زكاة الرِّكاز والمعادن
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه
ورضي الله عن الأولياء والصالحين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشريعة الإسلامية قد جعلت حقاً معيناً على من وجد كنزاً من كنوز الجاهلية، وبين العلماء حكم ما يوجد من المعادن، وهذا الموضوع يتناول ما في الرِّكاز والمعادن من أحكام.
معنى الركاز:
الرِّكَازُ بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي مَأخُوذٌ مِنْ الرَّكْزِ بِفتحِ الرَّاءِ، يُقال: رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ: إذا دفعه فهو مركوزٌ وهذا متفق عليه. قال مالك والشافعي: الركاز دفن الجاهلية. وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما: إن المعدن ركاز، واحتجَّ لهم بقول العرب: أركز الرجل، إذا أصاب ركازاً، وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن. وخالفهم في ذلك الجمهور، فقالوا: لا يقال للمعدن: ركازاً، بحَدِيثِ أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. ففرق بَيْنَهُمَا بالعَطْف، فدل ذلك على المغايرة، وخص الشافعي الركاز بالذهب والفضة، وقال الجمهور: لا يختص، واختاره ابن المنذر- راجع: نيل الأوطار (4/526).
قال مالك: "الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يُطْلَب بمال، ولم يتكلَّف فيه نفقةٌ، ولا كبير عمل، ولا مؤونة. فأما ما طلب بمال، وتُكُلِّف فيه كبير عمل، فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز"- الموطأ (1/249).
معنى المعدن وشرط زكاته عند الفقهاء:
المعدن: مشتق من عَدَنَ في المكان، يَعْدِن عُدُوناً، إذا أقام به إقامة، ومنه قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ}التوبة: 72؛ لأنها دار إقامة وخلود.
وقد اختلف العلماء في المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة.
فذهب أحمد: إلى أنه كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، مثل الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والياقوت، والزبرجد، والزمرد، والفيروزج، والبلور، والعقيق، والكحل والزرنيخ، والقار( أي الزفت) والنفط(مادة تستخرج من الأرض في القديم تطلى به الإبل من الجرب، وهي أيضاً مادة قابلة للاشتعال، فاشتق اسم النفط في عصرنا منه ) والكبريت، والزاج، ونحو ذلك.
واشترط فيه، أن يبلغ الخارج نصاباً بنفسه، أو بقيمته.
وذهب أبو حنيفة: إلى أن الوجوب يتعلق بكل ما ينطبع ويذوب بالنار، كالذهب والفضة والحديد والنحاس.
أما المائع، كالقار، أو الجامد الذي لا يذوب بالنار، كالياقوت، فإن الوجوب لا يتعلق به، ولم يشترط فيه نصاباً، فأوجب الخمس، في قليله، وكثيره.
وقصر مالك، والشافعي، الوجوب على ما استخرج من الذهب والفضة، واشترطا -مثل أحمد- أن يبلغ الذهب عشرين مثقالاً، والفضة مائتي درهم، واتفقوا على أنه لا يعتبر له الحول، وتجب زكاته حين وجوده، مثل الزرع- راجع: المغني (2/615)، والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (3/1854)، وفقه السنة 1/281.
ويجب فيه ربع العشر عند الشافعية والمالكية والحنابلة، وفي الركاز الخمس بالاتفاق- الفقه الإسلامي وأدلته 3/1854.
ومصرفه مصرف الزكاة عندهم. وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف الفيء- فقه السنة 1/281
مشروعية الزكاة فيهما:
الأصل في وجوب الزكاة في الركاز والمعدن: ما رواه الجماعة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء جرحها جبار)(أي إذا انفلتت بهيمة فأتلفت شيئاً فهو جبار، أي هدر )والبئر جبار( معناه إذا حفر إنسان بئراً فتردى فيه آخر، فهو هدر )، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس) البخاري (2/545) رقم (1428)، ومسلم 3/1334 رقم 1710
قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف هذا الحديث، إلا الحسن، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة- المغني (2/610
وقال ابن القيم: "وفي قوله: (المعدن جُبار) قولان:
أحدهما: أنه إذا استأجر من يحفر له معدناً فسقط عليه فقتله فهو جبار. ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: (البئر جبار، والعجماء جبار).
والثاني: أنه لا زكاة فيه. ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: (وفي الركاز الخمس) ففرق بين المعدن والركاز، فأوجب الخمس في الركاز؛ لأنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن، لأنه يحتاج إلى كلفة وتعب في استخراجه"- إعلام الموقعين (4/367).
صفة الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة:
الركاز الذي يجب فيه الخمس: هو كل ما كان مالاً، كالذهب والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر، والآنية، وما أشبه ذلك.
وهو مذهب الأحناف، والحنابلة، وإسحاق، وابن المنذر، ورواية عن مالك، وأحد قولي الشافعي. وله قول آخر: أن الخمس لا يجب إلا في الأثمان: الذهب والفضة.
