" ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً " ومصير كل مخلوق[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حدثناكم في مقال سابق عن قوله تعالى: "ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً " (الزمر/21) وشيخوخة النبات , وعلمنا أن النبات يصل إلى هذه الحالة من الشيخوخة النباتية بالإقلال من الإمداد الهرموني من هرمونات النمو, والإقلال من تكوين اليخضور (الكلوروفيل) الأخضر والبروتين والأحماض النووية خاصة الحامض النووي (RNA) , وعضيات الميتوكوندريا والريبوزومات ويشحب لون الورقة وتبدأ الأصباغ المخفية خلاف الكلوروفيل الأخضر في الظهور فيظهر الكاروتين الأصفر والزنثوفيل الأحمر ويصفر النبات ويموت ثم تأتي العملية المحتومة "ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً" (الزمر/21).
وتبدأ عملية التحطيم بواسطة الرياح وحيوانات الرعي والقوارض والإنسان، بالقطع والدوس والدرس والاختلاط بالتربة وحرث بقايا النبات فيها.
وفور سقوط النبات على التربة وسقوط الماء عليه وابتلاله وتقطعه واختلاطه بالطين تبدأ الحشرات مثل النمل بتقطيع الأجزاء المفيدة لها في التغذية وزراعة الفطر في التحطيم.
ثم يأتي دور الفطريات المحللة للنبات وبقايا الكائنات الحية الأخرى في التربة، حيث تعتبر الفطريات العامل الأول المسئول عن تحلل المواد العضوية في التربة الحامضية، وتقسم الفطريات في التربة بحسب تقسيم برجي (1958) إلى:
- المتطفلات الإجبارية، (Obligate parasites) : وهي تتطفل على النبات في التربة وتعمل على التعجيل بموته وتحلله وتحطمه وإضافة محتواه العضوي إلى التربة.
- المتطفلات الاختيارية، (Facultative parasites) : وهي تتطفل على النبات الحي في وجوده وتترمم على بقاياه في حال تحطمه وغيابه.
- فطريات التربة الحقيقية،True soil fungi) ) : وهي تقوم بدور مهم في التربة حيث تحلل وتحطم النبات والحيوان وتخلطهما بالتربة وإتمام الدورات الحيوية فيها.
وتقوم البكتيريا المحللة للمركبات النباتية باستغلال ما تحلله الفطريات وتكمل عمليات التحلل والتفكك لتلك النباتات.
وتقوم الفطريات المتخصصة على العيش على لجنين النبات (Lignicolous fungi) بتحليل مادة اللجنين النباتية المعقدة التركيب التي تستعصي على العديد من فطريات وبكتيريا التربة . وتسبب فطريات اللجنين تعفن الجذور والسيقان والثمار بعد هلاكها في الحقول والغابات , وإن غاب هذا الدور ظلت تلك النباتات سنوات طويلة من دون تحلل في التربة.
وتغلب على المخلفات النباتية مادة السليلوز المعقدة التركيب المركبة من وحدات من الجلوكوز مرتبطة مع بعضها بعضا في سلسلة طويلة برابطة جليكوسيدية (1-4) مما يجعلها عصية على العديد من الحيوانات والبكتيريا ولكن الله سبحانه وتعالى أوجد مجموعة كبيرة من الفطريات المحللة للسليلوز (Cellulose decomposing fungi) تعيش على الأوراق النباتية وألياف القطن والتبن والكتان والتيل تقوم بتحليل تلك البقايا النباتية وتحطمها تماما , كما يقوم فطر عيش الغراب بالحياة على جذوع الأشجار وأوراقها وتحللها وتحطمها.
وتقوم الديدان الخيطية بتقليب التربة وخلطها ببقايا النبات , ويقوم البرق والمطر بزيادة المحتوى النيتروجيني للتربة مما يزيد من نشاط الفطريات والبكتيريا ومساعدتها على تحليل وتحطيم النبات في أسرع وقت ممكن. كما يقوم الإنسان بحرث التربة وتسميدها بالسماد العضوي وبقايا النبات وتحلله ويقوم بفرش قش الأرز والذرة والتبن أسفل الحيوانات مما يساعد على تحللها كما بينا بالتفصيل في موضوع "كهشيم المحتظر".
فمن ثبت هذه العناصر المختلفة بالنباتات والبناء الضوئي؟
ومن خلق النبات بمراحل نموه المختلفة بما فيها مرحلة الاصفرار ثم مرحلة التحطم والتحلل؟
ومن زود الفطريات والبكتيريا المحللة للنبات بالانزيمات المحللة المتوافقة مع مكونات النبات من كيتين وبكتين وسليلوز وهيميسليلوز ودهون وبروتين؟
ومن نظم ظهور الفطريات على النبات المحطم ليبدأ عمل فطريات الكيتين لتزيل الطبقة الكيتينية الشمعية المغلفة للأوراق والسيقان والأفرع النباتية لتهيئ البيئة النباتية لفطريات تحلل السليلوز؟
وهل يعقل أن توجد هذه الكائنات والمركبات والعمليات بالمصادفة والعشوائية؟
إنه التقدير الإلهي في الخلق الذي خلق تلك الكائنات والعمليات والمركبات لاستمرار الحياة على الأرض وتحلل النبات وتحطيمه في إتقان وإبداع واتزان بحيث تخلص البيئة بطريقة صحية من بقايا النبات وتعيد مكوناته الكيميائية إلى دورات الحياة في التربة والبيئة لتعمل دورات الكربون و النيتروجين و الفوسفور ودورة المواد العضوية وتستمر الحياة المتزنة على الأرض وفي البيئة الأرضية.
الماء ينزل من السماء ويختلط بنبات الأرض، ينمو ويزدهر خضريا ثم يزهر ويثمر وبعد انتهاء دورته في الحياة تبدأ الشيخوخة والموت ثم التحطم والتحلل كما قال تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ{21} " (الزمر /21)
وقال تعالى: "كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً" (الحديد/20).
وقال تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً{45} " (الكهف /45).
ونلاحظ أن العمليات السابقة تبدأ بوجود الماء وهي لا تتم إلا في وجوده والتحلل والتحطم لا يتمان إلا إذا اختلط النبات بالتربة بما تحويه من كائنات حية دقيقة أو حملت الرياح تلك الكائنات الدقيقة مع حبيبات التربة والتراب فتختلط ببقايا النبات وأعضاء النبات وتهاجمه وتجعله حطاما.
إنه القرآن المعجز يصف العمليات الحيوية والفيزيائية والكيميائية المصاحبة لازدهار النبات وشيخوخته واصفراره وتحطمه في كلمات معجزة لا يقدر عليها إلا الخالق سبحانه وتعالى العليم الخبير اللطيف.
وعلى كل مختص من علماء العلوم الكونية قراءة الآيات القرآنية في مجال تخصصه العلمي الدقيق قراءة إيمانية , وبيان ما فيها من إعجاز وتفسير علميين بشرط البعد عن الافتعال والتعسف أو الخوض فيما لا نفهم ولا نتقن.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى