البطالة، والفقر، وضعف المستوى الاقتصادي، وأزمة الإسكان، والمغالاة في
المهور .. عقباتٌ تقف دون زواج ملايين الشباب والفتيات.
- لجوء الفتيات إلى تقديم أنفسهن للزواج عبر
الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)،
بوضع صورهن وأعمارهن، والشروط المتوافرة لديهن، ومواصفات الشخص المطلوب للزواج.
- الأمم المتحدة تعلن الحرب على الزواج المبكِّر،
وتعده عنفاً موجهاً ضد المرأة!!
- انهيار القيم التقليدية، مثل تقديس العائلة،
وغياب المفهوم الصحيح للزواج، كالسكن والمودة والرحمة.
- تغيرات اجتماعية عميقة حدثت في القيم والأعراف
السائدة في المجتمع العربي، مثل: اللامبالاة، وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية، والإحباط
العام.
- الإسلام ييسر سُبُل الزواج، وينهى عن المغالاة
في المهور، ويحضُّ على الإحصان والعفاف.
الإحصائيات التي نقرأها بين الحين والآخر عن عنوسة الرجال والنساء في الدول العربية تثير المخاوف، وتنذر بخطر
داهم من تفشِّي هذه الظاهرة الاجتماعية، التي تعد من أمراض المجتمع التي يجب مواجهتها والحدّ من انتشارها، والبحث عن الأسباب الاقتصادية
والاجتماعية والدينية التي أدَّت إليها، خاصةً وأن الإسلام يحضُّ على الزواج، وينهى عن الرهبنة
والتبتُّل، ويشجع
على العفاف وتكوين الأُسَر القوية، التي تعدُّ اللَّبِنَات الأولى في بناء المجتمع القوي المتماسك.
فقد أشارت أحدث إحصائية صادرة عن (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) في مصر إلى وجود 9 ملايين شاب
وفتاة فوق سن الخامسة والثلاثين لم يتزوجوا بعد، من بينهم 3 ملايين و636 ألفاً و631 امرأة، في
حين وصل عدد الرجال إلى
5 ملايين و246 ألفاً و237 رجل.
وقالت الإحصائيات إن معدل العنوسة في مصر في تزايد مستمر، وتختلف
النسبة من
محافظة لأخرى، فالمحافظات الحدودية تبلغ النسبة فيها30%، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38%، والوجه البحري 27.8%،
كما أن نسبة العنوسة في الوجه القِبْلي هي الأقل؛ حيث تصل إلى 25%.
كما أن عقود الزواج بلغت 63 ألف عقد فقط في عام 2005، هذا في
الوقت الذي وصل فيه عدد
حالات الطلاق إلى 78 ألف حالة، ووصل عدد الفتيات
اللاتي تجاوزن سن 35 سنة دون زواج 35%، و20% منهن
يتزوجن ما بين 35 و40 سنة.
ولقد نشرت صحيفة "لاستامبا" الإيطالية قريباً دراسةً بعنوان "الفتيات العربيات والبحث عن زوج"، شملت
جوانب عديدة من حياة الفتاة العربية بصفة
عامة، أوضحت أن نسبة الفتيات اللاتي تقدم بهن سن الزواج
في الوطن العربي في ارتفاع مطَّرد، مقارنةً بالعشر سنوات الماضية، مشيرةً إلى الزيادة
الكبيرة في
عدد العوانس ببعض الدول العربية، كالسعودية، والكويت، واليمن، وليبيا التي وصلت النسبة بها إلى 30% وفق ما جاء
في الدراسة.
ولفتت الدراسة الأنظار إلى أن مصر - التي يوجد بها قرابة 35 مليون سيدة
من أصل عدد السكان
البالغ 75 مليون نسمة - زادت بها أعداد الفتيات غير
المتزوجات؛ نتيجة ارتفاع البطالة بين الرجال، وتزايد
الأعباء المادية لتوفير وتجهيز مسكن الزواج، فضلاً عن ارتفاع نسبة التعليم الجامعي بين الفتيات.
وقدَّرت الدراسة عدد الفتيات اللاتي لم يتزوجن في المرحلة العمرية من 18 إلى 20 عامًا بزهاء مليوني فتاة، ومن 20
إلى 25 بما يقارب المليون ومائة ألف فتاة، ومن 25 إلى 30 بما وصل إلى 800 ألف فتاة، ومن 30 إلى ما
فوقها بما يزيد عن 400
ألف فتاة وسيدة، هم من الفاقدات لأزواجهن والمطلقات.
