الهوارى
مراقب عام المنتدى
 |  موضوع: نبي الله إبراهيم ورؤية إحياء الموتى  الجمعة يناير 31, 2014 11:02 pm | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله – بحمده تتم الصالحات وتفيض , وبشكره تكثر النعم وتزيد , وبفضله تتنزل الرحمات على العبيد , الأمر أمره , والملك ملكه , والحكم حكمه , والقضاء قضاؤه, والكل عباده , ولا يخرج شيء عن سلطانه اللهم صلي وسلم وبارك على صاحب السيرة العطرة سيدنا محمد رسول الله , يا سيدي يا رسول الله يا خير من عرف الإله بفضله , يا بهجة الدنيا ونور خطاها, فبحقك تمتمت الحروف وسرها , لم يحصها غير الذي أوحاها, وبحق من ألقى الجبال رواسيّ , والأرض قدر قوتها ودحاها , ومن خلق النجوم وبدرها, في قبة العلياء أنت ضياها , لو أن أرضا من أرض سمائنا فوق السماء السبع كنت أنت سماها , صلى عليك الله يا علم الهدى وسلم ما هبت النسائم وما لاحت على الآيك الحمائم وعلى أهلك وآلك وأزواجك وذريتك وأصحابك الغر الميامين ورضي الله تبارك وتعالى عن ساداتنا من الأولياء والصالحين ومشايخنا الأحياء والمنتقلين اللهم اغفر لنا لوالدينا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستعين بالله تعالى أن يوفقنا للصواب
طلب إبراهيم من الله تعالى رؤية إحياء الموتى عندما أخبر الله تعالى عن نبيه سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)
اختلف الناس في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟
الشك في قدرة الله تعالى كفر ،والأنبياء معصومون من الوقوع في الكبائر والصغائر
ما كان نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام في أي لحظة من اللحظات يشك في قدرة الله تبارك وتعالى
، بل ألهمه الله تبارك وتعالى من صغره الرشد والإيمان واليقين
فلو تدبرنا حياته عليه الصلاة والسلام منذ الصغر نجده عليه الصلاة والسلام يبحث عن الأيمان الصحيح بدون أن يكون فيه أدنى شك
فها هو عليه السلام يخبر عنه ربه
( فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) 77-81)- الأنعام
علم نبي الله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن ربه دائم لا يزول، فلما رأي القمر طالعا قال هذا ربي فلما غاب وتوارى قال عليه السلام لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين أي : أنه متيقن تماما أن هناك إله ورب سيهديه , وأخذ في التفكر ولم يستسلم فرأي الشمس طالعة ومشرقة ومنيرة
قال هذا ربي هذا أكبر جرمًا من النجم ومن القمر وهو أكثر نورا وإضاءة فلما غابت , تبرأ عليه السلام من شرك قومه وأنا بريء من عبادتهن وموالاتهن، لا يصح هذا أو ذاك أن يكون إلها بأي حال من الأحوال, إنما أعبد خالق هذه الأشياء ومخترعها ومسخرها ومقدرها ومدبرها على غير مثال سبق ، الذي بيده ملكوت كل شيء، وخالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه وبهذا يكون عليه السلام ابتعد وتنزه عن الشرك متبرئ منه إلى التوحيد
فنجده عليه السلام يتبرأ من عبادة قومه للأصنام ويصفهم بالجهالة والضلال ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) الأنعام
ووعظ أباه وقومه في عبادة الأصنام، وزجرهم عنها، ونهاهم فلم ينتهوا, قائلا أني أراك وقومك في حيرة وجهل وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل صحيح.
فهذا هو عليه السلام ينكر عبادة الأصنام أشد الإنكار
وقال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } مريم: 41 -48
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر في الكتاب إبراهيم واتلُه على قومك، هؤلاء الذين يعبدون الأصنام، واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته، ويدعون أنهم على ملته، وهو كان صديقًا نبيًّا - مع أبيه- كيف نهاه عن عبادة الأصنام فقال، { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } أي: لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررًا.
