منتديات إسلامنا نور الهدى
تسلية أهل المصائب - صفحة 2 24dhvkk
منتديات إسلامنا نور الهدى
تسلية أهل المصائب - صفحة 2 24dhvkk
منتديات إسلامنا نور الهدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات إسلامنا نور الهدى

وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ
 
الرئيسيةمنتديات اسلامناأحدث الصورالتسجيلدخول

عن النبي صلى الله عليه وسلم : من قال في أول يومه أو في أول ليلته(بسم الله الذي لم يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يضره شيء في ذلك اليوم أو في تلك الليلة)للأستزادةوالشرح قسم الحديث الشريف بالمنتدى-مع تحيات الهوارى-المراقب العام

اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين،وأصلح لي شأني كله،لا إله إلاأنت.مع تحيات الهواى المراقب العام

لا إله إلا الله العظيم الحليم،لا إله إلا الله ربّ السّموات والأرض،وربّ العرش العظيم.

يا مَن كَفاني كُلَّ شَيءٍ اكفِني ما أَهَمَّني مِن أمرِ الدُّنيا والآخِرَة، وَصَدِّق قَولي وَفِعلي بالتَحقيق، يا شَفيقُ يا رَفيقُ فَرِّج عَنِّي كُلَّ ضيق، وَلا تُحَمِلني ما لا أطيق.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ وَأَعُوذُبِكَ مِنَ التَرَدِّي،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَق وَالحَرْقِ وَالهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَيْطَانُ عِنْدَالمَوْتِ وَأَعُوذُبِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيِلِكَ مُدْبِرَاً.


يا أهل مصر, نصرتمونا نصركم الله،وآويتمونا آواكم الله،وأعنتمونا أعانكم الله،وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا"ستظل هذه الدعوات المباركات حصنًا وملاذًا لكل المصريين فقدحظيت مصر بشرف دعاء السيدة زينب بنت الأمام على رضي الله عنها لأهل مصر عندما قدمت إليها- مع تحيات الهوارى المراقب العام بالمنتدى

عن السيدة أسماءابنةعميس قالت علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب(الله,الله ربي لا أشرك به شيئاً(


اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ وَالعَجْز وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ وَضَلْع الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ وَدَرْكِ الشَقَاءِ،وَسُوءِ القَضَاءِ وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ

منتديات إسلامنا نور الهدى عن عبدالرحمن بن أبى بكرة أنه قال لأبيه:يا أبت أسمعك تدعو كل غداة:اللهم عافني في بدني ,اللهم عافنى في سمعي,اللهم عافني في بصري,لا إله إلا أنت,تعيدها ثلاثاً حين تصبح وحين تمسي فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن فأنا أحب أن أستن بسنته

منتديات إسلامنا نور الهدى:أرسى النبي محمد مبادئ الحجرالصحي للوقاية من الأوبئة ومنع انتشارها حيث قال في حديثه عن الطاعون: "إِذا سمعتم به بأرضٍ؛ فلا تقدموا عليه، وإِذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها؛ فلا تخرجوا فرارًا منه"، كما أنّ هناك نص قرآني صريح في سورة البقرة الآية 195"وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"بالإضافة للحديث النبوي"لا ضرر ولا ضرار"ومن هنا نستنتج أن الوقاية من الوباء واتخاذ الإجراءات الوقائية هي أمر شرعي لا بد منه وقد نصحنا النبي محمد باتخاذ الإجراءات الوقائية لأنفسنا وأيضًا للأدوات التي نستخدمها فحسبما ورد عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صل الله عليه وسلم )غطوا الإناء،وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء،أوسقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء)وعن أم المؤمنين السيدة عائشة،رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب،وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال:كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه".إذًا فمبادئ الوقاية من الأوبئة والأمراض قد أقرها النبي محمد وهي واجب شرعي يجب على كل مسلم القيام به سواء كان اتباع إجراءات الوقاية الشخصية والحفاظ على النظافة وعدم نقل العدوى وأيضًا الالتزام بالحجر الصحي.

تٌعلن إدارة منتديات إسلامنا نور الهدى عن طلب مشرفين ومشرفات لجميع الأقسام بالمنتدى المراسلة من خلال الرسائل الخاصة أو التقدم بطلب بقسم طلبات الإشراف .. مع تحيات .. الإدارة

 

 تسلية أهل المصائب

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 18, 2013 6:13 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

تسلية أهل المصائب

المؤلف: محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين المنبجي (المتوفى: 785هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان

الطبعة: الثانية، 1426 هـ - 2005 م

عدد الأجزاء: 1

الباب الأول ـ في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

قال الله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نعم العدلان ونعمت العلاوة.

{أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} الآية.

ذكره البخاري تعليقاً.

وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} .

قال علقمة وجماعة من المفسرين: هي المصائب تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم والآيات في هذا الباب كثيرة.

قال أهل اللغة: يقال مصيبة ومصابة ومصوبة.

قالوا: وحقيقته الأمر المكروه يحل بالإنسان.

وقال القرطبي: المصيبة كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه.

يقال: أصابه إصابة ومصابة وصابة.

والمصيبة واحدة المصائب.

والمصوبة بضم الصاد مثل المصيبة.

وأجمعت العرب على همز المصائب، وأصله الواو، وكأنهم شبهوا الأصل بالزائد، ويجمع على مصاوب، وهو الأصل، وعلى مصائب.

والمصاب: الإصابة.

قال الشاعر:

أسليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحيةً ظلم

وصاب السهم القرطاس يصيبه صيباً: لغة في أصابه.

الإنسان وإن صغرت، وتستعمل في الشر.

و «روى عكرمة مرسلاً: إن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة، فقال: {إنا لله وإنا إليه راجعون} ، فقيل: أمصيبة هي يا رسول الله؟ قال: نعم! كل ما آذى فهو مصيبة» .

وفي صحيح مسلم «من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفر الله به من سيئاته» .

والوصب: المرض ـ والنصب: التعب.

وفي الصحيحين «عن عروة، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز وجل بها عنه حتى الشوكة يشاكها» .

وقال الإمام أحمد: «ثنا يونس، ثنا ليث ـ يعني ابن سعد ـ، عن يزيد ابن عبد الله، عن عمرو، بن أبي عمرو، عن المطلب، عن أم سلمة، قالت: أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سررت به، قال: لا تصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول: اللهم اؤجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا فعل ذلك به.

قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت في مصيبتي وقلت: اللهم اؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منه ـ وفي لفظ: خيراً منها ـ ثم رجعت إلى نفسي وقلت: من أين خير لي من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي، استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أدبغ إهاباً لي، فغسلت يدي من القرظ وأذنت له، فوضعت له وسادة من أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة، ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال: أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز وجل عنك، وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل ما أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي، قالت: فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فتزوجها رسول الله» ، فقالت أم سلمة بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روي هذا الحديث بعدة طرق في الصحاح والمسانيد، وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى.
يتبع
إن شاء الله تعالى.


عدل سابقا من قبل الهوارى في السبت فبراير 15, 2020 8:01 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:31 pm

الباب الخامس عشر: في استحباب التعزية لأهل المصيبة والدعاء لميتهم
يقال: عزى الرجل عزاء: إذا صبره على ما نابه، والتعزية: التصبر، وعزيته: أمرته بالصبر، والعزاء ـ بالمد ـ اسم أقيم مقام التعزية، ذكره النووي.
وقال الأزهري: أصل التعزية: التصبر لمن أصيب بمن يعزى عليه.
وقال غيره: التعزية التسلية، وهو أن يقال له: تعزى بعزاء الله، وعزاء الله قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} .
ومعنى قوله: تعزى بعزاء الله، أي: تصبر بالتعزية التي عزاك الله تعالى بها، كما في كتابه.
أو يقال: لك أسوة في فلان، فقد مضى حميمه وأليفه، فحسن صبره.
وأصل العزاء: الصبر، والله أعلم.
«عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة» .
رواه ابن ماجة، وصححه الشيخ، وقال: رواته كلهم ثقات.
«وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من عزى مصاباً فله مثل أجره» .
ورواه ابن ماجة، والترمذي، وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث علي بن عاصم، وذكر أنه روي موقوفاً، وعلي بن عاصم ضعف.
«وعن أبي برزة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة» .
قال الترمذي: إسناد هذا الحديث ليس بالقوي.

والمقصود من التعزية: تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم بقضائها، قبيل الدفن وبعده، لشغلهم بمصابهم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:32 pm

فصل ـ في استحباب تعزية أهل الميت ووقتها
ويستحب تعزية أهل الميت، وهي مسألة متفق عليها، ولم أعلم أن أحداً خالف فيها إلا سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن، لأنها خاتمة أمره، والمعروف المستقر عند أهل العلم استحباب التعزية، قبل الدفن وبعده، لما تقدم من الأحاديث قريباً، مثل «عموم قوله عليه السلام: من عزى مصاباً فله مثل أجره، من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة» .
فكل هذه عمومات تدل على الاستحباب مطلقاً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:32 pm

فصل: فيمن يكره تعزيتهم من أهل الميت وخاصة من النساء
ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم وصغارهم، ويخص خيارهم والمنظور إليه من بينهم، ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة، لحاجته إليها، ولا يعزي الرجل الأجنبي شواب النساء، مخافة الفتنة، ويجوز للمرأة البرزة ونحوها.
وثبت أن أم المؤمنين السيدة/ عائشة ـ رضي الله عنها ـ نهت على الضحك في المصيبة، لأن فيه إشماتاً بالمسلم، وكسراً لقلبه.
ولهذا رأى الإمام أحمد رجلاً يضحك في جنازة، فهجره وقال: أي موعظة اتعظ هذا؟ ! أو نحوه..

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:33 pm

فصل: فيما يفعله بعض الناس من الجلوس عند القبر يوم الدفن وبعده
وما يفعله غالب أهل زماننا من الجلوس عند القبر يوم الدفن للتعزية وكذلك في اليوم الثاني والثالث.
قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية.
وقال: ابن عقيل: يكره الإجتماع بعد خروج الروح، لأن فيها تهييجاً للحزن.
وقال الإمام أحمد: ـ رحمه الله ـ: يكره التعزية عند القبر، إلا لمن لم يعز، فيعزي إذا دفن الميت، أو قبل أن يدفن.
وقال أحمد: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية، وإن شئت لم تأخذ.
وإذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة، عزاه، ولم يترك حقاً لباطل، وإن نهاه فحسن.
قلت: إن كان الإجتماع، فيه موعظة للمعزى بالصبر والرضى، وحصل له من الهيئة الإجتماعية
تسلية، بتذاكرهم آيات الصبر وأحاديث الصبر والرضى، فلا بأس بالاجتماع على هذه الصفة، فإن التعزية سنة، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن على غير الصفة التي تفعل في زماننا، من الجلوس على الهيئة المعروفة اليوم، لقراءة القرآن، تارةً عند القبر في الغالب، وتارةً في بيت الميت، وتارة في المجامع الكبار، فهذا بدعة محدثة، كرهه السلف كما تقدم، لكن فيه تسلية لهم، وإشغال لهم عن الحزن، والله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:33 pm

فصل: فيما يجوز أن يلبسه المصاب وزيه
وأما قول أصحابنا، وغيرهم من الفقهاء، ففي غالب كتبهم يذكرون أنه لا بأس أن يجعل المصاب على رأسه ثوباً يعرف به، وبعض أصحابنا المقادسة يرخي عذبة من غير عادة.
قالوا: لأن التعزية سنة، وفي ذلك تيسير لمعرفته حال التعزية.
وأنكر هذا الفعل شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: لا ريب أن السلف لم يكونوا يفعلون شيء من ذلك، ولا نقل في هذا عن أحد من الصحابة والتابعين.
وثم آثار صريحة، تأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى، تقوي هذا القول.
وقد كره إسحاق بي راهوية أن يترك لبس ما عادته لبسه، والله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:33 pm

فصل: في أن التعزية قبل الدفن أو بعده
وقد ذكر الشيخ، موفق الدين وغيره من أصحابنا في غالب الكتب: أن التعزية تجوز قبل الدفن وبعده، وأنه يقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، ورحم ميتك، وفي تعزيته بكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك.
وتوقف أحمد ـ رحمه الله ـ عن تعزية أهل الذمة، وهي تخرج على عيادتهم في أمراضهم، وفيها روايتان:
إحداهما ـ يعودهم، لأنه «روي أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه، وهو عند رأسه، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار» .
رواه البخاري، ولكن
الحكمة في العيادة منتفية في التعزية وهو رجاء إسلامه، والله تعالى أعلم.
والرواية الثانية ـ لا يجوز «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدؤوهم بالسلام» .
قال بجواز تعزيتهم عن مسلم، يقال له: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك، وعن كافر: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك، ويقصد زيارة عددهم لتكثر جزيتهم.
وقال أبو عبد الله بن بطة: لا بأس أن يقول في تعزية الكافر: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطي أحد من أهل ملتك.
وقد روى أبو عبد الله المرزباني بإسناده، عن الحسن نحواً مما قال ابن بطة، ولكن لفظه: أجزاك الله على مصيبتك بأعظم مما جازى به أحد من أهل ملتك.
وروى أبو موسى المديني بإسناده، «عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعوتهم لأحد من اليهود أو النصارى، فقولوا: أكثر الله مالك وولدك» .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:33 pm


فصل: في الألفاظ التي وردت في التعزية عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يرد في التعزية شيء محدود، إلا أنه يروى «أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً فقال: رحمك الله وآجرك» رواه الإمام أحمد، وعزى أحمد أبا طالب، فتوقف على باب المسجد، فقال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك.
«وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت التعزية سمعوا قائلاً يقول: إن في الله عزاءمن كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً، من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجعوا، فإن المصاب من حرم الثواب» .
ورواه الشافعي في مسنده.
وروى الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد، «من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله فاجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة،وعوضاً من كل فائت، وخلفاً من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلاء فانظروا، فإنما المصاب من لم يجبر وانصرف.
فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟ قال: أبو بكر وعلي: نعم، هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام» .
وروى الحاكم، «من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءتهم الملائكة، يسمعون الحس، ولا يرون الشخص، قالت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل فائت، فبالله فثقوا.
وإياه فارجوا، فإن المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ، وحسنه الحاكم.
وسيأتي كلام السلف ـ رحمهم الله، في التعازي، بألفاظ مختلفة، فتارة مطولة، وتارة وجيزة بليغة، كما سأذكره قريباً إن شاء الله.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:34 pm

فصل: فيما يقال عند العلم بوفاة أحد المؤمنين
ومن بلغه وفاة أحد من المؤمنين، فليحسن الاسترجاع والتثبت، فقد روى الطبراني بإسناده «عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن للموت فزعاً، فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه، فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم اكتبه في المحسنين، واجعل كتابه في عليين، واخلف عقبه في الآخرين، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده» .
«وفي حديث أبي سلمة: لما مات شق بصره فأغمضه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فصاح ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون.
ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه» رواه مسلم.
وروي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لما بلغه وفاة أبي بكر ـ رضي الله
عنه ـ قال: رضينا من الله قضاه، وسلمنا له أمره، إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال سعيد بن منصور في سننه: «حدثنا يوسف بن عطية الصفار، قال جلست إلى عطاء بن ميمونة وهو يعزي رجلاً، فقال: حدثنا أنس بن مالك، أن رجلاً كان يجيء بصبي له معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الغلام مات، فاحتبس أبوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مات صبيه الذي رأيت معه، فقال: أفلا أذنتموني؟ ! فقوموا إلى أخينا نعزيه، فلما دخل عليه، إذا الرجل حزين، وبه كآبة، فعزاه، فقال: يا رسول الله، كنت أرجوه لكبر سني وضعفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما يسرك أن يكون يوم القيامة بإزائك؟ ، يقال له: ادخل الجنة، فيقول رب، وأبواي؟ ولا يزال يشفع، حتى يشفعه الله عز وجل فيكم، ويدخلكم جميعاً الجنة؟ !» .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:34 pm

