رابعاً: طاعته - عليه الصلاة والسلام -، وامتثال أمره، واجتناب ما نهى عنه: فطاعته - صلى الله عليه وسلم - واجبة بأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} سورة النساءالآية59
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} سورة الأنفال الآية20
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} سورة محمد الاية33
قال ابن سعدي - رحمه الله -: "يأمر - تعالى - المؤمنين بأمر به تتم أمورهم، وتحصل سعادتهم الدينية والدنيوية وهو: طاعته وطاعة رسوله في أصول الدين وفروعه، والطاعة هي امتثال الأمر، واجتناب النهي على الوجه المأمور به بالإخلاص وتمام المتابعة" تفسير السعدي 1/789
وأخبر - سبحانه - بأن طاعته هي طاعة لله - عز وجل - فقال - تبارك وتعالى -: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} سورة النساء الآية 80
وأخبر بجزاء من أطاعه وأطاع رسوله فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة النساء الآية 13
وقال: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} سورة النساء الآية 69
وقال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} سورة الفتح الآية 17
وغير ذلك من الآيات التي تدلل على عظم شأن طاعته - صلى الله عليه وسلم -.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري في صحيحه برقم 6851
فالواجب على المؤمن طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أحلّ وحرّم، والحذر من معصية ومخالفة أمره - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك يُحبط الأعمال، ويوجب النيران قال - تعالى -: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} سورة النساء الآية 14
وقال:{إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}سورة الجن الآية23
وطاعته عليه الصلاة والسلام تعني: التمسك بسنته وما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، والاهتداء بهديه قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة الحشر الآية 7
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري في صحيحه برقم 6858
خامساً: المتابعة له عليه الصلاة والسلام: فإن إتباعه صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والقول والعمل واجبة وهي الدين كله، وهي شرط لمحبة الله للعبد قال الله تعالى :{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة آل عمران الآية 31
ومعنى المتابعة له عليه الصلاة والسلام أن يكون اعتقاد العبد وقوله وعمله تابعاً لاعتقاد وعمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يخالفه في شيء، وكذلك لا يبتدع المسلم بدعة، ولا يعمل ببدعة ابتدعها غيره، بل يعمل على إزالة كل بدعة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) سنن أبي داود في سننه برقم 4607، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2549؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم 4314
وعلى المسلم رد كل قول إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -، وترك كل تشريع لشرعه، والإعراض عن كل ما خالف هديه - عليه الصلاة والسلام - في القول والعمل والاعتقاد، والأخذ بكل ما صح عنه وثبت نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان يقول في خطبه: (فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه برقم 867
والحذر كل الحذر من مُخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي مخالفته خروج من الدين، وارتداد عنه - عياذاً بالله - قال - تعالى -: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} سورة الأعراف 158
فهو أمر من الله - تعالى - باتباع نبيه - عليه الصلاة والسلام - لمن أراد الهداية، ومن خالف أمره فليس له إلا الغواية والندامة؛ واستمع إلى جملة من أقوال السلف - رحمهم الله - في الاتباع:
قال ابن عطاء - رحمه الله -: "من ألزم نفسه آداب السنة؛ نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه" مدارج السالكين 2/486
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه، ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأقواله وأفعاله" انظر مدارج السالكين 2/486, ومفتاح دار السعادة 1/165
وقال البربهاري - رحمه الله -: "واعلم رحمك الله أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب، إنما العلم من اتبع العلم والسنن، وإن كان قليل العلم والكتب، ومن خالفَ الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة، وإن كان كثير العلم والكتب" شرح السنة 104
وقال أبو إسحاق الرقي: "علامة محبة الله: إيثار طاعته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم" مدارج السالكين 2/487
وقال ابن أبي العز رحمه الله :"والعبادات مبناها على السنة والاتباع، لا على الهوى والابتداع" شرح الطحاوية 37
وقال - رحمه الله -: "وكل من عدل عن اتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إن كان عالماً بها فهو مغضوب عليه، وإلا فهو ضالّ" شرح الطحاوية511
وقال ابن الماجشون - رحمه الله -: "سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا ًخان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} سورة المائدة الآية3
فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم دين" الاعتصام للشاطبي 1/28,وغير ذلك من الأقوال.