موضعه: لا يخلو من الأقسام الآتية:
1- أن يجده في مَوَات، أو في أرض لا يعلم لها مالك، ولو على وجهها، أو في طريق غير مسلوك، أو قرية خراب، ففيه الخمس، والأربعة الأخماس له- راجع: المغني (2/610)، والشرح الكبير (2/591)
لما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: (ما كان في طريق مأتي( مأتي: أي مسلوك ): أو قرية عامرة، فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فلك( أي إن لم يعرف صاحبها، فهي لمن وجدها إن كان فقيراً، وإلا تصدق بها )، وما لم يكن في طريق مأتي، ولا قرية عامرة: ففيه وفي الركاز الخمس) سنن النسائي (5/44)، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم (2493).
2- أن يجده في ملكه المنتقل إليه، فهو له؛ لأن الركاز مودع في الأرض، فلا يملك بملكها وإنما يملك بالظهور عليه فينزل منزلة المباحات، من الحشيش، والحطب، والصيد الذي يجده في أرض غيره، فيكون أحق به إلا إذا ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه أنه له فالقول قوله؛ لأن يده كانت عليه، لكونها على محله. وإن لم يدعه فهو لواجده، وهذا رأي أبي يوسف والأصح عند الحنابلة.
وقال الشافعي: هو للمالك قبله، إن اعترف به وإلا فهو لمن قبله كذلك، إلى أول مالك.
وإن انتقلت الدار بالميراث حكم أنه ميراث، فإن اتفقت الورثة على أنه لم يكن لمورثهم فهو لأول مالك، فإن لم يعرف أول مالك فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك.
وقال أبو حنيفة ومحمد: هو لأول مالك للأرض أو لورثته إن عرف، وإلا وضع في بيت المال- فقه السنة (1/282)
3 - أن يجده في ملك مسلم، أو ذمي، فهو لصاحب الملك عند أبي حنيفة ومحمد، ورواية عن أحمد.
ونقل عن أحمد أنه لواجده، وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف، لما تقدم من أن الركاز لا يملك بملك الأرض، إلا إن ادعاه المالك، فالقول قوله، لأن يده عليه تبعاً للملك، وإن لم يدعه فهو لواجده.
وقال الشافعي: هو للمالك إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك(فقه السنة (1/282-283)
القدر الواجب في الركاز:
الواجب فيه الخمس؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء جرحها جبار) أي إذا انفلتت بهيمة فأتلفت شيئاً فهو جبار، أي هدر والبئر جبار والبئر جبار: معناه إذا حفر إنسان بئراً فتردى فيه آخر، فهو هدر ,(والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس) البخاري (2/545) رقم (1428)، ومسلم (3/1334) رقم (1710)، وإجماع العلماء على ذلك, انظر: المغني (2/610).
وأما الأربعة الأخماس الباقية فهي لأقدم مالك للأرض إن عرف، وإن كان ميتاً فلورثته إن عرفوا، وإلا وضع في بيت المال، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ومحمد.
وقال أحمد وأبو يوسف: هو لمن وجده، هذا ما لم يدَّعِه مالك الأرض، فإن ادعى أنه ملكه فالقول قوله اتفاقاً.
ويجب الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب فيه عند أبي حنيفة، وأحمد، وأصح الروايتين عن مالك، وعند الشافعي في الجديد: يعتبر النصاب فيه- انظر: المغني (2/610)، وفقه السنة (1/283).
على من يجب الخمس؟
أكثر أهل العلم على أن الخمس واجب على من وجده من مسلم وذمي وكبير وصغير وعاقل ومجنون، إلا أن ولي الصغير والمجنون هو الذي يتولى الإخراج عنهما.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على الذمي في الركاز يجده الخمس، قاله مالك، وأهل المدينة، والثوري، والأوزاعي وأهل العراق، وأصحاب الرأي، وغيرهم.
وقال الشافعي: لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة؛ لأنه زكاة- المغني (2/610)،والشرح الكبير (2/586)
مصرف الخمس:
مصرف الخمس عند الشافعي مصرف الزكاة؛ لما رواه البيهقي عن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه قال: سقطت علي جرَّة من دَير قديم بالكوفة، عند جبانة بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علي رضي الله عنه، فقال: اقسمها خمسة أخماس، فقسمتها، فأخذ علي منها خمساً، وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم، قال: فخذها، فاقسمها بينهم – سنن الدارقطني 4/156،وقال الألباني: سنده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم. أرواء الغليل رقم 851
ويرى أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، أن مصرفه مصرف الفيء؛ لما رواه الشعبي: (أن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ منها الخمس، مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر رضي الله عنه يقسم المائتين، بين من حضر من المسلمين، إلى أن فضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك) - قال الألباني "ضعيف. رواه أبو عبيد (342/874) من طريق مجالد عن الشعبي. قلت: وهذا سند ضعيف. لأن مجالداً فيه ضعف، والشعبي لم يسمع من عمر". أرواء الغليل (3/289) رقم 812
وفي المغني: "ولو كانت زكاة لخص بها أهلها، ولم يرده على واجده، ولأنه يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكافر أشبه خمس الغنيمة" انظر- المغني (2/610
فهذه بعض المسائل التي تتعلق بزكاة الركاز والمعادن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[ltr] [/ltr]