فصل ـ فيما نقل إلينا من ألفاظ التعزية عن السلف والخلف
فقد روى الطبراني في كتاب الدعاءبإسناده، «عن محمود بن لبيد، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ـ أنه مات ابن له، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه بابنه، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى معاذ بن جبل، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لاإله إلا هو، أمابعد، فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله الهنية، وعواريه المستودعة، متعك الله به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجر كثير، الصلاة والرحمة والهدى، إن احتسبته بالصبر، ولا يحبط جزعك أجرك، فتندم على مافاتك من ثواب مصيبتك، فإنك لو اطلعت على ثواب مصيبتك، لعرفت أن المصيبة قد قصرت عن الثواب ـ وهذه الزيادة في بعض طرقه ـ ثم قال: وما هو نازل بك فكأن قد، والسلام» .
ورواه الحاكم في المستدرك وقال: غريب حسن.
ورواه الحافظ أبو بكر بن مردوية في كتاب الأدعية «وعنده: فليذهب أسفك ما هو نازل بك» .
و«لفظ الحاكم: فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله الهنية، وعواريه المستودعة، نتمتع به إلى أجل معدود، ويقبضها لوقت معلوم، ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى، والصبر إذا ابتلى،..» وباقي الحديث كما ساقه الطبراني، والله أعلم.
ورأيت في جزء لا أعرف مؤلفه وليس له أول: قال زيد بن أسلم: مات ابن لداود عليه السلام، فجزع عليه، فعزوه فيه، فقيل له: ما كان يعدل عندك؟ قال: كان أحب إلي من ملء الأرض ذهباً، فقيل له: فإن لك من الأجر على قدر ذلك.
وفي اسرائيليات: أن سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ مات له ولد، فجزع عليه حتى عرف ذلك في مصابه، فتحاكم إليه ملكان في صورة رجلين فقال أحدهما: إن هذا بذر بذراً في طريق الناس، فمررت فأفسدته، فقال سليمان للآخر: لم بذرت في الطريق؟ أما علمت أنه لا بد من ممر؟ فقال: ولم تحزن أنت على ابنك وهذا طريق الناس إلى الآخرة؟ !
«وعن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه، أن ابناً لي قد قبض فأتنا، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب» .
رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
«وقال وهب بن منبه: قرأت في بعض كتب الله تعالى يقول: لولا أني جعلت الميت ينتن على أهله، ما دفن ميت، ولولا أني جعلت الطعام يفسد، لاحتجبه الملوك، ولولا أني آتي بالعزاء بعد المصيبة، ما عمرت الدنيا» .
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: ما من جزعتين أحب إلى الله، من جزعة مصيبة موجعة محرقة، ردها صاحبها بحسن عزاء وصبر، وجزعة غيظ، ردها صاحبها بحلم.
وقد روي عن شمر، أنه كان إذا عزى مصاباً قال: اصبر لما حكم ربك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عبد الله بن محمد بن إسماعيل التيمي، أن رجلاً عزى رجلاً على ابنه، فقال: إنما يستوجب على الله وعده من صبر لله بحقه، فلا تجمع إلى ما أصبت به من المصيبة الفجيعة بالأجر، فإنها أعظم مصيبتين عليك، والسلام.

وعزى ابن السماك رجلاً فقال: عليك بالصبر، فيه يعمل من احتسب، وإليه يصير من جزع.
وقال عمروبن دينار: قال عبيد بن عمير: ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع: القول السيئ والظن السيئ.
وقال خالد بن أبي عثمان القرشي: كان سعيد بن جبير يعزيني على أبي، فرآني أطوف بالبيت متقنعاً، فكشف القناع عن رأسي، وقال: الاستتارمن الجزع.
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي ـ رحمه الله ـ: أن عبد الرحمن بن مهدي، مات له ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً، فبعث إليه الشافعي يقول له: يا أخي، عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من غيرك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر؟ فتناول حظك ـ يا أخي ـ إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد تناءى عنك، ألهمك الله عند المصائب صبراً، وأحرز لنا بالصبر أجراً، ثم أنشده:
إني معزيك لا أني على ثقة من الخلود، ولكن سنة الدين
فلا المعزى بباق بعد ميته ... ولا المعزي، ولو عاشا إلى حين
ومات ابن للشافعي ـ رحمه الله ـ فجاؤوا يعزونه، فأنشد:
وما الدهر إلا هكذا، فاصطبر له ... رزية مال، أو فراق حبيب
دخل بعض الأعراب على بعض ملوك بني العباس، وقد توفي له ولد اسمه العباس، فعزاه فيه فقال:
اصبر نكن بك صابرين، فإنما صبر الرعية عند صبر الراس
وخير من العباس أجرك بعده ... والله خير منك للعباس
وذكر أبو علي الحسن بن أحمد بن البنا بإسباده، أن شخصاً من الحكماء أنشده:
إذا دام ذا الدهر، لم يحزن على أحد ...ممن يموت، ولم يفرح بمولود

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن مسلمة القاسمي ـ وكان قد قارب المائة ـ قال: وعظ عابد جباراً، فأمر به، فقطعت يداه ورجلاه، وحمل إلى متعبده، فجاءه إخوانه يعزونه، فقال: لا تعزوني، ولكن هنئوني بما ساق الله إلي، ثم قال: إلهي، أصبحت في منزلة الرغائب، أنظر إلى العجائب، إلهي، أنت تتودد بنعمتك إلي من يؤذيك، فكيف لا تتودد إلى من يؤذى فيك؟!
وذكر عن سليمان بن حبيب، قال: لما مات عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، دخل عليه هشام فعزاه عنه، فقال عمر: وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله عز وجل، فإن ذلك لا يصلح لي في بلائه عندي، وإحسانه إلي.
وفي رواية أخرى، قال: لما مات ابنه عبد الملك، وأخوه سهل، ومزاحم مولى عمر بن عبد العزيز، في أيام متتابعة، دخل عليه الربيع بن سبرة، فقال: أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين، فما رأيت أحداً أصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة، والله ما رأيت مثل ابنك ابناً، ولا مثل أخيك أخاً، ولا مثل مولاك مولى قط، فطأطأ رأسه، فقال لي رجل معه على الوساد: لقد هيجت عليه، قال: ثم رفع رأسه فقال: كيف قلت؟ ! فأعدت عليه ما قلت، فقال: لا، والذي قضى عليهم بالموت، ما أحب أن شيئاً من ذلك لم يكن.
وعن بشر بن عبد الله، قال: قام عمر بن عبد العزيز على قبر ابنه عبد الملك، فقال: رحمك الله يا بني، فقد كنت ساراً مولوداً، وباراً ناشئاً، وما أحب أني دعوتك فأجبتني!
ولما توفيت الياقوتة بنت المهدي، جزع عليها جزعاً لم يسمع بمثله، فجلس للناس يعزونه، وأمر أن لا يحجب عنه أحد، فأكثر الناس في التعازي، واجتهدوا في البلاغة، فأجمعوا أنهم لم يسمعوا تعزية أوجز ولا أبلغ من تعزية شبيب بن شبة، فإنه قال: أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجراً، وأعقبك خيراً ولا أجهد بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها، ورحمة الله خير لها منك، وأحق ما صبر عليه ما لا سبيل إلى رده.
وفي رواية قال: يا أمير المؤمنين، الله خير لك منها، وأنا أسأل الله أن لا يحزنك ولا يفتنك.
وقد روى مالك في الموطأ، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، قال: هلكت امرأة لي، فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني بها، فقال: إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد، وكانت له امرأة، وكان بها معجباً، وكان لها محباً، فماتت، فوجد عليها وجداً شديداً، وتأسف عليها تأسفاً شديداً، حتى خلا في بيت، وأغلق على نفسه واحتجب، وإن امرأة سمعت به، فجاءته، فقالت: إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها، ليس يجزيني إلا مشافهته، فذهب الناس ولزمت بابه.
وقالت: ما لي منه بد، فقال له قائل: إن ها هنا امراة أرادت أن تستفتيك.
قال: ائذنوا لها، فدخلت، فقالت: إني استعرت من جارة لي حلياً، وكنت ألبسه وأعيره، فلبث عندي زماناً، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه، أفأرده إليهم؟ قال: نعم، والإله، قالت: إنه مكث عندي زماناً؟ ! قال: فذاك أحق لردك إياه إليهم، قالت: أفتتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك، وهو أحق به منك؟ فأبصر ما هو فيه، ونفعه الله تعالى بقولها.
وعزى عمرو بن عبيد يونس بن عبيد، على ولد له مات، فقال: إن أباك كان أصلك، وإن ابنك كان فرعك، وإن امرءاً ذهب أصله وفرعه لحري أن يقل بقاؤه.
وعزى صالح المري رجلاً قد مات ولده، فقال: إن كانت مصيبتك أحدثت لك عظة في نفسك، فنعم المصيبة مصيبتك، وإن كانت لم تحدث لك عظة في نفسك، فمصيبتك بنفسك أعظم من مصيبتك بابنك.
وعزى رجل رجلاً، فقال: يا أخي، العاقل يصنع في أول يوم ما يفعله الجاهل بعد عام.
وعزى رجل رجلاً فقال: عليك بتقوى الله، والصبر فيه، فإنه يأخذ المحتسب وإليه يرجع الجازع.
وعزى رجل رجلاً فقال: إن من كان لك في الآخرة أجراً، خير ممن كان لك في الدنيا سروراً.
وعن ابن جريج، قال: من لم يتعز عند مصيبته بالأجر والاحتساب، سلا كما تسلو البهائم.
قال بعض السلف، وقد عزى مصاباً: إن صبرت فهي مصيبة واحدة، وإن لم تصبر فهما مصيبتان.
وذكر ابن أبي الدنيا بإسناده، عن ميمون بن مهران، قال عزى رجل عمر بن عبد العزيز ـ رحمة الله عليه ـ على ابنه عبد الملك، فقال عمر: الأمر الذي نزل بعبد الملك أمر كنا نعرفه، فلما وقع لم ننكره.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، قال: مات ابن رجل، فحضره عمر بن عبد العزيز، فكان رجل حسن العزاء، فقال رجل من القوم: هذا والله الرضا، فقال عمر بن عبد العزيز: أو الصبر، قال سليمان: الصبر دون الرضا، الرضا: أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضياً بأي ذلك كان، والصبر: أن يكون بعد نزول المصيبة فيصبر.
وذكر الحافظ بن عساكر: قال إبراهيم بن خالد: كتب محمدبن إدريس الشافعي إلى رجل من إخوانه من قريش، يعزيه بابن أصيب به: اعلم يا أخي، أن كل مصيبة لا يجبر صاحبها ثوابها فهي المصيبة العظمى، فكيف رضيت يا أخي بابنك فتنة، ولم ترض به نعمة؟ وكيف رضيت به مفارقاً، ولم ترضى به خالداً؟ وكيف رضيته على التعريض من الفساد، ولم ترضى به على اليقين من الصلاح؟ بل كيف لك بمقت منعم ولم تعرف له نعمة؟ يريك ماتحب، ويرى منك ما يكره؟ ارجع إلى الله عز وجل، وتعز برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمسك بدينك، والسلام.
وذكر أيضاً بإسناده قال: كتب رجل إلى أخ له يعزيه بابنه: أما بعد، فإن الله تعالى وهب لك موهبة، جعل عليك رزقه ومؤنته، وأن تخشى فتنته، فاشتد لذلك فرحك، فلما قبض موهبته وكفاك مؤنته، اشتد لذلك حزنك، أقسم بالله إن كنت تقياً لهنئت على ما عزيت عليه، ولعزيت على ما هنئت عليه، فإذا أتاك كتابي هذا فاصبر نفسك عن الأمر الذي لا صبر لك على عقباه، واصبر نفسك عن الأمر الذي لا غنى بك عن ثوابه، واعلم أن كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها، فذلك الحزن الدائم، والسلام.
عن عبد الله بن صالح العجلي، قال: كتب ابن السماك إلى رجل يعزيه عن مولود له مات: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك حين قبضه الله عز وجل منك، أكثر منه حين وهبه لك، فافعل، فقد أحرز لك هبته حيث قبضه، ولو بقي لم تسلم من فتنته، أرأيت حزنك على فراقه، وتلهفك على ذهابه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك، أما هو فقد خلص من الكدر وبقيت أنت معلقاً بالخطر، والمصيبة إن جزعت، فهي واحدة إن صبرت، ومصيبتان إن لم تصبر، فلا تجمع الأمرين على نفسك، والسلام.
وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه: أما بعد، فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنه، ولا تضيع ما عوضك الله من صلاته ورحمته.
وقال موسى بن المهدي لإبراهيم بن مسلم، وعزاه بابنه: أسرك وهو بلية وفتنة؟ وأحزنك وهو صلوات ورحمة؟ !
وقد روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه دفن ابناً له فضحك عند قبره، فقيل له: أتضحك عند قبر؟ ! قال: أردت أن أرغم الشيطان.
ومات للحافظ بن عساكر ولد لم يحتلم ـ وكان ولداً حسناً ـ قال الحافظ: فحمدت الله، ولم أظهر لموته جزعاً ولا قلقاً، ولم أحالف لذهابه هلعاً ولا أرقاً، ولم أترك لحزنه مجلس التحديث، ولم أمتنع لأجله من الانبساط والحديث، وما كان ذلك إلا بتوفيق الله وإعانته، وحسن عصمته من الجزع وصيانته، فله الحمد إذ لم يحبط أجري فيه بجزعي، ولم يذهب صبري عنه بهلعي، لأن المحروم من حرم عظيم الثواب، والملوم من جزع لأليم المصاب.
وأعجب من تصبري: لما عزاني بعض إخواني، حضني على الصبر، وقال لي: مررت بك يوم ثانية، وأنت تحدث الجماعة، فتعجبت من انشراح صدرك للتحديث تلك الساعة، فقلت له: إن الجزع لا يرد فائتاً ولا ذاهباً، والحزن لا يرجع هالكاً ولا عاطباً، والبكاء لا يجدي صرفاً لمسلم ولا نفعاً، والقلق لا يفيد دركاً لخطب ولا دفعاً، والاحتيال لايوجب لهالك ضراً ولا نفعاً وإذا كان الأمر بهذه الصفة، والحال هكذا عند أهل المعرفة، فالصبر أحرى بذوي الحجى، وأليق بأولي الدين والنهى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:35 pm

الباب السادس عشر: في وجوب الصبر على المصيبة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} والآيات التي فيها الأمر بالصبر كثيرة جداً معروفة.
قال الإمام أحمد: ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في القرآن في تسعين موضعاً.
اعلم أن حقيقة الصبر، عند أرباب التصوف: خلق فاضل من أخلاق النفس، يمنع به من فعل مالا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها.
قال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله، ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل، وهو متجلد، لا يرى منه إلا الصبر.
وقد تقدم «حديث أبي زيد، أسامة بن زيد بن حارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرسال بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني قد احتضر فاشهد، فأرسل يقرأ السلام، ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر وتحتسب» الحديث.
أمرها بالصبر.
«وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ـ ولم

تعرفه ـ فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى» .
رواه البخاري ومسلم.
و «في رواية: تبكي على صبي لها.
فقال: إنما الصبر عند أول صدمة» ، وهذا يشبه «قوله عليه الصلاة والسلام: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» فإن مفاجئة المصيبة بغته، لها روعة تزعزع القلب، وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها، وضعفت قوتها، فهان عليه استدامه الصبر، كذلك الغضب.
«وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» .
رواه البخاري.
«وعن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها: أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد، يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابراً محتسباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد» رواه البخاري، ورواه الإمام أحمد من حديث عائشة أيضاً بلفظه.
قال شيخ الإسلام ابن تميمة: الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين، وإنما اختلفوا في وجوب الرضا.
انتهى كلامه.
فالصبر واجب من حيث الجملة، ولكنه يتأكد بحسب الأوقات فهو في زمن الطاعون آكد منه في غيره، فإنه إذا صبر على الإقامة في البلد الذي وقع فيه الطاعون، وصبر عند موت أولاده أو أقاربه أو أصحابه، وصبر أيضاً عند مصيبته بنفسه، وعلم يقيناً أن الآجال لا تقديم فيها ولا تأخير، وأن الله تعالى كتب الآجال في بطون الأمهات، كما ثبت في الصحاح: كتب رزقه وأجله، وشقي هو أم

سعيد، فلا زيادة ولا نقص إلا في صلة الأرحام، ففيها خلاف معروف بين أهل العلم، فإذا صبر واحتسب لم يكن له ثواب دون الجنة، وإذا جزع ولم يصبرأثم وأتعب نفسه ولم يرد من قضاء الله شيئاً.
ولقد ضمن الوافي الصادق الناطق في محكم كتابه حيث قال عن الصابرين: أنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
وأخبر أنه معهم بهدايته ونصرة العزيز وفتحه المبين، فقال تعالى: {إن الله مع الصابرين} فذهب الصابرون بهذه المعية التي هي خير الدنيا والآخرة، وشارك بعض الأنبياء في قوله: {إنني معكما أسمع وأرى} وأخبر تعالى أن الصبر خير لأهله خبراً مؤكداً.
فقال تعالى: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} وأخبر أن الصبر مع التقوى لا يضر معه كيد الأعداء أبداً.
فقال: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط{ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:35 pm

الباب السابع: فيما ورد بالصبر على المصيبة

قال الله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .

وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} .
وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} .
وهذا باب متسع جداً في الآيات والأحاديث، وإنما نذكر منه، ما يوقظ الساهي، وينبه الغافل.
وقد تقدم حديث أم سلمة من غير وجه، من رواية الإمام أحمد، ومسلم وغيرهما.
«وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك» الحديث.
رواه مسلم.
ورواه أبو داود، من طريق أخرى، بلفظ غريب: «أن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أصابت أحدكم مصيبة، فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك احتسبت مصيبتي، فأجرني بها، وأبدلني خيراً منها، فلما احتضر أبو سلمة قال: اللهم أخلفني في أهلي خيراً مني، فلما قبض، قالت أم سلمة: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله احتسبت مصيبتي فأجرني فيها» .
فانظر رحمك الله إلى ما آلت إليه، حين احتسبت وصبرت، ورضيت وركنت، واتبعت السنة، وقد تقدم نحو ذلك.
«وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفذ ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر» .رواه البخاري ومسلم.
«وعن صهيب بن سنان ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيراً له» رواه مسلم.
«وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل، قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر، عوضته منهما الجنة» ـ يريد عينيه ـ رواه البخاري.
«وعن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك.
فقالت أصبر، ثم قالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها» .رواه البخاري ومسلم.
«وعن أبي سعيد وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» .رواه البخاري ومسلم.
الهم: على المستقبل، والحزن: على الماضي، والنصب: التعب، والوصب: المرض.
«وروي في حديث أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يصيب العبد نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر قال: وقرأ {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} » .
وروي «من حديث عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» .
«وعن أبي هريرة رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه» رواه البخاري.
قوله يصب بفتح الصاد وكسرها.
وفي الصحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم مالاً، فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» .
وقال عبد الرزاق: حدثنا الثوري، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير، أنه قال: في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} .
قال: لم يعط أحد غير هذه الأمة الصبر، ألا تسمعون إلى قول يعقوب عليه السلام: {يا أسفى على يوسف} .
وروى سعيد بن منصور في سننه: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر، فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق فأناخ، ثم صلى ركعتين، فأطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} .
وقال هشيم: حدثنا خالد بن صفوان، قال: حدثني زيد بن علي، أن ابن عباس كان في مسير له، فنعي إليه ابن له، فنزل فصلى ركعتين، ثم استرجع، وقال: فعلنا كما أمرنا الله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} .
وقال أبو الفرج بن الجوزي: روي عن أم كلثوم ـ وكانت من المهاجرات أنه لما غشي على زوجها عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ خرجت إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة.
وحكى سعيد بن منصور، عن الحجاج، عن ابن جريج {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: إنهما معونتان على رحمة الله.
«وعن ـ ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، مامن مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقه، إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها» .
رواه البخاري ومسلم.
والوعك: مغث الحمى، وقيل: الحمى.
«وعن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له، في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» .رواه البخاري.
«وفي الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمنرضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» قال الترمذي: حديث حسن.
«وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان ابن لأبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ يشتكي،
فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم ـ وهي أم الصبي ـ: هو أسكن ما كان، فقدمت له العشاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ منها قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم! قال: اللهم بارك لهما، فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه تمرات، فقال: أمعه شيء؟ قال: نعم، تمرات، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم، فمضغها ثم أخذها من فيه، فجعلها في في الصبي، وحنكه، وسماه عبد الله» .
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية البخاري: قال ابن عيينة: فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن ـ يعني من أولاد عبد الله ـ.
«وفي رواية لمسلم: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا فقالت احتسب ابنك، فغضب ثم قال: تركتيني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتيني؟ ! فانطلق، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله في ليلتكما قال: فحملت..
» وذكر تمام الحديث وقد تقدم.
«وعن أبي هريرة رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله تعالى، وما عليه خطيئة» .
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
«وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنصب الموازين يوم القيامة، فيؤتى بأهل الصلاة، فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصيام، فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الصدقة، فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الحج، فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صباً بغير حساب، ثم قرأ
{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} .
حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا، أن أجسادهم تقرض بالمقاريض، مما يذهب به أهل البلاء من الفضل» .
رواه ابن منجويه في تفسيره.
وروى مالك بن أنس، في الموطأ، «من حديث عطاء بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا مرض العبد، بعث الله إليه ملكين، فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ فإن هو، إذا جاؤوه، حمد الله، وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله ـ والله أعلم ـ فيقول: لعبدي علي إن توفيته، أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته، أن أبدله لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته» .



عدل سابقا من قبل الهوارى في الثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:37 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:36 pm

فصل ـ في كلام السلف في الصبر
قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة، حتى يردها بحسن عزائها، كتب له ثلثمائة درجة، ومن صبر على الطاعة، كتب له ستمائة درجة، ومن صبر عن المعصية، كتب له تسعمائة درجة.
وقال ميمون بن مهران: الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية.
وقال الجنيد، وقد سئل عن الصبر، فقال: هو تجرع المرارة من غير تعبس.
وقال الفضيل بن عياض: في قوله تعالى: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} ثم قال: صبروا على ما أمروا به، وصبروا عما نهوا عنه.
انتهى كلامه، فكأنه ـ رحمه الله ـ جعل الصبر عن المعصية داخلاً في قسم المأمور به.
قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر، قال: مرض أبو بكر فعادوه، فقالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال: قد رآني الطبيب،

قالوا: فأي شيء قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد.
قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن مجاهد، قال: قال عمر بن الخطاب: وجدنا خير عيشنا بالصبر.
وفي رواية: أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً.
وقال علي بن أبي طالب: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
وقال الحسن: الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبد نعمة، فانتزعها منه، فعاضها مكانها الصبر، إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه منه.
وقال بعض العارفين في رقعة، يخرجها كل وقت، فينظر فيها، وفيها مكتوب {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} .
وقال مجاهد في قوله تعالى: {فصبر جميل} : في غير جزع.
وقال عمروبن قيس {فصبر جميل} قال: الرضا بالمصيبة والتسليم.
وقال حسان: {فصبر جميل} : لا شكوى فيه.
وقال همام عن قتادة في قول الله تعالى: {وابيضت عيناه من الحزن، فهو كظيم} .
قال: كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً.
وقال الحسن: الكظيم: الصبور.
وقال الضحاك: كظيم الحزن.
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا عبد الله بن لهيعة، عن عطاء ابن دينار، أن سعيد بن جبير، قال: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منهو احتسابه عند الله.

قال يونس بن زيد: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن: ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه.
وقال قيس بن الحجاج في قوله تعالى: {فاصبر صبراً جميلاً } .
قال: أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي في عيون الحكايات: قال الأصمعي: خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق، فقصدناها، فسلمنا، فإذا امرأة ترد علينا السلام، قالت: ما أنتم؟ قلنا: قوم ضالون عن الطريق، أتيناكم فأنسنا بكم، فقالت: يا هؤلاء ولو وجوهكم عني.
حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل، ففعلنا، فألقت لنا مسحاً، فقالت: اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني، ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وتردها، إلى أن رفعتها، فقالت: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ابني، وأما الراكب فليس بابني، فوقف الراكب عليها، فقال: يا أم عقيل، أعظم الله أجرك في عقيل، قالت: ويحك! مات ابني؟ قال: نعم، قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل، فرمت به في البئر، فقالت: انزل فاقض ذمام القوم، ودفعت إليه كبشاً، فذبحه وأصلحه، وقرب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا، خرجت إلينا وقد تكورت، فقالت: يا هؤلاء، هل فيكم من أحد يحسن من كتاب الله شيئاً؟ قلت: نعم، قالت: اقرأ من كتاب الله آيات أتعزى بها، قلت: يقول الله عز وجل في كتابه: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} قالت: آلله، إنها لفي كتاب الله هكذا؟ قلت: آلله، إنها لفي كتاب الله هكذا! قالت: السلام عليكم، ثم صفت قدميها، وصلت ركعات، ثم قالت: {إنا لله وإنا إليه راجعون} عند الله أحتسب عقيلاً، تقول ذلك ثلاثاً، اللهم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:39 pm

الباب الثامن عشر: في أن الشخص لا يستغني عن الصبر لا في المصيبة ولا في غيرها
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشخص البالغ العاقل المسلم، ما دام في دار التكليف، والأقلام جارية عليه، لا يستغني عن الصبر في حالة من الأحوال، فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله، والصبر لا بد منه قولاً وفعلاً، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وبين نعمة يجب عليه شكر المنعم عليها والصبر عليه، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لا زم له إلى الممات.
فإن قيل: النعم يجب الصبر عليه؟
قيل: نعم، لأنها من الابتلاء، كما قال تعالى: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن} وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} ، وفي الآية الأخرى: {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا} أي ليس الأمر كذلك، وإنما الله تعالى يبتلي عباده بالغنى والفقر، فينظر من هو المجاهد الشاكر الصابر على ما ابتلاه به، كما يبتلي عباده بالمصائب والأسقام تطهيراً لهم من الذنوب والآثام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:40 pm

فصل: في الحالات التي يحتاج فيها العبد إلى الصبر
ويحتاج العبد إلى الصبر في ثلاثة أحوال:

أحدهما: قبل الشروع في العبادات، بتصحيح النية والإخلاص، وعقد العزم على توفية المأمور به وتجنب دواعي الرياء والسمعة.
والحالة الثانية: الصبر حال العمل، فيلازم الصبر، عند دواعي التقصير فيه والتفريط، ويلازم على استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود، وهو محتاج إلى الصبر توفية أركانها وشروطها وواجباتها وسننها.
والحالة الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، فيحذر من الإتيان بما يبطله، كما قال قال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ، فالصبر على محافظتها بعد الفراغ أنفع ما للعبد.
هذا معنى ما ذكره الشيخ الإسلام ابن تيمية.
وقال العلامة ابن اليقيم: وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين:
أحدهما ـ موافق هواه ومراده.
والثاني ـ يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما.
أما النوع الموافق لغرضه فكالصحة والسلامة والجاه والمال وأنواع الملاذ المباحة.
وهو أحوج شيء إلى الصبر فيهامن وجوه:
أحدهما ـ أن لا يركن إليها، ولا يغتر بها، ولا يحمله عليه البطر والأشر والفرح المذموم الذي لا يحب الله أهله.
الثاني ـ أن لا ينهمك في نيلها، ولا يبالغ في استقصائها، فإنها تنقلب إلى أضدادها، فمن يبالغ في الأكل والشرب والجماع، انقلب ذلك ضده، وحرم الأكل والشرب والجماع.
الثالث ـأن يصبر على أداء حق الله فيها، ولا يضيعه، فيسلبها.
الرابع ـ أن يصبر عن صرفها في الحرام، فلا يمكن نفسه من كل ما تريده منها، فإنها توقعه في الحرام، فإذا احترز أوقعته في المكروه، ولا يصبر على السراء إلا الصديقون
.
قال بعض السلف: البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا صديق.
وأما النوع الثاني: فأما الطاعة، فالعبد يحتاج إلى الصبر عليها، لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات إلا من وفقه الله، وتبين ذلك بالصلاة، طبع النفس فيها الكسل وإيثار الراحة، والزكاة فطبع النفس فيها الشح والبخل، وأما الصوم فطبع النفس بمحبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقس، فهو محتاج إلى الصبر في جميع ذلك، والله أعلم.
ومن هذا الباب قول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:40 pm

فصل: في مشقة الصبر على السراء أيضاً
وإنما كان الصبر على السراء شديداً مشقاً على النفس، لأنه مقرون بالقدرة على ما تشتهيه النفس وتميل إليه، لأن الجائع، عند عدم الطعام، أقدر منه على الصبر عند حضوره، وكذلك الشبق، عند غير المرأة، أصبر منه عندحضورها وكذلك العطشان الشديد، العطش عند عدم الماء، أصبر منه عند وجوده.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:40 pm

فصل ـ في التحذير من فتنة المال والأزواج والأولاد
وقد حذر الله سبحانه وتعالى، عباده المؤمنين، في كتابه العزيز، من فتنة المال، ومن فتنة الأزواج، ومن فتنة الأولاد، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} .
وقال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} .
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} وليس المراد من هذه العداوة، ما يفهمه كثير من الناس، أنها

عداوة البغضاء والمجادلة، بل عداوة المحبة الصادة للآباء، عن الهجرة والجهاد وتعليم العلم، وغير ذلك من أعمال البر، هذا معنى ما ذكره العلامة ابن القيم.
فالمقصود: أنه من صبر في السراء عن المعصية، فقد أمن فتنة المال، فإنه قادر على فعل المعصية وبذل المال، فلهذا كان له الثواب الجزيل، والفضل العظيم، وكذلك من صبر على تربية الأولاد، وأذى بعض الزوجات، كان له الدرجات العاليات، فإنه ليس كل زوجة وولد منهم أذى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم} فإن: من، هنا للتبعيض باتفاق الناس، والمعنى: إن من الأزواج والأولاد عدواً، ليس المراد أن كل زوج وولد عدو، فإن هذا ليس هو مدلول اللفظ، وهو باطل في نفسه، فإنه سبحانه وتعالى قد قال عن عباد الرحمن: إنهم يقولون: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} ، فسألوا الله أن يهب لهم من أزواجهم وأولادهم قرة أعين، فلو كان كل زوج وولد عدواً، لم يكن فيهم قرة أعين، فإن العدو لا يكون قرة عين، بل سخنة عين.
وأيضاً فإنه من المعلوم أن إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم، ويحيى بن زكريا وأمثالهم ليسوا أعداء.
وقول من قال: إنها زائدة غلط لوجوه:
أحدهما ـ أن مذهب سيبويه وجمهور أئمة النحاة: أنها لا تزاد في الإثبات، وإنما تزاد في النفي تحقيقاً لعموم النفي، لقوله تعالى: {وما من إله إلا الله} ، {وما من إله إلا إله واحد} ، {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ونحو ذلك، فإنه لولا: من، لكان الكلام ظاهراً في العموم، فإنه يجوز أن يقول، ما رأيت رجلاً بل رأيت رجلين: فإذا أدخلت من، فقلت: ما رأيت من رجل، كان نعتاً في العموم، فلا يجوز أن يقال: ما رأيت من رجل بل رجلين، مع أن النكرة في سياق النفي العموم مطلقاً، لكن قد يكون نصاً.
وقد يكون ظاهراً، فإذا كانت ظاهراً، احتملت نفي الواحد من الجنس، بخلاف النص، وهذا الموضع إثبات لا نفي، فلا تزاد فيه.
الثاني ـ أن من جوز زيادتها في الإثبات ـ كالأخفش ـ لا يجوزه إلا إذا كان في الكلام ما يدل عليه، وإلا فلو قال قائل: إن من هؤلاء القوم مسلمين، وأراد أن جميعهم مسلمون لم يجز ذلك بالاتفاق.
الثالث إذا قيل بزيادتها كان المعنى باطلاً.
الرابع ـ الزيادة على خلاف الأصل، فلا يجوز ادعاؤها بغير دليل.
انتهى كلامه.
وهذه فائدة عارضة، ذكرتها على سبيل التنبيه، لوقوع ناس كثر فيها.
والمقصود: أن العبد لا يستغني عن الصبر في حالة من الأحوال، ويكفي من فضل الصبر، أن الله تعالى وصف نفسه به، كما في حديث أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس أحد ـ أو ليس شيء ـ أصبر على أذى سمعه، من الله تعالى، إنهم يدعون له ولداً، وإنه ليعافيهم ويرزقهم» .
رواه البخاري.
قال القرطبي في تفسيره: وصف الله تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحلم، ومعنى وصفه تعالى بالحلم، هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها، ووصفه تعالى بالصبر لم يرد في التنزيل، وإنما ورد في الحديث، وتأوله أهل السنة على تأويل الحلم.
قاله: ابن فورك.
انتهى كلامه.
وذكر عند قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة} ، قلت: وقد جاء في أسمائه الحسنى الصبور، وجاء في أسمائه الحليم، فلو كان الصبور بمعنى الحليم كان الاسمان الشريفان مترادفين، والأصل في الأسماء التغابر، والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:41 pm