وأضافت أن نسبة غير المتزوجات في مصر تصل إلى قرابة 4 ملايين فتاة
وسيدة، مشيرةً
إلى لجوء الفتيات المصريات إلى تقديم أنفسهنَّ للزواج عبر الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)، بوضع
صورهنَّ وأعمارهنَّ، والشروط المتوافرة لديهنَّ، ومواصفات الشخص المطلوب للزواج.
وأكَّدت أن هناك نسبةً أخرى تعلن عن نفسها في الصحف وبعض مكاتب الزواج
في مصر، وتوقعت أن
تزيد نسبة الفتيات غير المتزوجات في الخمس سنوات القادمة؛
لتصبح ما بين 50 إلى 55%.
العنوسة في العالم العربي
وليست مصر وحدها التي تكتوي بنار العنوسة؛ بل تنتشر الظاهرة في العديد
من الدول العربية
والإسلامية بنسب مختلفة، طبقاً لظروف كل دولة، فالإحصاءات
الرسمية تؤكد أيضاً أن العزوبية فرضت نفسها بقوة على
واقعنا العربي، وأصبحت ظاهرةً تستحق التوقف عندها ودراستها جيداً؛ لإيجاد الحلول لها.
والأرقام تشير إلى انخفاض نسبة الزواج بدرجة كبيرة في الدول العربية، فالظاهرة تعدت مصر ونالت من أرجاء الوطن
العربي؛ حيث كشفت دراسة حديثة أن 35% من الفتيات في كلٍّ من الكويت وقطر والبحرين والإمارات بلغْنَ
مرحلة العنوسة، كما أن 50%
من الشباب السوري رافضٌ للزواج، وأيضاً ثلث
سكان الجزائر عوانس وعزاب، ولكن انخفضت هذه النسبة في
كلٍّ من السعودية واليمن وليبيا لتصل إلى30%، بينما بلغت20% في كلٍّ من السودان والصومال، و10% في سلطنة عمان والمغرب،
وكانت في أدنى مستوياتها في فلسطين؛ حيث مثَّلت نسبة الفتيات اللواتي فاتهنَّ قطار الزواج 1%
فقط! وكانت أعلى نسبة
قد تحققت في العراق وهي85%!!
وفي دولة مثل لبنان؛ نجد الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها الكبير على الأحوال التي تعيشها الأسرة اللبنانية؛
فترفع من حالات الطلاق، وترفع سنَّ الزواج، وتحوِّل الإقدام على هذا الارتباط الطبيعي الذي لا تستمر من
دونه المجتمعات
الإنسانية إلى ما يشبه المغامرة غير المأمونة العواقب.
ويرتفع سن الزواج حاليًا في لبنان بصورة ملفتة، وحسب المناطق؛ ففي
بيروت - مثلاً - سن
الزواج لدى الذكور هو 32 عاماً تقريباً، وهو قرابة 29 سنة في
محافظتَي لبنان الشمالي ولبنان الجنوبي، والوضع مماثل لدى
النساء فيما يتعلق
بالفروقات العُمْريَّة؛ فسن الزواج الأول للنساء هو أقل من 26 سنة في لبنان الشمالي، وقرابة 29 سنة في لبنان
الجنوبي، ويعود سببها إلى المستوى الثقافي للذكور والإناث، وقد يرتبط ببعض العادات والتقاليد.
وفي تونس كشف مسح للسكان أجري منذ سنوات تأخُّر سن الزواج؛ حيث تبين أن نسبة الرجال غير المتزوجين الذين تتراوح
أعمارهم بين 25 و29 سنة قد زادت من 71 % في عام 1994م، إلى نسبة 81.1 % عام 2000م، أما في صفوف النساء؛ فقد بدا الأمر للبعض مثيرًا أكثر للقلق؛ حيث
قفزت نسبة الإناث غير المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة إلى حدود 79.7 % من مجموع هذه
الفئة العُمْريَّة.
أما الإناث اللاتي يتراوح سنهن بين 25 و29 عامًا؛ فقد بلغت نسبة
العازبات منهن
47.3 % من المجموع الإجمالي لهذه الشريحة، ويتبين من نتائج المسح أن هذه النسبة لم تتجاوز في عام 1994م معدل 37.7
%، أي أنه في ست سنوات فقط تعززت ظاهرة العنوسة بإضافة 10 % من الفتيات التونسيات، وتأخر سن
الزواج عند
الشبان إلى حدود 32 عاماً، وعند الإناث إلى 29 عاماً؛ لهذا عبَّر البعض عن قلقه ومخاوفه من الانعكاسات السلبية
التي يمكن أن تنتج عن هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة.
