والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
الذكر منشور الولاية وعمدة الطريق الصوفيإن الذكر هو قوام التصوف الذى هو روح الإسلام ، حيث إن سيد الطائفة الصوفية الامام الجنيد البغدادى قدس الله سره قد عرف التصوف بأنه الكون مع الله تعالى بلا علاقة "، وهذه الكينونة فى المعية الإلهية هى التى تتحقق بالذكر، لقول الحق تعالى فى الحديث القدسى الصحيح : ( أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وان ذكرني فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه) وكذلك فى قوله سبحانه : (أنا جليس من ذكرني) فالذاكر فى معية الرحمن الخاصة وهى معية الرحمة والتوفيق والهداية والولاية . ولقد سئل العارف الواسطى عن حقيقة الذكر فقال : (الخروج من ميدان الغفلة إلى قضاء المشاهدة على غلبة الخوف وشدة الحب له) والذكر له المكانة الرفيعة فى مقامات الإسلام والإيمان والإحسان : أى فى جميع مراتب الدين . ." فهو فى الإسلام فى ذروة العبادات والطاعات لقول النبى (ص) : (ألا أنبئكم بخير أعمالكم لكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم، وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربون أعناقكم قالوا : وماذاك يارسول الله ؟ قال ذكر الله
والذاكر فى مقام الإسلام يذكر الله تعالى فى الأوامر والنواهي والمباحات .
ء والقرأن الكريم قد صرح بأن الذكر أكبر
من غيره من جملة الطاعات ، وذلك فى قوله
تعالى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) وذكر الله تعالى فى الصلاة أشرفه وأعلاه قراءة القرأن الذى هو أعظم الذكر على الإطلاق ثم التسبير والدعاء والمناجاة .
وقد ذكر العلامة البيضاوى فى تفسيره : إن اشتمال الصلاة على ذكرالله تعالى هو العمدة فى كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات . (~)
* وفى مقام الإيمان : نجد أن الذكر داخل فى قوامه ، بإعتبار أنه تجديد للإيمان بالمؤمن به بعد تجديد، لأنه إذا ذكر المذكور تجدد الإيمان به ، فالذكر إيمان على إيمان ، وتجديد له ، وزيادة إيمان على إيمان ، يؤكد ذلك حديث عبدالله بن بشر رضى الله عنه أن رجلا قال لرسول الله :إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، وانى قد كبرت فأخبرنى بشىء أتشبث به فقال :"لايزال لسانك رطبا بذكر الله "
فقد سأله عن الشرائع الإيمانية فدله على أفضلها .
ومن ثم نجد (الذكر) من أبرز شعب الإيمان التسع وسبعين ، حيث ذكره الإمام أبو عبدالله القصرى فى تصنيفه لشعب الإيمان (الشعبة السابعة والخمسون ) وقال : لم .. وأما المقام الثانى من الذكر فى مقام الإيمان : فإنه سر لأن النفس والقلب غيب فى الجسد، والمؤمنات بها كلها غيب ، فيذكر العبد إذا نظر إلى الإيمان الذى جعل فى باطنه ، وكيف حببه إليه وصرف عنه الكفر فيهيج فى السر ذكر الآلاء والنعماء والمفز. وهذا الذكر يثمر جميع أنواع الخيرات فى الباطن ، من الخوف والرجاء والشكر والصبر وحب المولى والإخبات له ،
وغير ذلك من أنواع العبادات الباطنة
وبه أيضا تزول الغفلة عند العبد.
ثم هى مقام الاحسان: نجد أن الذكر هو إفراد المذكور جل جلاله ، وفى أهل هذا المقام ورد الحديث الشريف الذى رواه مسلم عن سيدنا أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال : (كان رسول الله (ص) يسير فى طريق مكة : فمر على جبل يقال له جمدان ، فقال : سيروا هذا جمدان سبق المفردون . قالوا : وما المفردون يارسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا - وفي رواية أخرى: الذين يستهترون بذكر الله فيضع الذكر عنهم أثقالهم ،ويأتون يوم القيامة خفافا
وهذا الذكر يجلو القلب ويصفيها ويذكر «دالعقل ، ويشتمل الذكر فى هذا المقام على ذكر الله تعالى بأفعاله فى العوالم كلها ، وعلى ذكر العبد ذكر الله تعالى له بكل ما ذكره به ، وعلو ذكر وجود البارى تعالى وحده مفردا - وهو ذكر الاستيلاء والغلبة ~ فلا يتسع قلبه لذكر غير الله تعالى، وهو ذكر ولاية الخصوص وثواب الذاكر به : العلم بالله تعالى الذى 2 يصفا واصف ولا محبا فى الأوراق عارف !!!