الباب التاسع: في أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس
وهذا الباب ينقسم فيه الصبر إلى قسمين:
أحدهما ـ بحسب قوة الداعي إلى الفعل.
الثاني ـ بسهولته على العبد.
فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق، وإن فقدا ـ معاً ـ يعني قوة الداعي وسهولته ـ سهل الصبر عنه، وإن وجد أحدهما وفقد الآخر سهل الصبر من وجه دون آخر، فمن لا داعي له إلى قتل النفس والسرقة وشرب الخمر وأكل الحشيشة وأنواع الفواحش، ولا هو سهل عليه، فصبره عنه من أيسر شيء وأسهله، ومن اشتد داعيه إلى ذلك، وسهل عليه فعله، فصبره عنه أشق شيء عليه، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم، وصبر الشباب عن الفاحشة، وصبر الغني عن تناول اللذات والشهوات، منزلتهم عند الله منزلة عظيمة عالية منيعة، لا يصل إليها إلا من صبر مثل صبرهم، وكذلك من صبر على موت أولاده وأبويه وأقاربه وأصحابه ونحوهم، وهو مع ذلك صابر محتسب، يأمر أهله بالصبر، وينهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب، وعن كلام ما لا يجوز لهم شرعاً، هذا له من الثواب الجزيل، والأجر العظيم، ما لا يعلمه إلا الله، فالعبد، إذا ذاق لذة المعصية، ثم تاب وصبر عنها، كانت توبته توبة صادقة.
ولقد بلغني عمن أعرفه، أنه تاب عن الخمر، وحلف بالطلاق لا يشربه، ثم إنه خالع، وشرب.
ولقد رأيت جماعة منهم، ممن حلف بالطلاق الثلاث، لا يلعب بالشنطرنج وتاب منه، ومع ذلك يعلم أن أكثر العلماء قالوا بتحريمه، وإنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأنه يحصل عليه من الحلف الكاذبه والفحش ما هو معروف مشهور،ومع ذلك منهم من خالع ولعب، ومنهم من لعب ووقع عليه الطلاق الثلاث بعد التوبة والحلف.
فالصبر المستمر مع القدرة من غير خوف على جاهه أو ماله أو عرضه، صبر على المعاصي، ومواظيته على ما أمره الله تعالى به، صبر على الطاعات، فإذا فعل ذلك، ابتغاء وجه الله تعالى، ثوابه أن يوفى أجره بغير حساب.
«ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: عجب ربك من شاب ليست له صبوة» .
وفي الصحيح «من أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سبعة يظلهم الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاه حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» .
ولذلك استحق هؤلاء السبعة أن يظلهم في ظله، لكمال صبرهم، ومشقته على نفوسهم، فصبر الملك على العدل مع قدرته على الظلم والانتقام من رعيته، وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه، وصبر الرجل على ملازمة المسجد، وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حتى عن شماله مع قدرته على الرياء، وصبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال الداعي، وصبر المتحابين في الله في اجتماعهما وانفرادهما، وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذلك عن الناس، فهذه الأمور فيها مشقة على النفوس، فالصبر عليها، بتوفيق الله وفضله وإحسانه إلى عبده، صبر عظيم جميل.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:41 pm

فصل: في عقوبة من لم يصبر مع تمكنه من الصبر
ولما كان الداعي، في حق بعض الناس، ضعيفاً، ولم يصبروا مع تمكنهم من الصبر، كان عقوبتهم عند الله تعالى أشد من عقوبة غيرهم، كالشيخ الزاني، والملك الكذاب، والفقير المختال، وإنما كانوا أشد عقوبة من غيرهم، لسهولة التصبر عن هذه المحرمات عليهم، ولضعف دواعيها في حقهم، فكان تركهم الصبر عنها دليلاً على تمردهم على الله تعالى، وعتوهم عليه، ولهذا كان الصبر على معاصي اللسان
والفرج، من أشق أنواع الصبر، لشدة الداعي إليهما وسهولتهما، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان، لسرعة حركته وسهولة إطلاقه.
وثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو على مناخرهم ـ إلا حصائد ألستنهم؟ !» .
فيجب لجامه بلجام الشرع، «لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» .
فإن اللسان رحب الميدان في الخير والشر، فمن أطلقه ولم يضبطه بالشرع، سلك به الشيطان في المهالك، وكبه في النار عند مالك، فالكمال إمساكه مطلقاً عن فضول الكلام، إلا في خير، وما لا بد منه، فإن اللسان لا تؤمن غائلته، وخطره عظيم.
ولسهولة حركته، وسرعة إطلاقه، قد بلي أكثر الناس في زماننا بآفاته، التي هي فاكهة وسرور مجالسهم: كالغيبة والنميمة والكذب، والمراء والجدال والخوض في الباطل، والخصومات وفضول الكلام، والتحريف والزيادة والنقصان، وتزكية النفس تفريحاً وتعرضاً، وحكاية كلام الناس، والطعن على ما يبغضه وتزكية من يحبه، وهتك المستورات، ونحو ذلك.
فيتفق قوة الداعي وسرعة حركة اللسان، فيضعف الصبر، و «لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أمسك عليك لسانك» ، وقد تقدم الحديث.
فإذا صارت هذه الآفات التي ذكرناها للسان عادة وسجية، فإنه يشق على العبد الصبر عنها إلا من عصمه الله، فآفات اللسان مهلكة ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع، نسأل الله السلامة منها.
لهذا نجد كثيراً من المتفقهة وغيرهم، ممن ينتسب إلى الورع، يتورع من استناده إلى مخدة من الحرير، أو من قعوده على بساط حرير، أو من شربه من قدح زجاج مموه بالذهب، أو الجلوس لحظة واحدة في فرح وغيره، مع ما فيه من الخلاف، ولا يتورع من إطلاق لسانه في الكبائر من الذنوب، كالغيبة والنميمة، والتفكه في أعراض الخلق.
وكذا إذا وقع الكلام في تفسير كلام الله، أو في مسند رسول الله، أطلق لسانه فيهما بغير علم، مع علمه بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} .
ثم أيضاً ممن يتورع عن الحبة من الحرام، بل عن الفلس المحرم، وعن القطرة من
الخمر، ويتحرز عن مثل رأس الإبرة من النجاسة، ولا يبالي بارتكاب الفرج المحرم، سواء كان صبياً أو امرأة.
كما يحكى: أن رجلاً خلا بامرأة أجنبية، فلما أراد جماعها، قال: يا هذه غطي وجهك، فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام.
والمقصود: أن الصبر على الأشياء الذي اعتادها الإنسان، وورد الشرع بذمها، من أشق الأشياء على النفوس، إلا من وفقه الله لذلك.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:41 pm

فصل: في علامات الصبر ورضا النفس عن قضاء الله تعالى
ومن علامات الصبر، عدم مشقته على النفس عند ورود المصائب، وكف الكف عن تمزيق الثياب ولطم الخدود، وحبس اللسان عن الاعتراض على المقادير والتسخط، والامتناع من كل شيء يوجب إظهاره، حتى إن السلف كرهوا الأنين.
قال الحكماء: العاقل يفعل أول يوم، ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام.
وقد قال عليه الصلاة والسلام للأشعث بن قيس: إنك إن صبرت إيماناً واحتساباً.
وإلا سلوت كما تسلو البهائم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:41 pm

الباب العشرون: في الرضا بالمصيبة
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الرضا بالمصائب، أشق على النفوس من الصبر، وقد تقدم أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس، وفي جامع الترمذي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط، فله السخط» .
وقد تنازع العلماء والمشايخ، من أصحاب الإمام أحمد، وغيرهم، في الرضا بالقضاء، هل هو واجب؟ أو مستحب؟ على قولين، فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين، وعلى الثاني يكون من أعمال المقربين، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، فالعبد قد يصبر على المصيبة ولا يرضى بها، فالرضا أعلى من مقام الصبر، لكن الصبر اتفقوا على وجوبه، والرضا اختلفوا على وجوبه، والشكر أعلى من مقام الرضا، فإنه يشهد المصيبة نعمة، فيشكر المبلي عليها.
قال عمر بن عبد العزيز: أما الرضا، فمنزلة عزيزة أو منيعة، ولكن قد جعل الله في الصبر معولاً حسناً.
وقال محمد بن إدريس الشافعي: حدثنا زهير بن عباد، عن السري ابن حيان، قال: قال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، وسراج العابدين.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، «عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصبر رضا» ، فهذا الحديث، فيه بشارة عظيمة لأهل المصائب، إذ سمى الصبر رضا.
وبإسناده أيضاً إلى أبي مسلم، قال أبو مسلم: دخلت على أبي الدرداء في اليوم
الذي قبض فيه، وكان عندهم في العز كأنفسهم، فجعل أبو مسلم يكبر، فقال أبو الدرداء: أجل، فهكذا فقولوا، فإن الله إذا قضى بقضاء، أحب أن يرضى به.
وذكر ابن أبي الدنيا، في قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} ، قال علقمة بن أبي وقاص: هي المصيبة، تصيب الرجل، فيعلم أنها من عند الله، ويسلم لها ويرضى.
وقال: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، حدثنا علي بن الحسن العامري، حدثنا أبوه بدر، حدثنا عمر بن ذر، قال: بلغنا أن أم الدرداء كانت تقول: إن الراضين بقضاء الله، الذين ما قضى الله لهم رضوا به، لهم في الجنة منازل يغبطهم بها الشهداء يوم القيامة.
وبهذا الإسناد، عن سليمان بن المغيرة، قال: كان فيما أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام، إنك لن تلقاني بعمل، هو أرضى لي عنك، ولا أحط لوزرك، من الرضا بقضائي، ولن تلقاني بعمل، هو أعظم لوزرك، ولا أشد لسخطي عليك، من البطر، فإياك يا داود والبطر.
وقال الشافعي: سمعت ابن أبي الحواري يقول: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: أرجو أن أكون رزقت من الرضا طرفاً، لو أدخلني النار لكنت بذلك راضياً.
وقال ابن زيد: نظر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ إلى عدي بن حاتم كئيباً، فقال: يا عدي مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: وما يمنعني، وقد قتل أبنائي، وفقئت عيني؟! فقال يا عدي، من رضي بقضاء الله كان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله حبط عمله.
ذكره ابن أبي الدنيا.
وقال أبو عبد الله البراثي: من وهب له الرضا فقد بلغ أقصى الدرجات.
فإن قيل: غالب الناس يصبرون ولا يرضون، فكيف يتصور الرضى بالمكروه؟ يقال: إن نفور الطبع عن المصائب، لا ينافي رضا القلب بالمقدور، فإنا نرضى القضاء، وإن كرهنا المقتضى!
قيل لبعض الصالحين: قتل ولدك في سبيل الله! فبكى، فقيل له: أتبكي وقد
استشهد؟ ! فقال: إنما أبكي، كيف كان رضاه عن الله عز وجل، حين أخذته السيوف.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي، بسنده، عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: اللهم لو أعلم أنه أرضى لك، أن أوقد ناراً عظيمة، فأقع فيها، لفعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك عني، أن ألقي نفسي في الماء، فأغرق، لفعلت.
وعن مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، قال: في قوله تعالى: {وبشر المخبتين} .
قال: المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:42 pm

فصل: في أقوال السلف والخلف في الرضا
وقد أطنب الناس ـ من السلف والخلف ـ في الرضا، وبسطوا القول فيه، واعتنوا به وهذا يدل على علو منزلته.
قال عمرو بن أسلم العابد: سمعت أبا معاوية الأسود يقول: في قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: الرضا والقناعة.
وذكر ابن أبي الدنيا بإسناده، «رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: جلساء الرحمن، تبارك وتعالى، يوم القيامة: الخائفون الراضون، المتواضعون الشاكرون الذاكرون» .
وبإسناده، إلى محمد بن كعب، رفعه، أنه قال: أي رب، أي خلقك أعظم ذنباً؟ قال: الذي يتهمني، قال: رب وهل يتهمك أحد؟ ! قال: نعم، الذي يستجيرني، ولا يرضى بقضائي.
قال مالك بن أنس: بلغني أن أبا الدراء، دخل على رجل وهو يموت، وهو يحمد الله تعالى، فقال أبو الدراء: أصبت، إن الله تعالى إذا قضى أحب أن يرضى به.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن ابن عون، أنه قال: أرض بقضاء الله على ما كان من عسر ويسر، فإن ذلك أقل لغمك، وأبلغ فيما تطلب من أمر آخرتك،واعلم، أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا، حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء، كرضاه عند الغنى والرخاء، كيف تستقضي الله في أمرك، ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفاً لهواك؟ ! ولعل ما هويت من ذلك، لو وفق لك، لكان فيه هلكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك، وذلك لقلة علمك بالغيب، وكيف تستقضيه؟ إن كنت كذلك ما أنصفت من نفسك، ولا أصبت باب الرضا! !
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا أيضاً، قال: حدثنا الحسين، ثنا عبد الله، حدثني المروزي، قال: قال حفص بن حميد: كنت عند عبد الله بن المبارك بالكوفة حين ماتت امرأته، فسألته ما الرضا؟ قال: الرضا أن لا يتمنى خلاف حاله، فجاء أبو بكر بن عياش فعزى ابن المبارك ـ قال حفص: ولم أعرفه ـ فقال عبد الله: سله عما كنا فيه، فسألته، فقال: من لم يتكلم بغير الرضا فهو راض.
قال حفص: وسألت الفضيل بن عياض، فقال: ذاك للخواص.
ثم قال قادم الديلمي العابد.
قال: قلت للفضيل بن عياش: من الراضي عن الله؟ قال: الذي لا يحب أن يكون على غير منزلته التي جعل فيها.
وقال أبو عبد الله البراثي: لم يرد الآخرة، أرفع درجات من الراضين عن الله عز وجل على كل حال.
وقال سيار: دخلت على أبي العالية في مرضه الذي مات فيه، فقال: إن أحبه إلي، أحبه إلى الله عز وجل.
وقال عمرو بن أسلم العابد: سمعت أبا معاوية الأسود يقول: في قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} .
قال: الرضا والقناعة.
ذكرهن ابن أبي الدنيا في كتاب الرضا، ثم ذكر عن مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، قال في قوله تعالى: {وبشر المخبتين} قال: المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له.
وعن وهب بن منبه، قال: وجدت في زبور داود عليه السلام: يا داود، هل تدري أي الفقراء أفضل؟ الذين يرضون بحلمي وبقسمي، ويحمدوني على ما أنعمت عليهم، هل تدري يا داود أي المؤمنين أعظم عندي منزلة؟ الذي هو بما أعطي
أشد فرحاً بما حبس.
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد، عن زياد ابن أبي حسان، أنه شهد عمر بن عبد العزيز ـ رحمة الله عليه ـ حين دفن ابنه عبد الملك، استوى قائماً، وأحاط به الناس، فقال: والله يا بني، لقد كنت باراً بأبيك، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسروراً بك، ولا والله ما كنت قط أشد سروراً، ولا أرجى لحظي من الله فيك، منذ وضعك الله في المنزل الذي صيرك إليه، فرحمك الله، وغفر لك ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم كل شافع يشفع لك بخير شاهد وغائب، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين.
ثم انصرف.
وقال سفيان الثوري: قال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تجدك؟ قال: في الموت، قال: لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك، فقال والله يا أبه، لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب.
وروى الإمام أحمد في الزهد بإسناده، عن الحسن، قال: حدثني الأحوص، قال: دخلنا على ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وعنده بنون له ثلاثة، كأنهم الدنانير حسناً، فجعلنا نتعجب من حسنهم، فقال لنا كأنكم يغبطونني بهم؟ قلنا: أي والله، لمثل هؤلاء يغبط المسلم، فرفع رأسه إلى سقف بيت له صغير، قد عشش فيه خطاف وباض، فقال: والذي نفسي بيده، لأن أكون نفضت يدي عن تراب قبورهم، أحب إلي من أن يسقط عش هذا الخطاف وينكسر بيضه.
وبإسناده عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال يوم مات أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ: رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، إنا لله وإنا إليه راجعون.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:42 pm

فصل ـ فيما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المصيبة وما نهى عنه
قد تقدم ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المصيبة، وما نهى عنه، ومما سنه الخشوع، والبكاء الذي لا صوت معه، وحزن القلب، «وكان يفعل ذلك ويقول:
تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب» ، وكذلك الحمد والاسترجاع.
وقد تقدم.
ومن سنته: الرضا عن الله في المصيبة وغيرها، ولم يكن ذلك منافياً لدمع العين وحزن القلب.
وأشد الناس حرصاً على رضى مولاهم الأنبياء، فقد روى ابن أبي الدنيا بإسناده، «عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء تضعيفاً، قال: فقلنا سبحان الله! قال: أفعجبتم؟ إن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون، الأمثل فالأمثل.
قلنا سبحان الله! قال: أفعجبتم؟ إن كان النبي من الأنبياء، ليتدرع العباءة من الحاجة، لا يجد غيرها، قلنا: سبحان الله! قال: أفعجبتم؟ إن كانوا ليفرحون بالبلاء، كما تفرحون بالرخاء» .
ولهذا كان أرضاهم، وأرضى الخلق عن الله، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قضائه وقدره، وأعظمهم له حمداً، ولم يمكنني حصر ما وقع له في ذلك لكثرته وشهرته، ومع ذلك بكى يوم مات ابنه إبراهيم ـ عليه السلام ـ رأفةً ورحمةً منه للولد، ورقةً عليه، وقلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئ بالرضا عن الله تعالى وشكره له، واللسان مشتغل بحمده وذكره.
ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين ـ يعني رحمة الولد والرقة عليه والرضا عن الله تعالى ـ على أن بعض العارفين من السلف، يوم مات ولده، جعل يضحك، فقيل له: تضحك في مثل هذه الحال؟ فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه.
فأشكل هذا على جماعة من العلماء وأرباب الأحوال والتصوف، وقالوا: كيف يبكي رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم يوم مات ولده، وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرضا بهذا العارف إلى أن ضحك يوم مات ولده؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هدي نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل من هدي هذا العارف، فإنه أعطى صلى الله عليه وسلم العبودية حقها، فاتسع قلبه للرضا عن الله ورحمة الولد والرقة عليه، فحمد الله ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمةً ورقةً، فحملته الرحمة على البكاء، وعبوديته لله ومحبته له على الرضا والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين، ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضا عن عبودية الرحمة والرقة، والله تعالى أعلم.انتهى.
قلت وما يؤيد ما ذكره الشيخ ـ رحمه الله ـ قصة نبي الله يعقوب إسرائيل عليه السلام، إذ حكى الله تعالى عنه أنه ابيضت عيناه من الحزن، وقال: {فصبر جميل} و {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} فمشهده أوسع من مشهد هذا العارف، بل نبي الله يعقوب أبلغ من هذا العارف، فإن يعقوب كان له عدة من الولد، ومع هذا فهذه الرقة والرحمة التي عنده، مع الرضا الكامل، واستعمل الرضا والتفويض في قوله: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} واستعمل الرقة والرحمة عند {وابيضت عيناه من الحزن} فطريقة يعقوب عليه السلام أفضل من طريقة هذا العارف، مع كثرة أولاد يعقوب، وهذه رحمته ورقته، وأما هذا العارف ـ على ما قيل ـ لم يكن له ولد سواه.
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده، عن ثابت البناني: أن صلة بن أشيم، كان في مغزى له، ومعه ابنه، فقال له: أي بني، تقدم فقاتل، حتى أحتسبك، فجاء فقاتل حتى قتل، ثم تقدم أبوه فقتل، فاجتمعت النساء عند أمه معاذة العدوية، فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئنني مرحباً بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي: قال أبو جحيفة: إنا لمتوجهون إلى همذان، ومعنا رجل من الأزد، فجعل يبكي، فقلت: أجزع هذا؟ قال: لا، ولكن تركت ابني في الرحل، فلوددت أنه كان معي، فدخلنا الجنة جميعاً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:44 pm

فصل ـ في تحقيق الرضا وأنه من عمل القلب
الرضا من أعمال القلوب، لكن وإن كان من أعمال القلوب، فكماله هو الحمد، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا، ولهذا جاء في الكتاب والسنة: حمد لله على كل حال، وذلك يتضمن الرضا بقضائه.
«وفي الحديث: أول من يدعى إلى الجنة الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء» .
«وفي الحديث مرفوعاً، أن النبي

صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره، قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أتاه أمر يسوؤه قال: الحمد لله على كل حال» .
وقد تقدم في مسند الإمام أحمد «من حديث أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قبض الله ولد العبد، يقول الله لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال؟ فيقولون حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد» .
ومحمد نبينا صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد، وأمته هم الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء، والرضا.
والحمد على الرضا له مشهدان:
أحدهما ـ علم العبد، بأن الله سبحانه مستوجب لذلك، مستحق له لنفسه، أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل شيء، وهو العليم الحكيم.
الثاني ـ أن يعلم أن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه، كما روى مسلم في صحيحه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاءً، إلا كان خيراً، وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له» ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على الرخاء فهو خير له، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} .
فمن لا يصبر على البلاء، ولا يشكر على الرخاء، فلا يلزم أن يكون القضاء خيراً له، ولهذا أجيب من أورد على هذا، بما يقضى على المؤمن من المعاصي، بجوابين:
أحدهما: أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما يفعله، كما في قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وكقوله تعالى أيضاً: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} أي السراء والضراء.
الثاني ـ أن هذا في حق المؤمن الصابر

الشاكر، والذنوب تنقص الإيمان، فإذا تاب العبد أحبه الله، وقد ترتفع درجته بالتوبة.
قال بعض السلف: كان داود عليه السلام، بعد التوبة، خيراً منه قبل الخطيئة، فمن قضي له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير: إن العبد ليعمل الحسنة، فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة، فيدخل بها الجنة، وذلك أنه يعمل الحسنة، فتكون نصب عينيه ويعجب بها، ويعمل السيئة، فتكون نصب عينيه، فيستغفر الله ويتوب إليه منها.
وثبت في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأعمال بالخواتيم» .
والمؤمن، إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بعشرة أسباب:
أحدهما: أن يتوب توبة نصوحاً ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثاني: أن يستغفر الله فيغفر الله تعالى له.
الثالث: أن يعمل حسنات يمحوها لقوله: {إن الحسنات يذهبن السيئات} .
الرابع: أن يدعو له إخوانه المؤمنون ويشفعون له حياً وميتاً.
الخامس: أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
السادس: أن يشفع فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب، في نفسه وماله، وأولاده وأقاربه، ومن يحب، ونحو ذلك.
الثامن: أن يبتليه في البرزخ بالفتنة والضغطة، وهي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
التاسع: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.

العاشر: أن يرحمه أرحم الراحمين.
فمن أخطأته هذه العشرة، فلا يلومن إلا نفسه، «كما قال تعالى في الأحاديث الإلهيات: إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم ـ ثم أوفيكم إياها ـ، فمن وجد خيراً، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه» ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية.
والمقصود أن المؤمن إذا كان يعلم أن القضاء خير له، فيرضى عن الله بما قسم له، كان قد رضي بما هو خير له.
«وفي الحديث: عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: إن الله يقضي بالقضاء، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:44 pm

الباب الحادي والعشرون: فيما يقدح في الصبر والرضا وينافيهما
قد تقدم أن الصبر اعتراف العبد بالله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله، وأنه حبس النفس عما لا يحسن فعله ولا يجمل، وحبس اللسان عما لا يحسن قوله، فإذا كان معنى هذه المقالة أن الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخيط، والجوارح عن لطم الخدود، وخمش الوجوه، وشق الثياب، ونحو ذلك، وأن العبد يرضى عن الله فيما يفعله به مما يحب وقوعه، ومما يكره وقوعه، فإذا وقع من العبد عكس ما ذكرته كان متلبساً بالنقائص والرذائل، فمن شكا ما به إلى مخلوق مثله، كان قد شكا ربه إلى بعض مخلوقاته، فمثله كمثل من شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه، إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعاً ولا ضراً.
فهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان شكاية الضار النافع الذي بيده أزمة الأمور، إلى من لا يضر ولا ينفع.
قال شقيق البلخي: من شكا مصيبة نزلت به إلى غير الله، لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبداً.
وأما إخبار المخلوق بحاله لا على وجه الشكوى، فإن كان للاستعانة بأن يرشده أو يعاونه أو يوصله إلى زوال ضره بما ينفعه مما هو أخبر منه به، كالحجام يحجبه ويقلع ضرسه، أو رجل صالح يدعو له، فهذه الأمور على هذا الوجه لم تقدح في صبره، لأن هذا كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المبتلي في جسده ببلائه لمن يرجو أن يكون فرجه على يديه، وكذلك إخبار المظلوم لمن ينتصر به، وإخبار المبتلى في دينه لمن هو مسترشد الهداية، ليبين له طريق الهداية إن وفق لها.
«وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على المريض، سأله عن حاله، ويقول:

كيف تجدك؟» وهو استخبار منه واستعلام بحاله.
وأما الأنين فهل يقدح في الصبر؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد، قال القاضي أبو الحسين: أصح الروايتين الكراهة، لما روي عن طاووس، أنه كان يكره الأنين في المريض.
وقال مجاهد: يكتب على ابن آدم مما سطر به، حتى أنينه في مرضه.
انتهى.
وقال جماعة من العلماء: الأنين شكوى بلسان الحال، فينافي الصبر.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قال لي أبي في مرضه الذي توفي فيه: أخرج إلي كتاب عبد الله بن إدريس، فأخرجت الكتاب، فقال: أخرج أحاديث ليث بن أبي سليم، فأخرجت أحاديث ليث بن أبي سليم، فقال: اقرأ علي أحاديث الليث، قال: قلت لطلحة: إن طاووساً كان يكره الأنين في المرض، فما سمع له أنين حتى مات، فما سمعت أبي أن في مرضه ذلك إلى أن توفي.
والرواية الثانية أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر، بل قد يقدح في الرضا.
قال بكر بن محمد عن أبيه: «سئل الإمام أحمد عن المريض، يشكو ما يجد من الوجع! فقال: يعرف فيه شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، حديث عائشة: وا رأساه! وجعل يستحسنه» .
وقال المروزي: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وهو مريض، فسألته، فتغرغرت عينيه، وجعل يخبرني ما مر به في ليلته من العلة.
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ: اعلم أن الأنين على قسمين: أنين شكوى، فيكره، وأنين استراحة وتفريج، فلا يكره، والله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:45 pm

فصل: في أن شق الثياب ولطم الخدود ينافي الصبر والرضا
ومما ينافي الصبر والرضا، ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند المصيبة، من شق

ثيابهم، ولطم خدودهم، وخمش وجوههم، ونتف شعورهم، والتصفيق بإحدى اليدين على الأخرى، ورفع أصواتهم عند المصيبة.
ولقد حضرت عند شخص، حين فارق الدنيا، وهو من الجند، فحين خرجت روحه، أتوا بجعبة نشاب، فكسروها بمجموعها، واحدة بعد واحدة عليه، وأتوا أيضاً بعدة الحرب فرموها عليه، وأنا مع ذلك أعظم وأقول لهم: هذا حرام، نهى الله ورسوله عن ذلك، وهذا فيه إضاعة مال، فقال بعضهم لي: لم يصبك ما أصابنا، فخرجت عنهم، ثم إنهم بعد ذلك ندموا على ما فعلوا من إتلاف ما أتلفوه.
«ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى» لأن في تلك الحالة هيجان الحزن، واستغراق الذهن، وذهول العقل بما دهمه، وتمكن الشيطان منه، فإن الشيطان ـ لعنه الله دائماً ـ يتمكن من بني آدم عند ذهول عقلهم: إما بسكر كما وقع في قصة هاروت وماروت، وهي مشهورة حين دعتهما المرأة إل ىقتل الولد، أو السجود للصنم، أو شرب القدح من الخمر مراراً، وأنهما شربا القدح من المسكر، فلما شربا سكرا، فأتيا كل ما أمرتهما به.
وكذلك ذهول العقل عند العشق، وعند الولاية، وعند كثرة المال، وعند المصيبة، فكل هذه الأمور العارضة للعبد في الغالب يحصل له بها ذهول العقل، فيتمكن الشيطان بها منه.
نسأل الله العافية، ودوام العافية، والثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، «فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله في دعائه: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» الدعاء المشهور.
«وكان يقول: اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك» .
فالثبات في الأمور مطلوب شرعاً، كما أن العبد نهي عن الأمور المذمومة من اللجاج والطيش، والعجلة والحدة، وافتقاد الحزن، وغير ذلك من الأمور المذمومة التي لا أحصيها عدداً.
ويحاً لمن يقدم على الله تعالى مع هذه الأمور المذمومة التي نهى الشرع عنها، غير تائب منها، معتمداً على صومه وصلاته وحجه وعبادته، وهومع ذلك فرح مستبشر، كأنه قد جاز الصراط، وأعطي البراءة، وجاءه البشير من الله تعالى بالفوز والخلاص! ويحاً لمن بعتز بأعماله الظاهرة، وباطنه مثل المزابل! نسأل الله تعالى حسن التوفيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:45 pm

فصل: في البكاء والحزن الصامت لا ينافي الرضا والصبر
وأما البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم، فهو لا ينافي الصبر والرضا، وقد تقدم لنا قريباً من ذلك.
قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} قال قتادة: كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً.
مع قوله تعالى: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} وقوله تعالى عنه في أول السورة: {فصبر جميل} وقد «جاء في أثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: من بث لم يصبر» لكن يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من البكاء، ولم يناف حزنه وبكاءه صبره، فإنه عليه السلام ما شكا بثه وحزنه إلى مخلوق، وإنما شكاه إلى الله.
وروى حماد بن سلمة، «عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ما كان من العين ومن القلب فمن الله والرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان» .
قال خالد بن أبي عثمان: مات ابن لي، فرآني سعيد بن جبير مقنعاً، فقال لي: إياك والتقنع، فإنه من الاستكانة.
وقال بكر بن عبد الله المزني: كان يقال: من الاستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة.
وقال عبيد بن عمير: ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيئ، والظن السيئ.
ومات ابن لبعض قضاة البصرة، فاجتمع إليه العلماء والفقهاء، فتذاكروا ما تبين به جزع الرجل من صبره، فأجمعوا أنه إذا ترك شيئاً مما كان يصنعه فقد جزع.
وقال ابن عبد العزيز: مات ابن لي نفيس، فقلت لأمه: اتق الله واحتسبيه عند الله واصبري، فقالت مصيبتي به أعظم من أفسدها بالجزع
.
وقال عبد الله بن مبارك ـ رحمه الله ـ: أتى رجل يزيد بن يزيد، وهو يصلي، وابنه في الموت، فقال: ابنك يقضي وأنت تصلي؟ فقال: إن الرجل، إذا كان له عمل يعمله، فتركه يوماً واحداً، كان ذلك خللاً في عمله.
وقال ثابت: أصيب عبد الله بن مطرف بمصيبة، فرأيته أحسن شيء شارة وأطيبه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:45 pm

فصل ـ في أن من يبتلي بالمصائب هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين
ولا بد أن يعلم المصاب، أن الذي ابتلاه بمصيبته، أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه، لم يرسل البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به، ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله وليراه طريحاً على بابه، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً قصص الشكوى إليه.
قال الشيخ الإمام العالم العارف المكاشف عبد القادر الكيلاني ـ رحمة الله عليه ـ لابنه، يا بني، إن المصيبة ما جاءت لتهلكك، وإنما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك، يا بني، القدر سبع، والسبع لا يأكل الميتة.
انتهى كلامه.
والمقصود: أن المصيبة كير العبد الذي يسبك بها حاصله، فإما أن يخرج ذهباً أحمر وإما أن يخرج خبثاً كله، كما قيل:
سبكناه، وتحسبه لجيناً ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا فبين يديه الكير الأعظم، فإذا علم العبد، أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها، خير له من ذلك الكير والمسبك، وأنه لا بد من أحد الكيرين، فليعلم قدر نعمة الله عليه في الكير العاجل، فالعبد، إذا امتحنه الله بمصيبة، فصبر عند الصدمة الأولى، كما ورد «في حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر، وهي تبكي، فقال لها: اتق الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها:إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك يا رسول الله! قال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى» رواه البخاري.
و«لفظ مسلم: أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: اتق الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي؟ فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله! فأخذها مثل الموت، فأتت بابه، فلم تجد على بابه بوابي
ن ... » وذكر تمام الحديث