وهكذا يتأكَّد لنا أن ظاهرة العنوسة تتفشَّى في مجتمعنا العربي
والإسلامي بصورة
مخيفة، نتيجةً للعديد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف عقبةً دون زواج ملايين الشباب والفتيات،
مثل البطالة، والفقر، وضعف المستوى الاقتصادي، وأزمة المساكن، ومغالاة العديد من الأسر في المهور ومتطلبات الزواج؛ مما يرهق كاهل الشباب، ويدفعهم
إلى العزوف عن الزواج.
الزواج العرفي والسري
ولقد ترتب على انتشار هذه الظاهرة البحث عن طرق خفية وسهلة للزواج بين الشباب، مثل الزواج السري والعرفي، الذي
بدأ يستشري بين طلبة الجامعات في مواجهة تعقيدات الزواج الرسمي ومتطلباته الكثيرة، فقد كشفت دراسة
إحصائية أجراها
(المجلس القومي للسكان في مصر) عن تفشِّي ظاهرة الزواج السري، خاصةً بين طالبات الجامعات المصرية، وبيَّنت
الإحصاءات وجود 400 ألف حالة زواج سري، وأن أغلب الحالات بين الشباب والفتيات الذين تراوح أعمارهم ما بين
18 - 30 سنة، وأن نسبة الزواج السري بين
طالبات الجامعة تمثٍّل 6% من مجموع الطالبات المصريات، وكشفت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الاجتماعية
في مصر عن وجود 30 ألف
حالة زواج عرفي بين أصحاب الشركات وسكرتيراتهم.
الأمم المتحدة والعنوسة
وفي الوقت الذي تكتوي فيه الدول العربية والإسلامية بنار العنوسة وسلبياتها، نجد (الأمم المتحدة) تسعى الى
نشر مبادئ تتنافى مع تعاليم الإسلام، وتحارب عفة الرجال والنساء، فهي تعلن الحرب على الزواج المبكر، وتعده عنفاً موجهاً ضد المرأة، وفعلاً مذموماً
ينبغي القضاء عليه نهائياً، وفى نفس الوقت تسعى لنشر الإباحية، والتأكيد على حق النساء في إشباع احتياجاتهن الجنسية بالصورة التي يرينها،
وفى الوقت الذي تقتضيه الحاجة؛ بغضِّ النظر عن المرحلة العُمْريَّة التي يمررن بها.
فعلى الرغم من أن متوسط سنّ الزواج في دولة مثل ليبيا 32 سنة للذكور و29 سنة للإناث، وفى مصر 30 سنة للذكور و26
سنة للإناث، وفى سوريا 30 سنة للذكور و25 سنة للإناث؛ فإن الأمم المتحدة ترى أن الزواج المبكر يعوق
تعليم المرأة وعملها، ومن
ثمَّ على الفتاة أن تقدِّم تعليمها وعملها على الزواج،
فالمادة (93) من (التقرير العالمي للمرأة) الذي عقد في
العاصمة الصينية بكين عام 1995م، وتعقد له مؤتمرات تقييمية دورية، تنصُّ تلك المادة على
أن الزواج المبكر والأمومة
المبكِّرة للشابَّات يمكن أن يحدَّ بدرجة كبيرة من
فرص التعليم والعمل، ومن المرجح أن يترك أثراً ضارّاً طويل
الأجل على حياتهنَّ
وحياة أطفالهنَّ.
ونحن كمسلمين نقف من برنامج الأمم المتحدة الخاص بالمرأة موقفاً قوياً وثابتاً وشجاعاً، من منطلق قيم الإسلام
العظيمة، وتشريعاته القويمة الخاصة بالمرأة والأسرة؛ فالبرامج التي تُطرح دائماً في المؤتمرات العالمية
للمرأة تحمل
العديد من الأفكار الهدَّامة، التي تعصف بالأسرة والمرأة والمجتمع بأسره؛ حيث يغفَل الدين في برنامج (هيئة
الأمم المتحدة)، وأن ما يحتويه البرنامج من أفكار سيئة ومبادئ هدامة وخطيرة على الإنسانية بصفة عامة،
وعلى البلاد النامية
بصفة خاصة، والإسلامية منها بصفة أخص، هي التي قد أثارت
عواصف الاعتراضات على مؤتمرات الأمم المتحدة، وساعدت على
كشف الحجم الهائل من الشرور والمضارِّ التي حملتها برامجها الخاصة بالأسرة والمرأة،
وخالفت بها
الأديان السماوية عامة، والدين الإسلامي خاصة.
كما أن برامج الأمم المتحدة تشجع الأطفال والمراهقين والشباب - وخاصة الشابات - على مواصلة تعليمهم؛ لتهيئتهم
لحياة أفضل، وزيادة إمكاناتهم البشرية؛ للمساعدة في الحيلولة دون حدوث الزيجات المبكرة، كما يدعو إلى
أن تعمل البلدان على
إيجاد بيئة (اجتماعية اقتصادية) تفضي إلى إزالة الترغيب
عن الزواج المبكر.
وهذا يعني أن البرنامج يدعو إلى رفع سن الراغبين في الزواج، عن طريق محاربة الزواج المبكر لدى الشباب من
الجنسين، وفي هذا معارضة صريحة لتعاليم الإسلام، التي تدعو إلى الزواج وتحثُّ عليه، ما دامت القدرة عليه قد تحققت، والاستطاعة قد تيسَّرت؛ وفي ذلك
يقول - تعالى -: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
إِنْ يَكُونُوا
فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32]، ويقول النبي - صلى
الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج))،
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قدر على أن ينكح فلم
ينكح؛ فليس منا))!!
وكان هذا الموقف للشريعة الإسلامية من منطلق الحرص على صلاح المجتمع، وإعلاء راية العفة والطهارة في ربوعه،
وسد منافذ الفساد، وإغلاق الثغرات التي يتولد منها الشذوذ الجنسي، ولن يكون ذلك إلا بالعمل على تقليل عدد العزَّاب والعوانس بين أفراد مجتمع
المسلمين، كما أن تأخيره يؤدي إلى شيوع الفاحشة، ومن ثمَّ زيادة الأطفال اللقطاء، أو إباحة الإجهاض، وضياع
الحقوق، وتوقف
عجلة الإنتاج، وتفاقم المخاطر والمشكلات في المجتمع.
أسباب متعددة للعنوسة
وبغضِّ النظر عن الأفكار والبرامج التي تسعى (الأمم المتحدة) إلى نشرها على مستوى العالم، التي تتعارض في معظمها
مع أخلاقنا وشريعتنا الإسلامية وتعاليم ديننا؛ فإن هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى انتشار ظاهرة
العنوسة، يتحدث
عنها الدكتور (يوسف القرضاوي) فيقول: "لا شك أن العنوسة هي إحدى المشكلات الكبيرة التي تعانيها مجتمعاتنا
العربية والإسلامية عامة، وهي مكمِّلة لمشكلة أخرى، هي مشكلة العزوبة عند الرجال؛ فهما مشكلة واحدة،
تعني تأخر الزواج
بالنسبة للفتاة والفتى.
والواقع أن هذه الظاهرة لها أسبابٌ كثيرة، منها أن الزواج أصبح يكلِّف كثيراً جدّاً، وهو ما يرهق الشاب، خاصةً
في بداية حياته العمليَّة، فمن أين يأتي بتكاليف الزواج الباهظة وهو يخطو الخطوات الأولى في السلم
الوظيفي؟! فلابد أن يكون
هناك من يساعده على تحمل أعباء الزواج.
والواقع يؤكد أن الناس هم الذين عسَّروا ما يسَّر الله - عز وجل - وعقَّدوا ما سهَّله الشرع؛ فالزواج في
الشرع أمرٌ سهلٌ ويسير، ولكنَّ الناس هم الذين عسَّروه وصعَّبوه بما وضعوا من عقبات، وما وضعوا من تكاليف، فأصبح الشاب لا يستطيع تحمل كل نفقات
الزواج؛ فيتأخر دوره في عملية الزواج وإقامة أسرة جديدة، وربما فكر في الزواج من خارج البلاد؛ حتى لا يتحمل
هذه المشاق، ويجد من
تسانده في تحمل الصعاب!!
كما نجد تشدد الآباء في أمور الزواج؛ فالواقع أن بعض الآباء يتشدَّدون
في اختيار شريك حياة
ابنتهم، فهو يشترط شروطاً معينة، وكثيراً ما يأتي
الخُطَّاب لابنته ويردُّهم، هذا لأنه من طبقة دون طبقته،
أو قبيلة غير قبيلته،
وهو ما لم يقرُّه ديننا الإسلامي الحنيف؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا أتاكم من ترضون دينه
وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض)).
