تشبيك الأصابع في المسجد
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه
والصلوات والسلامات والبركات ععلى سيدنا محمد نبي الله ورسوله وعلى آله وأصحابه
وعلى كل النبياء والمرسلين ورضي الله تبارك وتعالى عن جميع مشايخنا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تشبيك الأصابع في اللّغة: المداخلة، فيقال لكلّ متداخلين أنّهما مشتبكان، قال الرازي: شبك ش ب ك: الشَّبْكُ الخلط والتداخل، ومنه تَشْبِيكُ الأصابع، والشابكة واحدة الشَّبَابِيكِ المُشبكة من الحديد، والشَّبَكةُ التي يُصاد بها وجمعها شِبَاكٌ، واشْتَبَك الظلام اختلط- مختار الصحاح (1/354).
وفي الاصطلاح تشبيك الأصابع: أن يدخل الشّخص أصابع إحدى يديه بين أصابع الأخرى- القاموس الفقهي (1/189)
وتشبيك الأصابع لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: في الصلاة، فيكره التشبيك فيها لما روي عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه -: (أنّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً قد شبّك أصابعه في الصّلاة ففرّج رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بين أصابعه)، وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه: «تلك صلاة المغضوب عليهم».
الحالة الثانية: تشبيكها في المسجد في غير الصلاة، وفي انتظارها أي حيث جلس ينتظرها، أو في المشي إليها فقد قال الحنفيّة- (البحر الرائق شرح كنز الدقائق 4/113) والشّافعيّ – (مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 4/44)- والحنابلة(- كشاف القناع عن متن الإقناع 2/462)
بكراهة التّشبيك حينئذ، لأنّ انتظار الصّلاة هو في حكم الصّلاة لحديث: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصّلاةُ تَحْبِسُه) - أخرجه الإمام مسلم (649)
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ؛ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ)- سنن الترمذي (386)
وما روى أبو سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - أنّ النّبيّ - صلى الله عليه سلم - قال: ((إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبّكنّ فإنّ التّشبيك من الشّيطان، وإنّ أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتّى يخرج منه)- مسند أحمد (10992)
الحالة الثالثة: تشبيكها بعد الصلاة, وفيها أحاديث صحيحة منها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مُعْتَرِضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا قَالَ يَزِيدُ: وَأَرَانَا ابْنُ عَوْنٍ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ الْعُلْيَا فِي السُّفْلَى وَاضِعًا، وَقَامَ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ قَالَ: فَخَرَجَ السَّرَعَانُ مِنْ النَّاسِ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: قُصِرَتْ الصَّلَاةُ، قُصِرَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ يَتَكَلَّمَا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ طَوِيلُ الْيَدَيْنِ يُسَمَّى ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ الصَّلَاةَ ...)- البخاري (460)؛ والدارمي (1496)
فهذا يدل على أن تشبيك الأصابع بعد الصلاة لا بأس به؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبك بين الأصابع ظاناً أن الصلاة قد انتهت، قال الحافظ ابن حجر عن الجمع بين هذه الأحاديث وأحاديث النهي: "وَجَمَعَ الإِسْمَاعِيلِيّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّد بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ قَاصِدًا لَهَا، إِذْ مُنْتَظِر الصَّلاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي، ثم قال الحافظ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفَة كَمَا قَدَّمْنَا"- فتح الباري (1/565)- انتهى.
والخلاصة : أن تشبيك الأصابع مكروه لمن خرج إلى الصلاة حتى يفرغ من الصلاة، وأن الجالس في المسجد لا حرج عليه في تشبيك أصابعه إلا إذا كان ينتظر الصلاة فيكره له تشبيكها، أما التشبيك خارج المسجد وخارج الصلاة فلا بأس به، ومما يدل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبك بين أصابعه كما في الحديث الصحيح لما قال: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام)- صحيح مسلم (2586)
الحكمة من النهي عن تشبيك الأصابع:
وقد اختلف في الحكمة في النّهي عن التّشبيك في المسجد، فقيل: إنّ النّهي عنه لما فيه من العبث، وقيل: لما فيه من التّشبّه بالشّيطان، وقيل: لدلالة الشّيطان على ذلك، وفي حاشية الطّحاويّ على مراقي الفلاح: حكمة النّهي عن التّشبيك أنّه من الشّيطان، وأنّه يجلب النّوم، والنّوم من مظانّ الحدث، ولما نبّه عليه في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه: (تلك صلاة المغضوب عليهم)، فكره ذلك لما هو في حكم الصّلاة حتّى لا يقع في المنهيّ عنه، وكراهته في الصّلاة أشدّ- حاشية الطحاوي على المراقي (ج2/ص343)
والحمد لله رب العالمين.
[ltr]
[/ltr]