بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد رسول الله
وعلى أهله وآله وأزواجه وذريته وأصحابه
وأرض اللهم عن ساداتنا من العلماء والأولياء والصالحين ومشايخنا
واغفر لنا ولوالديتنا - آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زعم البعض أن زيارة مقامات الصالحين مكروهة وممنوعة ويستشهدون فى ذلك بالحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى).
والخدعة الكبرى هنا أنهم يخلطون بين أشياء ليست من نفس الجنس فيقارنون بين المساجد ومقامات الأولياء والصالحين، فلو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أراد ما يقولون لكان ذلك معناه لا تشد الرحال قط إلا إلى هذه المساجد، وهذا بالطبع مخالف لما أراد، حيث قسم العلماء الذهاب في الأرض إلى قسمين: هربا وطلبا:
الأول الهرب ينقسم إلى ستة أقسام:
الأول: الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام
الثانى: الخروج من أرض البدعة؛ قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف. الثالث: الخروج من أرض غلب عليها الحرام. الرابع: الفرار من الأذية في البدن. الخامس: خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة. وقد استثنى من ذلك الخروج من الطاعون. السادس: الفرار خوف الأذية في المال والدم والأهل.
وأما الثانى الطلب فينقسم إلى قسمين: طلب دين وطلب دنيا.
وهو بالتالى يتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام:
الأول: سفر العبرة؛ قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [الروم: 9] وهو كثير.
الثاني: سفر الحج.
الثالث: سفر الجهاد وله أحكامه.
الرابع: سفر المعاش؛ فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة فيخرج في طلبه لا يزيد عليه وهو فرض عليه.
الخامس: سفر التجارة والكسب الزائد على القوت، وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ }البقرة: 198- يعني التجارة.
السادس: في طلب العلم وهو مشهور.
السابع: قصد البقاع؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
الثامن: الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها. التاسع: زيارة الإخوان في الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زار رجل أخا له في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال: أين تريد؟ فقال: أريد أخا لى فى هذه القرية. قال: هل لك من نعمة تربها عليه؟
قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه). رواه مسلم وغيره.
ومن ذلك يتضح لنا أن الرحال تكون لأسباب عديدة ولبقاع عديدة وليست لزيارة هذه المساجد الثلاثة فحسب، وإلا لقعد الناس عن السفر لأى سبب غير زيارة هذه المساجد الثلاثة، وإنما كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) للإشادة بفضل هذه المساجد على غيرها من المساجد
ويقول القرطبى: لهذا قال العلماء: من نذر صلاة في مسجد لا يصل إليه إلا برحلة وراحلة فلا يفعل، ويصلى فى مسجده، إلا فى الثلاثة المساجد المذكورة فإنه من نذر صلاة فيها خرج إليها.
وبالتالى فزيارة المقامات - والتى هى للمقام وصاحبه من أهل البيت والصالحين وليست للمسجد - لا تدخل ضمن هذا الحديث، وعلى العكس؛ فما نراه من البعض ممن يقول: "إذا ذهبت إلى مقام أحد الصالحين فلتصل فى المسجد ركعتين وتخرج"، وكأن الزيارة للمسجد وليست للمقام وصاحبه، فهذا القول يخالف صريح الحديث المذكور بعدم زيارة مساجد غير المساجد الثلاثة.
وأما زيارة المقامات وفضلها ودليلها من الكتاب والسنة، ففى ذلك الكثير والكثير