وهناك أسباب متعلقة بالأعراف والتقاليد، ومنها أن الفتاة يجب عليها أن تتزوج من ابن عمها، وأحياناً يكون ابن
العم غير مستعد للزواج في هذا التوقيت، فتظل الفتاة محجوزةً له فقط، وهو لا يريدها، وهي لا تريده،
وهذا التقليد موجودٌ في
بلاد كثيرة.
وهناك أسباب تتعلق بتعليم المرأة؛ حيث يعدُّ إكمال الدراسة من الأسباب الرئيسة التي ساهمت في ظهور العنوسة
وتأخُّر زواج الفتيات؛ حيث إن بعض الفتيات يُرِدْنَ إكمال تعليمهنَّ والالتحاق بوظيفة أولاً، وهو ما يؤدي بدوره إلى بقائها في منزل أهلها دون زواج
لمدة طويلة".
"وكل ما أودُّ قوله وما زال الكلام للدكتور (القرضاوي)
- هو أن الأهل يجب عليهم الالتزام بتعاليم الدين الحنيف في تيسير عملية الزواج على
الشباب؛ فلا
يرهقوا الشاب بما لا يتحمله، فالحياة هينة وسهلة، ولا تستحق كل التعقيدات التي يضعها الأهل في طريق
الشاب المقبل على الزواج؛ فقد حثَّنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على النظر للدين؛ فالرجل المتدين هو الذي يرعى الله في زوجته وأهله؛ فقال النبي - عليه
الصلاة والسلام -: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض
وفسادٌ عريض))،
وهذا يعني أن الالتزام بتعاليم الدين هي أهم صفة يجب النظر إليها عند اختيار شريك حياة الفتاة.
فالزواج سكنٌ ورحمةٌ ومودَّةٌ بين الزوجين، وليس مالاً وجاهاً ومركزاً مرموقاً؛ فقد قال الله - تعالى -: (وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، فكلام الله - تعالى -ورسوله
- صلى الله عليه وسلم - يوجب علينا الالتزام به، حتى نصل بأبنائنا إلى الطريق المستقيم؛ ليحيوا
حياةً طيبةً".
التغيرات الاجتماعية
وإلى جانب الأسباب التي ذكرها الدكتور (القرضاوي)، نجد أن بعض خبراء الاجتماع يُرجع انتشار العنوسة إلى
التغيرات الاجتماعية العميقة التي حدثت في القيم والأعراف السائدة في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة، مثل اللامبالاة، وعدم الرغبة في تحمل
المسؤولية، والإحباط العام، وفقدان الشعور
بالأمن والثقة في المستقبل، وهذه العوامل تأتي قبل
العامل الاقتصادي، الذي يتمثل في الدخل المتدنِّي، وندرة فرص العمل، والبطالة المتزايدة.
والبعض الآخر يرجعها إلى انهيار القيم التقليدية، ومنها تقديس العائلة،
وإلى مجموعة القيم
الاستهلاكية التي طفت على السطح؛ بحيث أصبح الفرد يقاس
بما يملك أو بما يدفع، إضافةً إلى غياب المفهوم الصحيح
للزواج كالسكن والمودة
والرحمة، وغياب دور الأسرة في توعية أبنائها وتربيتهم علي تحمل المسؤولية وتفهُّم معني الزواج، وإعداد
أبنائها وبناتها للقيام بهذا الدور.
كما أن هناك منظومةً من القيم الضاغطة في الأسرة، تتمثل في التباهي
بقيمة (الشَّبْكَة) و(المؤخَّر)
و(جهاز العروسة)، وإقامة الأفراح في الأماكن
اللائقة بمستوى الأسرة، مما أدَّى إلى ارتفاع تكاليف
الزواج وصعوبته هذه الأيام، وبالتالي أدَّى إلى انتشار الزواج العرفي، وجرائم الاغتصاب، والشذوذ، والأزمات النفسية.
الإسلام والعنوسة
والإسلام ينظر إلى ظاهرة العنوسة باعتبارها تعطِّل مقصداً هامّاً من مقاصده؛ فقد شرع الإسلام الزواج لمقاصد
سامية، منها أنه وسيلة من وسائل العفاف والإحصان والعفَّة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا
معشر الشباب، من استطاع
منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج،
فمن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء))، كما أنه
سببٌ لبقاء النوع البشري، ووسيلة إيجابية لتحقيق الأمومة والأبوَّة، وإقامة مجتمع مسلم.
ولا شك أن الإسلام قد وضع الحلول القويمة لمواجهة (غول) العنوسة، الذي يلتهم الشباب والفتيات دون استثناء، وذلك
عندما دعا إلى تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهور، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا جاءكم
من ترضون دينه وخلقه
فزوجوه؛ فإن لم تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير))، وحضَّ القرآن الكريم على الزواج؛ لما فيه من مودَّة وسكن ورحمة؛ في
قوله تعالي: (وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم
مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، ولكننا خالفنا هذه التعاليم النبوية؛ فوقعت الفتنة والفساد
الكبير، المتمثل
في العنوسة، والزواج السري والعرفي، والعلاقات المحرمة.
ولقد بدأنا ندرك اليوم عظمة ديننا الحنيف مع تزايد طوابير العانسات والمطلقات والأرامل في المجتمع العربي
والإسلامي، وبدأ البعض يفكر في سُنَّة تعدُّد الزوجات في مواجهة العنوسة، وينادي بها، وظهرت جمعيات في
بعض الدول العربية
تتبني سنة التعدُّد، مثل جمعية (الحق في الحياة) في مصر،
والتي أسستها وترأسها صحفيَّة مصرية، وهي ترفع شعار ((زوجة
واحدة لا تكفي)) وهذا كلام قد
يغضب الكثير من النساء! - فعندما أباح الإسلام تعدد الزوجات
لم يُبِحْهُ عبثاً، وإنما لحكمة عظيمة، يعلمها كل من يفكر
في أحوال المجتمع البشري وطبائع الرجال والنساء، فالرجل لا يلجأ إلى التعدد إلا لتحقيق
بعض المصالح والمنافع
التي قد لا توفرها له الزوجة الواحدة، ويكون التعدد في
هذه الحالة لتحقيق مصلحة كبيرة، تحمي الزوج من اتخاذ
الخليلة أو العشيقة، والوقوع في الحرام والمحظور؛ بل قد يحقق التعدُّد للمرأة - في كثير من الأحيان - مصلحةً اجتماعيةً كبيرةً، حتى
لا تعيش عانساً أو أرملةً أو مطلقةً دون زوج، ولأن ترضى بنصف أو ربع زوج، خيرٌ لها من أن تعيش وحيدةً بلا رجل على الإطلاق.
ولقد بدأ المجتمع الغربي نفسة يدرك أهمية تعدد الزوجات في الحفاظ على المجتمع من الانحرافات الخُلُقية
والاجتماعية؛ يقول الكاتب الإنجليزي (برتراند
رسل): "إن نظام الزواج بامرأة واحدة، وتطبيقه تطبيقاً صارماً، قائمٌ على افتراض أن عدد أعضاء الجنسين
متساوٍ تقريباً، وما دامت الحالة ليست كذلك؛ فإن في بقائه قسوةً بالغةً لأولئك اللاتي تضطرهن الظروف إلى البقاء عانسات".
ومما لا شك فيه أن تيسير سبل الزواج، والأخذ بسُنَّة التعدُّد هو أقوم الطرق وأعدلها لمواجهة المشكلات
الاجتماعية المترتبة على انتشار ظاهرة العنوسة ووجود عدد كبير من المطلقات والأرامل؛ فلم يشرع الإسلام
التعدُّد إلا
لصالح المجتمع وصالح الأسرة، ومعالجة ما قد يصيب المجتمع من أمراض.
المراجع
1- الأمم المتحدة وصناعة العنوسة. الهيثم زعفان،
موقع (اللجنة الإسلامية الدولية للمرأة والطفل)، 5 مارس 2007م.
2- 5. 5 مليون رجل عانس في مصر! رانيا حفني،
الأهرام، 23 فبراير 2007م.
3- أربعة ملايين فتاة غير متزوجة في مصر! حسين
عودة، جريدة المصريون الألكترونية، 30 يناير 2007م.
4- العنوسة مشكلة العصر. عزيزة محمود، موقع محيط،
28 أبريل 2001م.
5- في لبنان: العُنوسَة تهدِّد النساء. سالم
مشكور، الإسلام على (الإنترنت)، 21 مايو 2000م.
6- في تونس: العنوسة ظاهرة اجتماعية. صلاح الدين
الجورشي، الإسلام على (الإنترنت)، 21 مايو 2000م.