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:46 pm

فصل ـ في أن الشكوى والتحدث بالمصيبة ينافي الصبر والرضا
ومما يقدح في الصبر والرضا، وينافيهما: إظهار المصيبة والتحدث بها وإشاعتها، سواء كان كلام بها بين الأصحاب أو غيرهم، اللهم إلا أن يقول لأصحابه أو لأقاربه: مات فلان، يعني والده أو ولده، ونحو ذلك، وما يريد به إظهار المصيبة، وإنما يريد إعلامهم لأجل الصلاة عليه وتشييعه ونحو ذلك، مما هو من فروض الكفايات ويحصل لهم بذلك القراريط من الأجر، وقد تقدم أن الإعلام بالميت، هل هو نعي أم لا؟ والمقصود أن كتمان المصيبة رأس الصبر.
قال الحسن بن الصباح في مسنده: «حدثنا خلف بن تميم، حدثنا زفر بن سليمان، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة» وذكر أنه من بث لم يصبر.
وروي من وجه آخر، «من حديث أنس ـ رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من كنوز البر كتمان المصائب، وما صبر من بث» .
ولما نزل في إحدى عيني عطاء الماء، مكث عشرين سنة، لا يعلم به أهله، حتى جاء ابنه يوماً من قبل عينه التي أصيب فيها، فلم يشعر به، فعلم أن الشيخ قد أصيب.
ودخل رجل على داود الطائي في فراشه، فرآه يزحف، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال: مه، لا تعلم بهذا أحداً.
وقد أقعد قبل ذلك بأربعة أشهر لم يعلم بذلك أحد
.
وشكا الأحنف إلى عمه وجع ضرسه، فكرر ذلك عليه، فقال: ما تكرر علي؟ لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة، فما شكوتها إلى أحد!
ومن المنافاة للصبر والرضا: الهلع عند ورود المصيبة، وهو الجزع، قال الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا} قال الجوهري: الهلع: أفحش الجزع، وقد هلع بالكسر فهو هالع وهلوع.
«وفي الحديث: شر ما في العبد شح هالع وجبن خالع» .
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ: هنا في هذا الحديث أمران: أمر لفظي وأمر معنوي.
فأما اللفظي، فإنه وصف الشح بكونه هالعاً، والهالع صاحبه، وأكثر ما يسمى هلوعاً، ولا يقال: هالع له، فإنه لا يتعدى، وفيه وجهان:
أحدهما ـ أنه على النسب، كقولهم: ليل نائم، وشر قائم، ونهار صائم ويوم عاصف، كله عند سيبويه على النسب، أي ذو كذا.
والثاني ـ أن اللفظة غيرت عن بابها للازدواج مع خالع، وله نظائر.
وأما المعنوي فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحه هالعاً، أي ملولة في الهلع، وجبنه خالعاً، أي قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة ولا شجاعة، كما يقال: لا يطرد ولا يثرد، انتهى كلامه.
وروى سعيد بن منصور في سننه: «حدثنا إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم، عن يحيى بن جابر، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يحبط الأجر في المصيبة؟ قال: تصفيق الرجل بيمينه على شماله والصبر عند الصدمة الأولى فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» .
«وذكر بإسناده أيضاً، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن القوم ليصابون بالمصيبة فيجزعون ويهلعون، فما يكون لهم من أجرها شيء فيمر بهم الرجل من المسلمين، فيسترجع، فيكتب الله عز وجل له
أجر ما أعطاه من تلك المصيبة» .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أحمد بن عبد الأعلى، حدثني شيخ من آل ميمون بن مهران، أن الحجاج أصيب بابن له، فاشتد جزعه عليه، فدخل فغير ثيابه، ومس شيئاً من طيب، وجلس، وأذن للناس، فلم يتكلموا، فقال: حسبي ثواب الله من كل نكبة، وحسبي بقاء الله من كل هالك، تحدثوا.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:47 pm

فصل ـ في أن الله تبارك وتعالى يختبر عباده بالمصائب
والله تبارك وتعالى يبتلي عبده، ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه وصبره ورضاه بما قضاه عليه، فهو سبحانه وتعالى يرى عباده إذا نزل بهم ما يختبرهم به من المصائب وغيرها، ويعلم خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم، فيثيب كل عبد على قصده ونيته، وقد ذم الله تعالى من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء، كما قال تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} .
والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه ولا يشكو إليه حاله، فإنه إذا كان سادات الخلائق، وهم الأنبياء المعصومون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قد أثنى الله تعالى عليهم حيث شكوا ما بهم إلى الله تعالى، فقال تعالى عن بعضهم: {وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وأثنى على أيوب بقوله: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} ، وعلى يعقوب: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} وعلى موسى بقوله: {إني لما أنزلت إلي من خير فقير} .
«وقد شكا إليه خاتم أنبيائه ورسله بقوله: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين» الحديث المشهور في دعاء الطائف، وهو دعاء عظيم، فالشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الصبر ولا الرضا، بل إعراض العبد بالشكوى إلى غيره من جهله بخالقه وعدم

رضاه وصبره بما ابتلاه الله تعالى به، والله تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه.
قيل لبعضهم: كيف تشتكي إلى من لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؟ فقال:
قالوا: أتشكو إليه ... ما ليس يخفى عليه
فقلت: ربي يرضى ... ذل العبيد لديه
وذكر ابن أبي الدنيا، عن علي بن الحسن، قال: قال رجل: لأمتحنن أهل البلاء، قال: فدخلت على رجل بطرسوس، وقد أكلت الأكلة أطرافه، فقلت له كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله وكل عرق، وكل عضو، يألم على حدته من الوجع، وإن ذلك لبعين الله، أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل، وددت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم، وأنه لم يبق مني إلا لساني تكون له ذاكراً، قال: فقال له رجل: متى بدأت هذه العلة؟ قال: أما كفاك؟ الخلق كلهم عبيد الله وعياله، فإذا نزلت بالعباد علة، فالشاكي إلى الله ليس يشكي الله إلى العباد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:47 pm

الباب الثاني والعشرون: هل المصائب مكفرات أم مثيبات
وقد اختلف العلماء في هذا الباب اختلافاً كثيراً، وتباينوا فيه تبايناً شديداً، فذهب بعض العلماء إلى أنه يثاب على كل مصيبة، وذهب طائفة أخرى من العلماء إلى أنه لا يثاب على المصائب مطلقاً، وإنما يثاب على الصبر عليها، حتى قطع به ابن عبد السلام في قواعده، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء إلى أن إطلاق القول بالثواب، كلاهما يرد عليه ما يدفعه، وأن ثم فرقاً مؤثراً نذكره فيما بعد، إن شاء الله.
وقد احتجت كل طائفة بظواهر مرجحة لما ذهبت إليه كما سنذكره بعد.
احتجت طائفة من العلماء إلى أنه يثاب على كل مصيبة بقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)120 التوبة
وفي الصحيحين، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» ، الوصب: الوجع اللازم، ومنه قوله تعالى: {ولهم عذاب واصب} أي لازم ثابت، والنصب: التعب.
وروى الحاكم في المستدرك «أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المصاب من حرم الثواب» .
وروى ابن ماجة «من حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الزهادة في الدنيا، بتحريم الحلال ولا بإضاعته، ولكن الزهادة في الدنيا، أن
تكون بما في يد الله، أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة، إذا أصبت بها، أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك» رواه الإمام أحمد، موقوفاً عن أبي مسلم الخولاني.
وفي صحيح البخاري «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مامن مسلم، يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة، بفضل رحمته إياهم» .
و «رواه أحمد والنسائي: ما من مسلمين، يموت لهما ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، إلا غفر لهما» .
وغير ذلك من الأحاديث مما اختصرته.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يشاك بشوكة، فما فوقها، إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة» وفي رواية: «إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة» .
وفي بعض النسخ «وحط عنه بها خطيئة» بغير ألف، وفي رواية «إلا كتب له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة» .
قال: وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين، فإنه قل أن ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء.
وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء: أنها تكفر الخطايا فقط.
ولم يبلغهم هذه الأحاديث الصحيصة الصربحة برفع الدرجات، وكتب الحسنات، انتهى كلامه.
«ويؤيد ذلك قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إني لأوعك مثل رجلين منكم، وإنك لتوعك وعكاً شديداً، وقوله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» .
قال جماعة من العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاءً ثم الأمثل بالأمثل: أنهم مخصصون بكمال الصبر وصحة الاحتساب، والأنبياء معصومون من الخطايا فتعين الثواب، والله أعلم.
وفي حديث المرأة التي كانت تصرع: دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب.
وفي صحيح مسلم «قالت امرأة يا رسول الله، دفنت ثلاثة من الولد قال:احتظرت بحظار من النار» .
قال بعض السلف: فقد الثواب على المصيبة أعظم من المصيبة، فإنه قد «ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المصاب من حرم الثواب» وقد تقدم.
وتقدم في أثناء الكتاب أحاديث تشهد لهذا القول، والله أعلم.
احتجت الطائفة الأخرى من العلماء ممن أطلق القول بأن المصائب لا يثاب عليها، وإنما يثاب على الصبر عليها.
بقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} قال ابن عبد السلام في قواعده: الثواب إنما يكون على فعل العبد لا على فعل الله فيه، قال تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .
فما حصل لهم من صلاة الله عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم بقولهم: {إنا لله وإنا إليه راجعون} فالاسترجاع هو سبب في حصول ما ذكر، وكذلك «حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل لملك الموت: يا ملك الموت، قبضت ولد عبدي؟ قبضت قرة عينيه وثمرة فؤاده؟ قال: نعم، قال: فما قال؟ قال: حمدك واسترجع، قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد» فحمده واسترجاعه هو سبب بناء البيت له في الجنة، وتسمية البيت كافية.
قال القاضي عياض: وقد روي عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: الوجع لا يكتب به أجر إنما يكفر الخطايا فقط.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:47 pm

فصل ـ في سياق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
أما ما يحدثه الله من مصائب، فتارة بغير فعل الخلائق كالأمراض ونحوها، وتارة بفعلهم.
وفصل الخطاب: أن المصائب إن تولدت عن عمل صالح، كما تتولد عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوه، فهذا يثاب عليه، فإن الإنسان يثيبه الله على عمله وعلى ما يتولد من عمله إذا أقدم على احتماله، فإن المجاهد قد أقدم على الجهاد وهو يعلم أنه يؤذى في الله عز وجل، وقد يناله ضرر في جهاده فتموت فرسه، أو يأخذ ماله، أو يضرب أو يشتم ونحو ذلك، كما قال تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح} ، فأخبر تعالى، أنه يكتب لهم عمل صالح، بما يصيبهم من التعب والجوع والعطش، ونحو ذلك الذي حصل لهم بسبب الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذه الأمور يغفر الله بها خطاياه، ويؤجر على هذه المصائب، لأنها حصلت بسبب جهاده فهي مما تولد من عمله، وما تولد عن عمله الصالح من المصائب يثاب عليها.
وأما الجوع والعطش والتعب الذي يحصل من دون ذلك فلا يثاب إلا على الصبر عليه، فإنه ليس من عمله ولا متولداً من عمل صالح، لكن هو من المصائب التي يكفر الله بها خطاياه.
وأما المصيبة بالولد، فالولد تولد عن جماعه الذي صان نفسه به عن الزنا، وقصد به النسل، وتكثير الأمة، وغض البصر عن المحارم، فإذا حصل له ذلك، ثم مات الولد، فقد أثيب عليه من جهة، وكفر الله به خطاياه من جهة، لأنه تولد عن عمله.
وأما الأمراض والأسقام فهي تكفر الخطايا.
وقد روي أن أبا عبيدة بن الجراح لما عادوه وقالوا: له أجر.
فقال: ليس لي من الأجر مثل هذه، ولكن المرض حطة يحيط الله بها الخطايا.
فهذا الذي ذكرته هو الفرق بين المصائب التي يثاب عليها، والمصائب التي لا يثاب عليها، فإن بعض الناس يظن أنه يثاب على كل مصيبة، ومن العلماء من يطلق القول بأن المصائب لا يثاب عليها، وإنما يصاب على الصبر عليها.
ثم قال بعد ذلك بكلام كثير: فمن فعل فعلاً صالحاً باختياره، فأوذي، واحتسب ذلك الأذى، كان ذلك الأذى من
عمله الصالح الذي يثاب عليه، كالصائم إذا احتسب جوعه وعطشه.
«وقد قال صلى الله عليه وسلم: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» والخلوف تولد عن صومه بغير اختياره، ولكن تولد عن عمل صالح، وكذلك القائم بالليل، إذا احتسب تعبه وسهره، فإن الأذى الذي يحصل باختيارك في طاعة الله، أنت جلبته على نفسك باختيارك طاعة الله، فليس هو كمن أوذي بغير اختياره، فإن ذلك أذاه مصيبة محضة، لكن هي حق له على الظالم.
وقال الشيخ ـ رحمه الله ـ «في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له» .
وهي نفسها تكفر خطاياه ويؤجر على الصبر عليها، ففيها له مغفرة من جهة ما يكفره من الخطايا.
وله فيها رحمة من جهة ما يؤجر على الصبر عليها، لا سيما إذا اقترن بها توبة وإنابة إلى الله، وتوكل عليه وتوحيد له وإخلاص الدين له، فإنها تكون من أعظم النعم، ومصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله.
وقال بعض السلف: يا ابن آدم، لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها قرع باب سيدك.
«وفي الحديث إذا قالوا للمرض: اللهم ارحمه، يقول الله عز وجل: كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟» .
وفي الأثر: يا ابن آدم، البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك.
انتهى.
والمقصود من كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ أن كل ما تولد عن عمله الصالح من المصائب أثيب عليه، بخلاف المصائب التي لم تتولد عن عمله، فإنها مكفرات لا مثيبات.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:48 pm

فصل ـ في قوله أيضاً رحمه الله في أن المصائب نعمة من نعم الله تعالى
قال الشيخ رحمه الله: وكثير من الناس لا يعرف النعمة إلا ما يلتذ به في دنياه، كما قال بعض السلف: من لم يعرف نعمة الله إلا في مطعمه ومشربه، فقد قل علمه، وحضر عذابه.
فمن الناس من يرى النعمة في بدنه فقط، بالأكل والشرب والنكاح، ومنهم من يرى النعمة بالرئاسة والجاه ونفاذ الأمر والنهي وقهر الأعداء، ومنهم من يرى النعمة في جميع الأموال والقناطير المقنطرة، وهؤلاء من جنس الكفار، يرون هذه نعماً، وأعلى من هؤلاء: من يرى النعمةفي الإيمان والعمل الصالح، لكن لا يرى الأمر بذلك والجهاد عليه نعمة، بل يرى فيه من المضار ما يوجب تركه والذين يرون هذه النعمة: منهم من لا يراه نعمة إلا مع السلامة والغنيمة، فإن جرح أو قتل بعض أولاده، أو أخذ ماله، عد ذلك مصيبة لا نعمة.
وحجة هؤلاء كلهم أن النعمة ما يتنعم به العبد، وهذه الأمور تؤلم النفس، فلا تكون من النعم، بل من المصائب، ولا ريب أنها من المصائب، باعتبار ما يحصل فيها من الألم، ولهذا أمر بالصبر عليها، لكن لا منافاة بين كون الشيء مصيبة باعتبار، ونعمة باعتبار، فباعتبار ما يحصل له من الأذى هو مصيبة، وباعتبار ما حصل به من الرحمة نعمة، وهذا لأنه إذا قيل: هذا يكفر به الخطايا ويؤجر عليها ويؤجر على الصبر عليها كانت نعمة، وهذا بمنزلة شرب المريض الدواء الكريه، هو مصيبة باعتبار مرارته، وهو نعمة باعتبار إزالته للمريض الذي هو أشد ضرراً فيه، وأدنى الشرين إذا زال أعظمهما كان نعمة، ومن استعمل نعمة الله في المعاصي، كانت شراً في حقه، لأنها جرته إلى العذاب الذي هو أعظم من تلك اللذة كمن أكل عسلاً فيه سم، فإن ضرر السم أعظم من حلوة العسل، والله أعلم.
انتهى كلامه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:48 pm

