الحمد لله العلي الكبير، مجيب دعوة المضطرين، وكاشف كرب المكروبين، وموهن مكر الماكرين، سبحانه لا يهدي كيد الخائنين، , الحمد لله الذي لا يحمد سواه , والصلاة والسلام علي سيدنا محمد عبده ورسوله , الرحمة المهداة , وعلي أهل بيته وآله وأزواجه وذريته وأصحابه الطيبين الأطهار , وعلي من والاه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
عالم القراءات الشيخ الإمام/ محمد محمد عرابي العدوي
ولد الشيخ محمد محمد عرابي العدوى عام 1899م ببنى عدي – منفلوط – أسيوط
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة من عمره علي يد والده فضيلة الشيخ/ محمد عرابي العدوى الشهير بسيدنا عرابي
وذلك في كتابه المسمى بأسمه والذي أنشئه لهذا الغرض علي نفقته الخاصة , و بعد أن أتم الشيخ محمد محمد عرابي العدوى حفظ القرآن الكريم بإتقان ويرجع ذلك إلي والده , سافر إلي القاهرة لتلقي بقية العلوم في الأزهر الشريف , بالإضافة إلي حفظه للمتون والحواش , ثم عاد إلي بلدته بني عدي
كان الشيخ محمد محمد عرابي العدوى فقيراً جداً , يتحري الحلال , محباً للعلم و لكتاب الله تعالي , ملازماً لشيوخه الأجلاء ومنهم الشيخ سهل العدل العدوى عالم القراءات الشهير , والشيخ مصطفي العسيلي , وكان مقرباً إليهما , متأسياً بهما , , عمل علي تحفيظ القرآن الكريم , بكتاب والده وكذا بكتاب سيدنا حسن طلب , ولكن لم تطول فترته فيهما , حيث اصطحبه الشيخ علي سيد منصور معه إلي بلدته قرية جحدم وهي تبعد عن بنى عدي بحوالي 8 كم تقريباً عام 1947م , ليكون الشيخ محمد محمد عرابي العدوي إماماً وخطيباً لمسجد الشيخ علي منصور , ومحفظاً الأطفال والشباب من أبناء جحدم القرآن الكريم وباقي العلوم الشرعية , حيث لقي منهم كل تقدير واحترام , وظلوا متمسكين به إلي أن وافته المنية رحمه الله 0
ومما كتبه الشيخ علي سيد منصور في مذكراته عن الشيخ محمد محمد عرابي العدوى:
كان من زملائنا في طلب العلم ببنى عدي الأخ المبارك الشيخ/ محمد محمد عرابي العدوى إمام وخطيب ومحفظ بمسجد الشيخ علي منصور بجحدم , وهو من خيرة القراء , كان يقرأ القرآن الكريم في نهاية درس التفسير الذي يلقيه شيخنا الشيخ مصطفي العسيلي العدوى بمسجد بودي ببنى عدي قراءة متقنة بصوت رخم قريب الشبه من فضيلة الشيخ الشعشاعي
ويروي الشيخ/ عبدالمعطي عبد المزيون وكيل المعهد الأعداي الثانوي , أنني من الذين حفظوا كتاب الله تعالي القرآن الكريم علي يديه ببلدتي جحدم آنذاك , ولقد عرفت الشيخ/ محمد محمد عرابي العدوي عن قرب حيث حفظنى القرآن الكريم في سن صغيرة جداً , وكنت ملازماً له قريباً منه , وذلك لتواضعه الشديد وانكساره , , وما ألفته غاضباً ولا غضب في حياته من أجل الدنيا , كان كثير البكاء , خاصة عقب كل صلاة 0
وقد تجرأت يوماً وأنا صغير وسألته لماذا تبكي يا سيدنا الشيخ ؟
فقال يا بني: ليس لي ما أخذ عنه حسنات من زرع يأكل منه طير , أو إنسان أو حيوان , فيكون صدقة لي 0
وأيضاً كان عقب كل صلاة يضرب الأرض بيديه وهو جالس 0
وقد تجرأت يوماً وسألته كذلك فقال لي يا بني أخشي الموت , وليس لي عمل صالح أتقيه به , أما قرأت يا بني قوله
تعالي : ( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) 17 المزمل
ومازال الحديث لفضيلة الشيخ/ عبدالمعطي وكيل المعهد الأعداي الثانوي:
يقول وكان الشيخ رحمه الله طيلة فترة إقامته ببلدتنا وحتى وفاته رحمه الله لا يتناول طعام الإفطار إلا إذا قرأ أجزاءاً من القرآن لكريم وبعض الأوراد والأدعية 0
أما عن خطبته لصلاة الجمعة فكانت ترغيباً وترهيباً , وكان رحمه الله يقتدي بالنبي صلي الله عليه وسلم , ويسمك بيده سيفاً من الخشب أثناء الخطبة , وكان رحمه الله كثير النقاش مع طلاب العلم , لا يخلو حديثه من الدعابة والطرافة والملاطفة ومازال الحديث لفضيلة الشيخ/ عبدالمعطي , فقال يقول لنا :
ما رأيكم فيمن قال : لا حمد للاهي ولا شكراً له لا هو إلهي ولا أنا عبده 0
فلما طال اندهاشنا وعجزن , قال لنا الشيخ رحمه الله : اللاهي هو الشيطان 0
وسألته أيضاً عن عدم تمتلكه مسكناً ؟
فقال رحمه الله : وهل اتخذ سيدنا نوح عليه السلام مسكناً!
ومازال الحديث متواصلاً الشيخ/ عبدالمعطي:
وسألته عن الفقر يلازم الصالحين فأجبني الشيخ رحمه الله في قصيدة أتذكر منها بعض الأبيات وليست كلها :
عبت علي الدنيا لرفعـة جاهـل وخفض لذي علم فقالت خذ العذرا
بنوا الجهل أبنائي لهـذا رفعتهـم وأهل العلم أبناء ضرتي الأخرى
أاترك أبنائـي يموتـون جوعـا وأرضع أبناء ضرتـي الأخـرى
ووفاته رحمه الله تعالي
بعد حياة حافلة بالعطاء المتواصل والزهد والورع والتقوي , توفي رحمه الله تعالي في صيف عام 1984م
رحم الله شيخنا العالم وأسكنه فسيح جناته وأسبغ عليه رضوانه جزاء ما قدم
آمين , والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه