الهاء همزة , ثم حدث تحريف في العامية بإبدال الذال دالاً لقرب المخرج –ينظر المرجع السابق-
أدني ك يناديك بعضهم أنت فين فتقول : أديني , وأصلها هاذي أنا , أي نفسي أنا , وقد سبق الكلام عن هاذي 0
وأما أنا فقد تنطق في العامية الدارجة أاني اختزالاً للنطق المتأتي من إطلاق الألف , وقس علي ذلك –أدنت وأدحنا –
أما أدي أنت فأصلها هاذي أنت ففعل بها ذي , سبق فصارت أدي أنت ثم حذفت الهمزة تخفيفاً بعد دمج الكلمتين فالتقت الياء ساكنة من النون التي سكنت بعد دخول الضمير فحذفت الياء تخلصاً من التقاء الساكنين فصارت الكلمة أدنت 0
وأما – أد حنا : وبعضهم يقول : أد هنا – بالتبادل بين الحاء والهاء وهو شائع في الفصحى فأصلها – هاذي نا – بهاء التنبيه واسم الإشارة وضمير الجمع وفعل بها ذي ما سبق فصارت – أدينا - ثم حرفت في العامية بإبدال الياء حاء أو هاء فصارت أد حنا أو أد هنا 0
أزاي: تقول لآخر – أزاي تعمل كده – والزي الهيئة وعليه يكون الأصل بأي ذي تفعل كذا ثم أدمجت الكلمتان مع قلب الكسرة فتحة وزيادة الألف , أو نحت منهما كلمة واحدة 0
إزيك: عند مقابلة بعضنا نقول: إزيك , والمقصود الاستفهام علي الهيئة , والأصل : أي شيء زيك , وبعضهم يقول :
إيش زيك0
أما – إزيك : فقد حذف منها المضاف إليها – شىء – للاختصار فصارت – أي زيك- أى أى زيك – ثم حذفت الياء للتخفيف أو النحت فصارت – ازيك – بعد قلب الكسرة فتحة 0
وأما أشى زيك : فقد نحت من أى شيء ايشايش زيك – انظر لسان العرب ـ زيا- 0
أش : عندما ترى شيئا حسنا من أخر تقول له : أش ده كله 0 وأصله ـ أي شيء – التي سبق الحديث عنها , فاختصرت الكلمة بحذف الياء الأولي والثانية مع قلب فتحة الهمزة لكسرة ومن سنن العرب حذف بعض الحروف إذا كثرت علي الألسنة للإيجاز , ومن ذلك ـ اللهم ـ التي كان أصله يا الله أمنا ـ ينظر الفاخر 262ـ
إكمنه: يقول احدنا للأخر : إكمنك فعلت كذا , أو إكمنه فعل , وهي في الأصل كما أنك فعلت كذا , وقد يقال : كمنه , فقد حدث للتركيب اختزال واختصار بحذف بعض الحروف بسبب السرعة في النطق 0
الإل: تدعو الأم علي ولدها فتقول: جئك الإل وتعب السر 0
والإل في الفصحى مصدر أل ينيل ألا واليلإ , بمعني توجع وإنما كسرت الهمزة لمزاوجة لفظ السر ـ ينظر لسان العرب – الل0
إلا ده: تقول إذا سمعت شيء لا يرضيك : كله إلا ده , وأصل ده : دهِ , وقد أخبر عن بعض العرب أنهم قالوا لكاهن بعد أن حدثهم إلا ده , أي أنظر غير هذا النظر , فقال لهم إلا ده فلا ده , أي إن لم يكن هذا فلا يكون ذلك ـ ينظر المحكم في أصول الكلمات العامية ص150
ألدغ: تقال لمن في لسانه عسر في نطق بعض الحرف , كأن ينطق الراء غينا أو لاماً , أو السين ثاء والأصل ـ إلثغ ـ فأبدلت العامة الثاء دالا , وهذا لاشيء فيه لقرب المخرج ثم قلبت فتحة الهمزة كسرة 0
أمال : تقول لضيفك : كل أمال , أقعد أمال , وأصل الكلمة أما لا , أي كل هذا إن كنت لا تأكل غيره , فقلبت الكسرة ضمة , وقطعت الكلمة عن أخرها0
أمنية: يسمون أفران حرق الطوب أمنية وهي كلمة يونانية بمعني موقد , عربتها اللغة العربية ـ قمينة ـ ثم نطق بها أبناء الوجه البحري قياساً علي اللهجة القاهرية أمنية ثم نقلت عن طريقهم إلي لهجة أبناء بنى عدي ـ ينظر الألفاظ الداخلية 580
إنه : إذا رأيت شخصاً يعمل عملاً لا تدري لماذا يفعله تقول لازم فيه إنه , تريد سبباً والهاء للسكت - وإن- التي تأتي في الفصحي للتعليل كما في قوله تعالي ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ) 69الصافات , أي لأنهم , ينظر الفتوحات الإلهية 3 – 535-
إنهو: تطلب شيء من أخيك فيقول لك إنهو إللي أنت عايزه , والأصل أين هو ؟
فحذت الياء اختزالا فصارت إنهو , ومثلها ـ إنهي ـ وأنهم 0
أهه : سلبك بعضهم أين الشيء الفلاني ؟ فتقول ك أهه , فهاء حرف تنبيه فتكون الكلمة ـ ها هوه ده ـ والهاء الأخيرة للسكت , ثم اختصرت الكلمة لسرعة في نطق فصارت ـ أهه ـ ومثلها أهه والأصل أهي , وأهم والأصل هاهم
إيوه: جواب لسؤال هل فعلت كذا ؟ وأصلها في الفصحى أي والله فاستعيض عن لفظ الجلالة بها السكت 0
وهكذا يتضح إن كثيراً من الألفاظ التي يتعامل بها أبناء بنى عديات ـ العدوية ـ في حياتهم اليومية مأصلة متمسكة باللغة العربية 0
وهذا إن دل فإنما يدل علي أصالة البلدة وعراقتها في تاريخها 0
وإلي مقال أخر فيما أوله الباء إن شاء الله