الباب الثالث والعشرون: في الصدقة عن المصاب به وأفعال البر عنه
وهذا الباب مما يطيب قلوب أهل المصائب على مصابهم، فإنهم إذا بدلوا بدل الحزن والبكاء ولطم الخدود وشق الثياب والنياحة، الصدقة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن والصلاة والصيام، ونحو ذلك من أفعال القرب، وعلموا وصولهم إلى موتاهم، وإنه يحصل لهم بذلك: إما تكفير سيئات، أو رفع درجات، أو كلاهما ـ حصل لهم السرور بذلك والفرح الزائد.
وهذا الباب منعقد على إهداء القرب إلى الموتى والأحياء، فنذكر اختلاف العلماء في وصول ثواب ذلك إليهم، فمن أنواع القرب: قرب لم يختلف في وصول ثوابها إلى الموتى، وثم قرب اختلف العلماء في وصول ثوابها اختلافاً كثيراً، فنذكر ما يسره الله تعالى في ذلك، فإن ذكر الاختلاف والبسط، سبيل ذلك الكتب المطولة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:48 pm

فصل: في ذكر اختلاف الناس في وصول ثواب إهداء القرب إلى الموتى
أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات، فلا أعلم خلافاً في وصولها، حكاها غير واحد من العلماء، ومن العلماء من يشرط في الوصول إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة.
قال الله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} ، وقال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} «ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات أبو سلمة،ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم للميت الذي صلى عليه، وشرع الله ذلك له، وشرعه لكل من صلى على ميت بقوله: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وكذلك: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه» الدعاء المشهور المعروف.
وأما وصول العبادات المالية المحضة، كالعتق والصدقة ونحوهما: فجمهور العلماء من أهل السنة والجماعة على وصول ثوابها إلى الموتى، كما يصل إليهم الدعاء والاستغفار، وأما وصول ثواب الأعمال البدنية كالصوم والصلاة والقراءة ونحو ذلك، فالصحيح الوصول، وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، لما يأتي من الأحاديث بعد إن شاء الله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:49 pm

فصل: في الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب
قد تقدم قوله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} .
وقال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} ، وقال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} فلو لم ينفعهم ذلك، لم يخبر الله تعالى به ترغيباً.
وأما الأحاديث، فمنها: ما روى الإمام أحمد «من حديث الحسن بن سعد بن عباده، أن أمه ماتت، فقال: يا رسول الله، ماتت أمي، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء» ، قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة.
ورواه النسائي أيضاً.
ومنها: «عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا يس على موتاكم» .
رواه أبو داود وابن ماجة، ورواه الإمام أحمد، و «لفظه: يس قلب القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله تبارك وتعالى والدار الآخرة إلا غفر الله له، واقرؤوها على موتاكم» .
وفيه دليل على وصول القراءة إلى الميت فإنه صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقرأها على موتانا، وأمره في هذا المكان أمر إرشاد لا يجوز أن يعرى عن فائدة، ولا فائدة للعبد بعد موته أعظم من الثواب، فإنا نعلم يقيناً، أن الميت من أحوج الناس الى ما يقربه من رحمة الله، ويباعده من عذاب الله، وقد امتنع عليه ذلك بعد موته بفعل نفسه، فما بقي يحصل له ذلك إلا بفعل غيره، والحصول هو الثواب المترتب على القراءة، والله أعلم.
فإن قيل: قد فسر جماعة من العلماء أن المراد بقراءة يس عند الاحتضار للمسلم الذي سيموت.
وقد ذهب الى هذا جماعة من العلماء حتى الشيخ مجد الدين ابن تيمية الحراني بوب عليه في كتابه المنتقى.
قيل: هذا خلاف الحقيقة، فإنه إذا حمل على من سيموت يكون حمل اللفظ على مجازه، ومعلوم أن حمل اللفظ على حقيقته أولى من حمله على مجازه، فإن سلم أنه أريد به المحتضر، فهو حجة على المخالف المانع من وصول ثواب القراءة إلى الميت، فإن قول المخالف في أن الحي لا ينتفع بعمل الغير، أشد من قوله في الميت.
فإن قيل: إنما يحصل له به راحة وسرور كالتذاذة به في الدنيا.
قلنا: هذه دعوى تفتقر إلى دليل، والأصل عدمه، بل نقول: أي راحة وسرور أعظم من ثواب يحصل للميت يرفع درجاته أو يحط عنه سيئاته؟ وقد أفردت لهذا الكلام جزءاً وسميته الدر المنتخب في إهداء القرب فمن رام كشف ذلك فليطلبه من محله، وما نذكره هنا على سبيل التنبيه.
ومنها ما روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن العاص بن وائل، نذر أن ينحر في الجاهلية مائة بدنة، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين، «وأن عمراً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أما أبوك، فلو أقر بالتوحيد، فصمت عنه وتصدقت عنه نفعه ذلك» رواه الإمام أحمد، وهو دليل على وصول أفعال الخير إلى الميت.

ومنها: «عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم» .
رواه مسلم والإمام أحمد والنسائي وابن ماجة.
ومنها: «عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رجلاً، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم» .
رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد.
و «عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما على أحدكم، إذا أراد أن يتصدق بصدقة تطوعاً، أن يجعلها عن والديه، إذا كانا مسلمين، فيكون لوالديه أجرها، وله مثل أجورهما، من غير أن ينقص من أجورهما شيء» .
رواه حرب في مسائله بسنده.
وروى ابن المنذر بإسناده، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها أعتقت عن أخيها عبد الرحمن عبداً بعد موته.
وروى الدارقطني، وغيره، «عن عطاء بن أبي رباح، مرسلاً، أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أبي مات، أفأعتق عنه؟ قال: نعم» .
وروى الدارقطني أيضاً، عن الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـأنهما كانا يعتقان عن أبيهما علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بعد موته.
«عن ابن أسيد، مالك بن ربيعة الساعدي، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وافتقاد عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقيهما» .
رواه أبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:49 pm

فصل ـ من الأدلة المستحسنة قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية: بسم الله والله أكبر
ومن الأدلة المستحسنة، «قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية لما ضحى بكبشين، فلما ذبح أحدهما، قال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن محمد وآل محمد، ولما ذبح الثاني، قال: اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي» .
وفي رواية ابن ماجة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موسومين، فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، وذبح الآخر عن أمته وعمن شهد له بالبلاغ، ففيه دليل على أن النفع قد نال الأحياء والأموات من أمته بأضحيته صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يكن في ذلك فائدة، فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى.
«وقال للذي قضى الدين عن الميت: الآن بردت عليه جلدته» .
«وحديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما، فكان لا يستتر من البول ـ وفي قول لا يستنزه من البول ـ أما الآخر، فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة رطبة، فشقها نصفين، ثم غرس على كل قبر واحدة.
وقال: إنه ليخفف عنهما ما لم ييبسا» .
قال الخطابي: هذا عند أهل العلم، محمول على أن الأشياء، ما دامت على أصل خلقتها أو خضرتها وطراوتها، فإنها تسبح الله عز وجل، حتى تجف رطوبتها، أو تحول خضرتها، أو تقطع من أصلها، فإذا خفف عن الميت بوضعه صلى الله عليه وسلم الجريدة على قبره، لكونها تسبح الله، فبطريق الأولى والأحرى أن تخفف القرب على اختلاف أسبابها، وإن أعظم القرب كلام رب العالمين، الذي نزل به الروح الأمين، على قلب أشرف المرسلين، وقد أوصى بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن يجعل جريدة على قبره، ذكره البخاري.
وقد استحب ذلك جماعة من العلماء من أصحابنا وغيرهم، وأنكره آخرون.
وقال الشيخ محي الدين النووي في شرح مسلم: ذكر أن العلماء استحبوا القراءة، لخبر الجريدة، لأنه إذا أرجي التخفيف لتنسبيحها، فالقراءة أولى.
انتهى كلامه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:50 pm

فصل ـ في قوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "
وأما احتجاج بعض من خالف، من أصحاب الشافعي ومالك، بهذه الآية على أن الميت لا ينتفع بثواب من سعي غيره، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له» .
قالوا: ولأن نفع العبادة لا يتعدى فاعلها.
فيقال لهم: قد ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة، أن الميت يصلى عليه ويدعى له ويستغفر له، وهذا من سعي غيره، وكذلك ما وافقوا عليه وسلموه من أن ينتفع بالصدقة والعتق وهو من سعي غيره، فما كان جوابهم على مورد الإجماع، فهو جواب الباقين عن محل النزاع، وللناس في ذلك أجوبة متعددة سبيلها الكتب المطولة، ولكن تحقيق ذلك أن يقال: إن الله تعالى لم يقل: إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه، وإنما قال: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وهو لا يملك إلا سعيه، ولا يستحق غير ذلك، وإنما سعي غيره فهو له، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه، ويملك نفع نفسه بمال غيره.
وقد روي عن ابن عباس أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} ، فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء، ولا يصح هذا، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر، والأخبار لا تنسخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اللفظ المنقول عن ابن عباس هو من تفسير علي بن طلحة الوالبي عنه، وقد قيل: إنه لم يسمعه من ابن عباس، وقال عكرمة: هي خاصة بقوم إبراهيم وموسى دون هذه الأمة، وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وسعي لهم.
قال الشيخ: وهذا ضعيف، لأن الله إنما ذكر هذا ليخبر به هذه الأمة، وليعلموا أن هذا حكم شامل، ولو كان هذا مخصوصاً بأمة موسى وإبراهيم لم يقم به حجة، على أن من أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين بما في هذا القوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}
وأيضاً، فمن أين لهم أن تلك الأمة، لم تكن تنفعهم الصدقة عنهم بعد الموت والدعاء لهم؟ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنا إذا قلنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أصابت كل عبد لله في السماء والأرض، ونحن إذا ذكرنا الصالحين من الأمم وترحمنا عليهم، وصل ذلك إليهم، وليس هو من سعيهم، وإبراهيم قد دعا لأولاده بنص القرآن، وليس ذلك من سعيهم.
وقال الربيع بن أنس: المراد بالإنسان والكافر، وهذا ليس بشيء، لأن سياق الآية يناقضه بقوله: {ثم يجزاه الجزاء الأوفى} ، وهذا يتناول المؤمن قطعاً، فلو عكس كان أولى، مع أن حكم العدل، لا فرق فيه بين مؤمن وكافر.
قال الحسن بن الفضل: ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأما من طريق الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء.
قال شيخ الإسلام ابن تميمة: وهذا القول أمثل من غيره، ومعناه صحيح، لكنه لم يفسر لفظه الآية، فإن قوله: ليس للإنسان: نفي عام فليس له إلا ذلك، وهذا هو العدل، ثم إن الله قد ينفعه ويرحمه بغير سعيه من جهة فضله وإحسانه، وإن كان ذلك ليس له، ثم قال الشيخ: وقال ابن الزاغوني، إنه ليس له إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء نفسه، وتارة يكون في تحصيل سببه، مثل سعيه في تحصيل قرابة أو نكاح ليحصل له ولد صالح يدعو له، أو صديق صالح، وتارة يسعى في خدمة أهل الدين والعبادة، فيكتسب محبتهم بسب سعيه في ذلك.
قال الشيخ رحمه الله: وهذا أمثل من غيره، وقد استحسنه ورجحه أبو البركات وهو ضعيف، فإنه قد ينتفع بعمل غيره من لم يحصل سبباً، وبسط القول على هذا وعلله بأمور، وذكر ابن أبي الزغواني قولاً آخر، قال: وأن ليس
للإنسان، بمعنى: وأن ليس عليه إلا ما سعى.
قال الشيخ: وهذا من أرذل الأقول فإنه قلب لمعنى الآية، فإنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وتمامها {وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى} أفترى السعي الصالح لم يدخل في هذه؟ ! وبسط القول على هذا وبين فساده، وقد ذكرنا هذه الأقوال ورتبناها مبسوطة في إهداء القرب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:51 pm

فصل ـ في أن الدفن بجوار الصالحين يجلب نوال بركتهم
ومما يستأنس به في وصول الثواب، أنه يستحب الدفن عند الصالحين، ليناله بركتهم، ونص الإمام أحمد، على أن الميت يتأذى بالمنكر عنده.
وقد روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: جنبوا الميت جار السوء.
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته.
لكن: هذان الأثران، وإن كان فيهما ضعف، ففيهما دلالة على المسألة، فإن الميت إذا تأذى بالمنكر انتفع بالخير بطريق الأولى.
وقد ثبت في الصحيح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» فالله تعالى أحكم وأعدل من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة.
والله تعالى أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:51 pm

فصل: في استحباب القراءة عند القبر وما ورد فيها
تستحب القراءة عند القبر، لأنه قد صح، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه أوصى إذا دفن، أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها.
والمشهور عن الإمام أحمد، أن القراءة في المقبرة وعند القبر لا تكره، اختاره أبو
بكر عبد العزيز، والقاضي، وجماعة من أصحابنا، ذكره بعض أصحابنا، وعليه عمل الناس في زمننا هذا.
قال في المستوعب: ولا تكره القراءة على القبر.
وكان أحمد رحمه الله يكرهما، ثم رجع رجوعاً أبان به عن نفسه، وقال: يقرأ، بعد أن نهى عن ذلك.
ومن أصحابنا من يتمسك بكراهته أولاً، ويجعل المسألة على روايتين.
ثم قال بعد ذلك: فإن أهدي إليه الثواب نفعه، انتهى كلامه.
وهذا مذهب الحنفية، لكن اختلف أصحابهم هل تستحب القراءة أم تباح؟ وجهان لهم.
وروي عن الإمام أحمد أن القراءة لا تكره حال الدفن دون غيره.
وروي عنه الكراهة مطلقاً، اختارها الإمام عبد الوراق وأبو حفص العكبري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الكراهة نقلها الجماعة عن الإمام أحمد وهي قول جمهور السلف، وعليها قدماء أصحابه كالمروزي وغيره.
وقال ابن عقيل وابن المنجا ـ تعليلاً لرواية الكراهة ـ بأنها مدفن النجاسة كالحش ونحوه.
انتهى كلامهما.
وذكر بعض أصحابنا، عن الخلال، أنه قال: المذهب رواية واحدة، أن القراءة عند القبر لا تكره.
انتهى.
لكن القراءة على القبر، ليست من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، والله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:53 pm

فصل ـ فيما نص عليه الإمام أحمد بن حنبل في استحباب الدعاء للميت عقب دفنه
نص الإمام أحمد، على أنه يستحب الدعاء للميت عقب دفنه.
ثم قال أحمد: قد فعله علي بن أبي طالب، والأحنف بن قيس، ويروى «عن عثمان بن عفان، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل» .رواه أبو داود
.
وروى الطبراني «من حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر، بعد ما يسوى عليه التراب، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا، وخلف الدنيا خلف ظهره، اللهم ثبت عندالمسألة منطقة.
ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به»
ويروى أن علياً ـ رضي الله عنه ـ كان يقول ـ إذا سوي على الميت التراب، عند شفير القبر، بعد ما يدفن ـ: اللهم عبدك وولد عبدك، نزل بك، وأنت خير منزول به، اللهم أوسع له مدخله، واغفر له ذنبه، فإنا لا نعلم إلا خيراً، وأنت أعلم به.
رواه حرب الكرماني في مسائله.
وكان أنس ـ رضي الله عنه ـ إذا سوى على الميت قبره، قام عليه، فقال: اللهم، عبدك نزل بك، فارأف به وارحمه، اللهم، جاف الأرض عن جنبيه، وافتح أبواب السماء لروحه، وتقبل منه بقبول حسن، اللهم، إن كان محسناً فضاعف له الحسنات، أو قال: ـ فزد له في إحسانه ـ وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه.
رواه الإمام أحمد، والطبراني، وغيرهما.
وذهب الشافعي أيضاً إلى استحباب الدعاء عقب الدفن.
وقال أكثر المفسرين، في قوله عز وجل، في حق المنافقين: {ولا تقم على قبره} : معناه بالدعاء والاستغفار بعد الفراغ من دفنه، وكذلك ذكر جماعة من المفسرين: لما هم النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لعمه أبي طالب لما مات، وهم بعض الصحابة بالاستغفار لأبويه، أنزل الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} الآية، فلولا أن ذلك نافع للمؤمنين كما تقدم، لم يكن لذلك معنى، بل لما نهى عنه المشركين، دل على وقوعه للمؤمنين ونفعه لهم.
وقال محمد بن حبيب التمار: كنت مع أحمد بن حنبل في جنازة فأخذ بيدي،
وقمنا ناحية، فلما فرغ الناس من دفنه جئنا إلى القبر، فجلس ووضع يده على القبر وقال: اللهم، إنك قلت في كتابك: {فأما إن كان من المقربين} فقرأ إلى آخر السورة، اللهم، وإنا نشهد أن هذا فلان بن فلان ما كذب بك، ولقد كان يؤمن بك وبرسولك، اللهم، فاقبل شهادتنا له، ودعا له، ثم انصرف.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:53 pm