{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } : يقول: فإن كنت من صلبك وترى أني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت ولا اطلعت عليه ولا جاءك بعد
{ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } أي: طريقًا مستقيمًا موصلا إلى نيل المطلوب، والنجاة من المرهوب
فنجده يعتزلهم مما يدعون وما يعبدون غير الله ويتبرأ عليه السلام من آلهتهم وعبادتهم التي هي غير الله تبارك وتعالى مؤكدا عليه السلام على عبادته لله تعالى الواحد الأحد وحده لا شريك له
وقال الله في حقه: { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } الأنبياء: 51، 52
وقال تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } النحل: 120 -123
دليل قوى وبرهان من الله تعالى واضح جلي على فطرته عليه السلام السليمة، والسجية المستقيمة
وقال تعالى: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } الأنعام: 161
نأتي بعد هذا إلى طلب إبراهيم من الله تعالى رؤية إحياء الموتى
عندما أخبر الله تعالى عن نبيه سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)
والاختلاف في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟
يقول الحق تبارك وتعالى( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) 75 الأنعام
أي: تبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية الله، عَزَّ وجل، في ملكه وخلقه، وإنه لا إله غيره ولا رب سواه وإنه تعالى جلا لَهُ الأمر؛ سره وعلانيته، فلم يخف عليه شيء
سؤال نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام لربه سبحانه وتعالى أن يريه إحياء الموتى لم يكن شكا
لأن الشك في قدرة الله تعالى كفر ،والأنبياء صلوات الله عليهم معصومون من الوقوع في الكبائر والصغائر, ونبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام أراد أن يرتقي من علم اليقين إلى عين اليقين.
وقلبه عليه السلام كان مطمئنا ،ولكنه أراد أن يزداد اطمئنانا.
والدليل قول الله تبارك وتعالى له(أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ) فكان الرد فورا قائلا(بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )
وقد أراد العلم العيني بعد العلم القلبي بدليل قوله : " ربي الذي يحيي ويميت " قالها للنمروذ عند مجادلته
فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان , فكيف بمرتبة النبوة والخلة , والأنبياء صلوات الله عليهم معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا .
وعندما نتأمل سؤال نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا
ذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول , نحو قولك : كيف علم زيد ؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا , أي : أنك مقر ومعترف بأن زيد علم ولكن تستفسر كيف علم , وأن الثوب نسج وهو تريديه ولكن كيف نسج
ومتى قلت : كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله .
وقد تكون " كيف " خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف , نحو قولك : كيف شئت فكن , ونحو قول البخاري : كيف كان بدء الوحي .
و" كيف " التي في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء , والإحياء متقرر بدون إنكار والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث الذي هو الإحياء بعد الممات والفناء
وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) الحجر : 42
وإذا الله تبارك وتعالى يقرر ويؤكد بأنه لم يكن للشيطان عليهم سلطان فكيف يشككهم
وبذلك يكون نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والأوردة والجلود بعد تمزيقها , فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فيكون قوله : " أرني كيف " طلب مشاهدة الكيفية .
ولنضرب مثلا بسيطا ولله تعالى المثل الأعلى سبحانه وتعالى:
لو انك اشتريت سيارة, وفجأة وجدت نفسك ترغب في معرفة كيفية صناعتها وتركيبها حتى وصلت إلى ما هي عليه , نعم أنت في هذه الحالة متيقن أنها سيارة كاملة لا ينقصها شيء, وهي معك, ولكنك تميل إلى معرفة كيف تم تركيب أجزائها هكذا , فتذهب إلى المصنع الذي قام بتصنيعها وتسأله كيف صنع هذه السيارة وأنت موقنا بأنها سيارة كما قلنا كاملة لا ينقصها شيء
فإذا يخبرك المسئول ويعرفك كيف ركب الشاسيه ثم ركب عليه الماتور ثم ركب الأبواب والكاوتشوك والكراسي وباقي الأجزاء لتخرج في النهاية السيارة التي تقف أمامها
فسؤالك هنا سؤال إقرار يقيني بأن السيارة أمامك ولكنه جاء لرغبتك في زيادة العلم بكيفية جمع مكوناتها وأجزائها على ما رأيتها عليه – ولله تعالى المثل الأعلى سبحانه وتعالى
يقول تبارك وتعالى ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) 38 الأنعام
| |
|
