بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
تمهيد لمحتوى الموضوع :
أيها الأخوة المؤمنون, تحدثتُّ في الأسبوعِ الماضي عن أنَّ الدّخان أكبرُّ وباءٍ عالمي، وبيَّنتُّ أخطاره من خلالِ بعض التقارير التي أصدرتها منظمة الصحة الدولية, واليوم أتابع هذا الموضوع، فأبيِّن إن شاء الله تعالى أثر التدخين في القلب والشرايين, وقبل أن أوضح أثر التدخين في القلب والشرايين، لا بدَّ من تمهيدٍ قصير .
ربنا سبحانه وتعالى إكراماً لهذا الإنسان، جعل له مجموعةَ أجهزة، هذه الأجهزة تعينه على مواجهة الأخطار، فلو أن إنساناً كان يمشي في مكانٍ ما ورأى أفعى، ما الذي يحدث؟ يحدث ما يلي:
إن منظر الأفعى يرتسم على شبكية العين، وهذا هو الإحساس البصري، ومنظر الأفعى الذي على شبكية العين ينتقل إلى مركز الإدراك في المخ، والمخ أي الدماغ لما فيه من مفهومات، جاءت من خلال التجربة والتعليم، يعرف أن هذه الأفعى خطرة على حياته، إذن هو يواجه خطراً، يعطي الدماغ أمراً للغدة النخامية أنَّ هناك خطراً فعليكِ أن تتصرفي، تأمر الغدة النخامية الكظر، وهما غدتان فوق الكليتين، ويعطي الكظر الأوامر الخمسة التالية:
الأمر الأول: يعطي أمراً إلى كافَّة الأوعية بتضييق لمعتها، توفيراً للدم، الدم يجب أن يبذلَّ في العضلات، لأن الأمر خطير، لذلك تضيق لمعة الشرايين كلِّها حينما يأتي أمرٌ من الكظر إلى جميع الأوردة والشرايين، فالخائف يصفرُّ لونه، وما اصفرار لونه إلا إشارةٌ إلى ضيق الأوعية الدموية في الجسم, ويأتي أمرٌ آخر إلى القلب؛ فيزيد من ضرباته، والقلب ينبض في الأحوال الاعتيادية ثمانين نبضة، قد يرتفع النبض إلى مئةٍ وثمانين نبضة ليواجه الخطر, ويرسل الدم سريعاً إلى العضلات, ويأتي أمرٌ ثالث إلى الرئتين بأن تزيد من وجيبهما ، فالخائف يلهث, وأمرٌ رابع إلى الكبد بإطلاق كميةٍ من السكر في الدم، كي تواجه الخطر, وأمرٌ آخر إلى الصفيحات الدموية التي خلقها الله, لتسدَّ أي خللٍ أو خَرق في الشرايين, إذا أصيب الإنسان بجرح, فيزداد عددها في الدم .
هذا أمرٌ طبيعي، إذا واجه الإنسان خطراً ينبض قلبه بسرعةٍ أكبر، ورئتاه تخفقان بسرعةٍ أكبر، ويصفرُّ لونه لضيق لمعة الأوردة والشرايين، وتزداد نسبة السكر في الدم، وتزداد الصفيحات الدموية المجهَّزة لإغلاق كل فتحةٍ طارئة .
من آثار التدخين على القلب والشرايين :
ماذا يفعل الدخان في الإنسان؟ في الدخان مادةٌ سامة، اسمها: النيكوتين، تزيد هذه المادة من إفراز الأدرينالين، والأدرينالين هو الذي يزيد ضربات القلب ويضيِّق الشرايين، فشرايين المُدَخِّن ضيِّقة اللمعة، لذلك يغلب اللون الأصفر على المدخنين، ودائماً ضربات قلبه مرتفعة، وقلبه مجهود, لأن هذه المادة السامة تزيد من إفراز هذا الهرمون الذي يحثُّ على رفع ضربات القلب، وعلى تضييق الشرايين .
أين الخطر؟ الخطر أن هذا الضيق الدائمَّ في الشرايين قد يسبب انسداداً في شرايين القلب، فتكونُ الذبحة الصدرية، أو تكون الجلطة، أو يسبب انسداداً في شرايين المخ، فتكون السكتة الدماغية، أو يسبب انسداداً في شرايين الساقين، فتكون الغرغرين، ولا بدَّ من قطع الساق يومئذٍ .
هذا الخطر كامنٌ في أنه يبقي الأوعيةَ الدموية بحالةٍ من التوتر والضيق، ماذا يفعل ضيق الأوردة والشرايين؟ يرفع الضغط، هذه أشياء أصبحت مقطوعاً بها، لذلك كل الشركات التي تصنع الدخان في كل أنحاء العالم ملزمةٌ أن تكتب عليه: إنه يسبب أضراراً كبيرة في القلب، والأوعيةَ الدموية .
شيء آخر: جهَّز ربنا سبحانه وتعالى العضوية بالدورة الدموية، والكرياتُ الحمراء, وفيها خضاب الدم الذي يحمل الأوكسجين من الرئتين ويطرحه في الخلايا، كي تحترق المواد السكرية، فتنشأ الطاقة في الإنسان، إن خضاب الدم يتحد مع أول أوكسيد الكربون الناتج عن التدخين، فخمسة عشر بالمئة من خضاب الدم تُعَطَّل في الإنسان، فإذا رفع نسبة التدخين تصبح ثلث الكريات الدم، أو ثلث ما فيها من خضاب معطَّلة عن نقل الأوكسجين من الرئتين إلى الخلايا، هذا هو الأثر الثاني من آثار التدخين في القلب، والأوردة، والشرايين .
آخر كلمة في هذا الموضوع، يساعد أول أكسيد الكربون الناتج عن التدخين على ترسيب الكوليسترول في جدران الشرايين، والأوردة، وترسيب الكوليسترول في الأوردة والشرايين يضيِّق لمعتها، ويرفع الضغط، ويصيب القلب بالإجهاد .
شيءٌ آخر: إنَّ احتمال إصابة المدخنين بأمراض القلب والشرايين، يزيد خمسة عشر ضعفاً عن غير المدخنين، قد يقول قائل: ألا يصاب غير المدخنين؟ نعم يصابون، ولكن احتمال الإصابة عند المدخنين تزيدُّ خمسة عشر ضعفاً عن غير المدخنين .
هذه الحقائق أضعها بين أيديكم كي تضعوها بين أيدي من حولكم ممن يدخن، عافانا الله وإياكم من هذا الوباء الخطير .
أمر مدهش وعجيب !
أيها الأخوة المؤمنون, كان من النادر في الخمسينات أن يصاب الإنسان بمرضٍ في أوعيته الدموية قبل سنِّ الخمسين، وفي الستينات، والسبعينات، أصبح أُناسٌ كثيرون يصابون في سن الأربعين، وأحدثُّ تقريرٍ يتعلَّق بهذا الموضوع: أن هناك حالاتٍ كثيرة يصاب فيها الإنسان بأمراض القلب والأوعية في سن الخامسة والعشرين بسبب التدخين .
ليس هناك مبالغة في هذه الكلمات، لو يعلم الإنسان ما في أخطار هذا الدخان لأقلع عنه من توه، وها أنا ذا أُعلمكم، ولا أريد أن أدخل في متاهة أنه حرامٌ أو مكروهٌ، هذه الحقائق العلمية أضعها بين أيديكم .
الخاتمة :
أيها الأخوة الأكارم, من علامة المؤمن أنه يعرف قدر نفسه، يعرف قيمة الحياة، يعرف قيمة الصحة، هذه الحياة زاده إلى الآخرة، هذه الحياة الدنيا وما فيها جسرٌ له إلى الجنة ، لذلك يجب أن يسعى سعياً حثيثاً إلى الحفاظ على صحته، لأنها رأس ماله، والله سبحانه وتعالى, يقول:
﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
[سورة البقرة الآية: 195]
والحمد لله رب العالمين
المصدر
http://nabulsi.com/blue/ar/artp.php?art=6344