وهكذا نستوضح مكانة ومدى أهمية الذكر فى السلوك الصوفى بما يؤكده :
- قول الامام القشيرى رضى الله تعالى عنه (والذكر ركن قوى فى طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة فى هذا الطريق ، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر) . *ولقد ذكر العارف القشيرى أنه سمع شيخه أبا على الدقاق رضى الله عنا يقول (الذكر منشور الولاية ، فمن وفق للذكر فقد أعطى المنشور، ومن سلب الذكر فقد عزل ) وأصل المنشور: ما يكب وينشر لمن ولي ولاية علي جهة من الجهات للدلالة على ثبوت الولاية له .
وفى أهمية الذكر للمريدين : يقول صاحب الرسالة القشيرية عليه رضوان الله تعالى (وقيل : ذكر الله بالقلب سيف المريدين » به يقاتلون أعداءهم ، وبه يدفعون الآفات التى تقصدهم ، وان البلاء إذا أظل العبد، فإذا فزع بقلبه إلى الله تعالى يحيد عنه فى الحال كل ما يكرهه ) ويقول الامام العارف الضياء الكمشخانوي قدس الله سره في فضل الذكر ودلائله : (فاعلم أن الذكر هو العمدة فى هذا الطريق ، فلا يصل أحد إلى الله إلا بدوام ذكره وهو مأمور به وثابت بالأدلة الكثيرة : قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) وقال النبى عليه السلام : قال الله تعالى: "يا ابن أدم إذا ذكرتنىي شكرتني واذا نسيتني كفرتني"
وقال عليه السلام : (خير الأعمال ذكر الله تعالى) . وقال : (لكل شىء صقال ، وصقال القلوب ذكر الله ).
وقال : (إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها. قيل يارسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : مجالس الذكر ).إلى أن قال : ومن خصائص الذكر: أن الله تعالي جعل فى مقابلته : الذكر منه فقال : "فاذكروني اذكركم" وهذا من خصائص هذه الأمة ، لم يعطه الله لأمة قبلها، كذا قال رسول الله (ص) عن جبريل عليه السلام عن الله تعالي)
أما أنواع الذكر وحقيقته : فقد قال العارف الضياء الكمشخانوى رضى الله عنه : (والذكر ثلاثة أنواع : ذكر باللسان ، وذكر بالقلب ، وذكر بالروح ، فبالأول يتوصل إلى الثاني، وبالثانىي يتوصل إلى الثالث الذى هو الغاية القصوى.
وقيل هو ثلاثة أنوا ع : ذكر اللسان مع غفله القلب - ويسمى ذكر العادة - هو ذكر العوام . وثمرته العقاب (أى على الغفلة ) لأنه ذنب .
وذكر اللسان مع حضور القلب - ويسمى ذكر العبادة - وهو ذكر الخواص وثمرته الثواب . وذكر بجميع الجوارح والأعضاء - ويسمى ذكر المحبة والمعرفة - وهو ذكر خواص الخواص ، وثمرته لا يمكن التعبير عنها، ولا يعلم قدر ذلك الذكر إلا الله . وقيل : حقيقة الذكر أن تذكر الله تعالى وأنت ناس لكل شىء سواه ). ولهذا قال ذو النون : ( من ذكر الله على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شىء، وحفظ الله تعالى عليه كل شىء).
وأفضل الذكر "لا إله إلا الله" لقوله عليه السلام : "أفضل الذكر: لا إله إلا الله " والذكر الخفى أفضل ، لقوله تعالى: (واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ..) ) وقوله : (ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) وقوله عليه السلام : "خير الذكر الخفي" ). والمعنى فيه : أنه أخلص لله ، وأبعد عن الرياء، وأكثر فائدة ، وأفيد ثمرة بالتجربة »وأعظم وأقوم وأسعد أجرا ، وأتم درجة وذخرا ، وأقرب زلفى وأكمل مقاما، وأزكى طهارة ، وأسرع نجاة ، وأسبغ رضا ، وأجزل معرفة ، وأبلغ وصلا. وعن حماد المكى أنه قال : ذكر القلب يضاعف بسبعين ضعفا على ذكر اللسان . وقال عليه السلام : ( الذكر الذى لا تسمعه الحفظة يزيد على الذكر الذى نسمعه الحفظة سبعين ضعفا"أخرجه البيهقى عن عائشة
المصدر مقال لدكتور/جوده محمد ابواليزيد عميد كلية القرآن الكريم بطنطا