فصل ـ هل يصح إهداء ثواب نوافل العبادات للمسلم الحي؟
وهذه مسألة لا تكاد تظفر بها في كتاب مشهور، لغرابتها، فذكر ابن تميم في كتابه، فذكر وصول الثواب إلى الميت، قال: وفي الحي وجهان.
وذكر لي بعض فضلاء الحنفية، أن وصول القرب إلى الحي مذهبهم، والدليل على الوصول قوله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم} ، «وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون، مازال يدعو بعضهم لبعض عموماً وخصوصاً، لأحيائهم وأمواتهم، من غير نكير، ولأنه مشروع في دعاء الميت إلى يوم القيامة في قوله: اللهم اغفر لحينا وميتنا» .
قال القاضي أبو يعلى: وليس يعرف عن الإمام أحمد رواية في الفرق بين الحي والميت، بل ظاهر قوله يعمهما، وقد دل عليه الكتاب والسنة في الدعاء والاستغفار للتساوي فلا فرق.
وقال الشيخ شمس الدين بن عبد القوي في مجمع البحرين: هذا ليس له نكير، فهو إجماع، ولا شبهة لمن قال بعدم الجواز.
انتهى كلامه.
وقال ابن عقيل في المفردات: إن القراءة ونحوها لا تصل إلى الحي، فإنه يفتح مفسدة عظيمة، فإن الأغنياء يتكلمون عن الأعمال ببذل الأموال التي تسهل لمن ينوب عنهم، فيفوتهم أسباب الثواب بالاتكال على الثواب، وتخرج أعمال

الطاعات عن بابها إلى المعاوضات.انتهى كلامه.
فلو قال قائل: نحن نلتزم ذلك، لوروده في الكتاب والسنة؟
ونقول: ذلك فضل الله، يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:54 pm

الباب الرابع والعشرون: في ذكر عمارة القبور
وقد اشتغل بعض أهل زماننا، ممن أصيب بموت أقاربه، ببناء قبورهم وتبليطها وتجصيصها، وبناء التربة المحتوية على القبور وتحسينها وتزويقها ويزرعونها أنواع الرياحين، ويصعدون إليها في الغالب كل خميس بالأهل والأقارب وملاذ الأطعمة وأنواعها، ويظنون أن ذلك قربة وطاعة إلى الله عزو جل، وربما يقولون: في هذه الأمور تسلية لنا عن الموتى.
وما علموا أن هذه الأمور من البدع المكروهة المنهي عنها، وأن من البدع تعظيم القبور وتبليطها وتجصيصها، وبناء القباب عليها، كل هذا من البدع الذي كرهه السلف والعلماء، وهو مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أبو داود والترمذي «من حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه» زاد الترمذي: وأن يكتب عليه وأن يوطأ.وحسنه وصححه.

ولفظ أبو داود وأن يقعد عليه.
وقد بعث النبي علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن لا يدع تمثالاً إلا طمسه، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه.
وعن الهياج الأسدي، قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اذهب، فلا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.رواه أبو داود والترمذي.
فالسنة تسوية هذه القبور المشرفة المحجرة المطينة المجصصة.
وكذلك، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب عليه، ونهى عن اتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه صلى الله عليه وسلم حتى لعن فاعل ذلك، ونهى عن الصلاة إلى القبور، حتى نهى أمته أن يتخذوا قبره مسجداً أو عيداً.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ الناس عند القبور، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم «من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس وجلسنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، وجعل ينكت بمخصرته، وقال: ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: اعملوا وسددوا وقاربوا، وكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ الآية: { فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} » .
«وفي الصحيح أيضاً: أنه كان يقف عند الدفن ويقول: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:54 pm

فصل ـ في أن العمارة ليست من الظاهر بل عمارة الأحياء والأموات في الباطن
وليعلم، أن عمارة الأحياء والأموات ليست من خارج، «فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» فعمارة القلب هي العمارة النافعة، والميت في قبره كذلك، ليست بزخرفة القبر ولا التربة ولا تزويقها، وإنما العمارة بالصدقة عن ساكنها وأفعال القرب عنه، وقد تقدم هذا في الباب الذي قبله.
أما علم، أن القبر الذي يزخرف ظاهره، فإن باطنه مظلم ضيق، وقد طرح فيه، من هو أحب أقاربه إليه فريداً وحيداً، مستوحشاً من غير وسادة ولا تمهيد، وقد باشر الثرى وواجه البلى، وترك دنياه بالورى، ونبذ منها ما كان بيده بالعرا، مع حبيب تركه، وقرين أسلمه، فكل ما ذكرته لك يا أخي يفطم النفوس عن الشهوات، وتعلم أن عمارة البواطن أولى من عمارة الظواهر، وهي العمارة النافعة في يوم القارعة.
فإذا بحثت عن الحقيقة، ونظرت
بعين البصيرة، علمت أنك عن قريب صائر إلى ما صار إليه، وقادم على ما قدم عليه، فإن العبد بينما هو يمرح في أمنيته، غافلاً عن يوم مصرعه، إذ هجمت عليه المنية، فهتكت أستاره، وكسفت أنواره، وطمست أعلامه وآثاره، فأخرجته من قصر مشيد وبيت حميد، مزخرف نضيد، إلى حفرة من الأرض، كحفرة أخيه أو ولده أو غيرهما، مظلمة ضيقة الجوانب، مملوءة من الرعب والفزع، فإما هي روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، أعاذنا الله منها.
قيل لبعض الزهاد: ما أبلغ الموعظة؟ قال: النظر في محلة الأموات.
فإذا كانت القبور النظر إليها موعظة، وهي أول منازل الآخرة، وعبرة لأهل الدنيا، فلا ينبغي التزين ولا التزخرف، ولا ما يفعله غالب الأغنياء من الأمراء والتجار، وغيرهم، من ضرب الخام والخيام وغيرهما في الترب، ووضع البسط والفرش تحت ذلك وينامون عليها، وإخوانهم تحت ذلك، على التراب في حفرة ضيقة مظلمة، فأي موعظة تعظ هؤلاء بموتاهم؟ ! بل هذه غفلة، نسأل الله تعالى السلامة منها.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:55 pm

فصل ـ في بكاء عثمان رضي الله عنه على القبور
«وكان عثمان رضي الله عنه ـ إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ ! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» .
«وروى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه»
وروى الترمذي أيضاً، «من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه، فرأى ناساً كأنهم يكتشرون، فقال: أما إنكم لو
أكثرتم ذكر هاذم اللذات ـ يعني الموت ـ لشغلكم عما أرى، فأكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه، فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلاً، أما إن كنت لأحب من مشى على ظهري إلي، فإذا وليتك اليوم وصرت إلي، فسترى صنيعي بك، فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر، قال له القبر: لا مرحباً ولا أهلاً، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي، فإذا وليتك اليوم، فسترى صنيعي بك، فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في بعض، قال: ويقيض له سبعون تنيناً، لو أن واحداً منها نفخ في الأرض، ما أنبتت شيئاً ما بقيت الدنيا، فينهشنه ويخدشنه، حتى يفضى به إلى الحساب» .
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار» .
وروى الحاكم في كتاب الكنى، والقاسم بن أصبغ، «من حديث أبي الحجاج الثمالي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول القبر للميت إذا وضع فيه: ويحك يا ابن آدم! ما غرك بي؟ ألم تعلم أني بيت الفتنة، وبيت الظلمة، وبيت الوحدة، وبيت الدود؟ ما غرك بي يا ابن آدم؟ ! فإن كان مصلحاً، أجاب عنه مجيب القبر: فيقول: أرأيت إن كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؟ فيقول القبر: إني أعود عليه خضراً ويعود جسمه نوراً، وتصعد روحه إلى رب العالمين» .
وقال مجاهد: أول ما يكلم ابن آدم حفرته، تقول أنا بيت الدود، وبيت الوحدة، وبيت الوحشة، وبيت الظلمة، وبيت الغربة! هذا ما أعددت لك يا ابن آدم فما أعددت لي؟ !
وقال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: ألا أخبركم بيوم فقري؟ يوم أدخل قبري!
وكان جعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ يأتي القبور ليلاً، ويقول: يا أهل القبور، ما لي إذا دعوتكم لا تجيبون؟ ثم يقول: حيل والله بينهم وبين الجواب، وكأني
أكون مثلهم، وأدخل في جملتهم.
ثم يستقبل القبلة حتى طلوع الفجر.
وقال عمر بن عبد العزيز ـ رحمة الله عليه ـ لبعض جلسائه: يا فلان، لقد أرقت البارحة تفكيراً بالقبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاث ليال في قبره، لاستوحشت منه بعد طول الأنس به، ولرأيت بيتاً تجول الهوام فيه، ويجري فيه الصديد، وتخرقه الديدان، مع تغير الريح وتقطع الأكفان، وكان ذلك بعد حسن الهيئة وطيب الريح، ونقاء الثوب.
ثم شهق شهقة خر مغشياً عليه.
وقال بعض الحكماء: أربعة أبحر لأربع: الموت بحر الحياة، والنفس بحر الشهوات، والقبر بحر الندامات، وعفو الله بحر الخطيئات، فنسأل الله العظيم أن يجعل الله القبر خير بيت نعمره ونسكنه!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:55 pm

فصل ـ في عدم استطاعة التمييز بين السعيد والشقي في القبر
واعلم، أنه لو دخل شخص إلى المقابر المزخرفة، ليميز السعيد من الشقي، ما علم هذا من هذا، وما يعلمه إلا علام الغيوب، بل قد يكون قبراً من القبور قد درست أعلامه، وقد بقي ممشى للدولاب، وصاحبه في أعلى الجنان، وقد يكون قبراً مزخرفاً، وقد عليت عليه القباب والبشخانات الحرير، وصاحبه في نار جهنم، بل نقول: لو دخل الشيخ المقابر، لم يميز قبر الذكر من الأنثى، ولا الشيخ من الشاب، ولا الحر من العبد، فإذا كان هذا التمييز الذي يمكن الشخص العاقل أن يميز بين هؤلاء في الحياة الدنيا، قد أبهم علينا بعد الموت، فكيف نميز السعيد من الشقي؟ ويشبه هذا ما روي، أن الإسكندر مر بمدينة قد ملكها عدة ملوك، وبادوا، فقال الإسكندر: هل بقي من نسل أولئك الملوك، أحد؟ فقيل: ما بقي منهم إلا رجل واحد يأوي المقابر، فدعا به، فلما أحضره قال له: ما حملك على لزوم المقابر؟ قال: أردت أن أميز عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت الكل سواء.
قال له الإسكندر: هل لك أن تتبعني، فأجيز لك بشرف آبائك، إن كانت لك همة عظيمة؟ فقال: إن لي همة عظيمة بشرط: إن كانت بغيتي عندك تبعتك.
قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها، وشباب ليس معه هرم، وغنى ليس معه فقر، وسرور ليس معه حزن.
قال الإسكندر: ليس ذلك عندي ولا بيدي، فقال: أي خير أرجوه عندك، إن لم يكن عندك هذه الأشياء؟ فامض لشأنك، ودعني أطلب ذلك ممن يملكه، وهو عنده.
ثم عاد إلى مكانه، ولم يلتف إلى الإسكندر.
كان عطاء السليمي ـ رحمه الله ـ إذا جن الليل خرج إلى المقابر، فيقول: يا أهل القبور، متم، فوا موتاه، وعانيتم أعمالكم، فوا عملاه، ثم يقول: غداً يكون عطاء في القبور، فلا يزال ذلك دأبه حتى يصبح.
وقال سفيان الثوري: من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار.
ومر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالمقابر، فوقف عليها قليلاً، فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي في جميع أحواله عن الله تعالى.
ثم قال: يا أهل القبور، أما الزوجات فقد نكحت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندك، فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.
ويروى، أن رجلاً دخل على عمر بن عبد العزيز ـ رحهم الله ـ فرآه قد تغير من كثرة العبادة، فجعل يتعجب من تغير لونه واستحالة صفته، فقال: له عمر: يا ابن أخي، وما تعجبك مني؟ ! فكيف لو رأيتني بعد دخول قبري بثلاث؟ وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين، وتقطعت الشفتان، وتقلصت عن الأسنان، وخرج الصديد والدود من المنخرين والفم، وانتفخ البطن فعلا على الصدر، لو رأيت ذاك مني فهو أعجب مما رأيته الآن.

واعلم ـ رحمك الله ـ أنه من علم مصيره إلى هذه الحفرة المظلمة الموحشة، لم يبالغ في تحسين ظاهرها، مع علمه بما يؤول صاحبها، إليه، مع ترافةجسمه وحسن منظره، ولين بدنه، فإنه عن قريب سيطرح في حفرة تتقطع فيها أوصاله، وتتغير فيها أحواله، ثم ينتن بعد ذلك، ويفر من رائحته من كان عنده من أحب الناس إليه إذا اطلع عليها.
فإذا نظر العبد بعين بصره وبصيرته، إلى قبور المترفين من أهل الدنيا، رأى كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا أبداً في لذاتهم وطيب عيشهم، هم والله صرعى، قد حلت بهم المثلات، واستحكم فيهم البلاء، وأصابت الهوام، في أجسادهم، فأطيبهم وأنعهم من قد أمن من عذاب الله عز وجل.
قال ثابت البناني: دخلت المقابر، فلما أردت الخروج منها، إذا أنا بصوت يقول: يا ثابت، لا يغرنك صموت أهلها، فكم من نفس معذبة فيها! !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:56 pm

الباب الخامس والعشرون: في أن الله يثبت الذين آمنوا عند المسألة
قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .
قال أكثر المفسرين: هي كلمة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله في الحياة الدنيا ـ يعني قبل الموت ـ وفي الآخرة يعني في القبر ـ.
وذهب بعض المفسرين إلى أن قال: في الحياة الدنيا في القبر عند السؤال، وفي الآخرة: عند البعث، والأول أصح.
«عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا سأل في قبره، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} وفي لفظ: نزلت في عذاب القبر.
يقال له: من ربك؟ فيقول ربي الله ونبيي محمد، وذلك قول الله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية» .
رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد مطولاً، وأهل السنن والمسانيد.
وراه الإمام أبو داود في سننه بأتم من هذا، «من حديث البراء أيضاً، ولفظه: قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه وقال: استعيذوا بالله القبر، مرتين أو ثلاثاً.
وذكر صفة قبض الروح وعروجها إلى السماء، ثم عودها إليه، إلى أن قال: وإنه ليسمع خفق نعالهم ـ إذا ولو مدبرين ـ حين يقال له: يا هذا، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وفي لفظ فيأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب صلى الله عليه وسلم وآمنت به وصدقت؟ فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال: فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة.
قال: فيأتيه من روحها وطيبها.
قال: ويفسح له مد بصره.
قال: وإن الكافر، فذكر موته، قال: وتعاد روحه إلى جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له:

ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها.
قال: ويضيق عليه قبره، حتى تختلف عليه أضلاعه، قال: ثم يقيض له أعمى أبكم، معه مرزبة من حديد، لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه بها ضربة يسمعها بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، ثم تعاد فيه الروح» .ورواه الطبراني بأتم من هذا.
فقد اشتمل هذا الحديث على فوائد، منها: التثبيت لأهل الإسلام والإيمان الذين آمنوا بالله، وما جاء من عند الله وصدقوا به، وآمنوا برسوله واتبعوه، ومنها الإيمان بعذاب القبر، وإعادة الروح إلى الجسد، وغير ذلك من الأمور التي لا تحضرني كما سأذكره مفصلاً بعد إن شاء الله.
«وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عند أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة.
قال: نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، وذكر لنا، أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، يملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون.
وأما المنافق أو الكافر، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما تقول الناس فيه! فقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة، يسمعها من يليه إلا الثقلين» .رواه البخاري ومسلم.
وقد روي من حديث البراء وحديث أنس، في قبض الروح والمسألة، ونعيم صاحب القبر وعذابه، عن أبي هريرة، وحذيفة ابن اليمان، وغيرهما.
فرواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه «من حديث أبي هريرة، ولفظه: أن لنبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الميت إذا وضع في قبره، إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات والصدقة والصلة والمعروف والإحسان عند رجليه، فيأتيان من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل شماله، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل، فيقال اجلس، فيجلس، قد مثلت له الشمس قد أضاءت الغروب، فيقال له: هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول دعوني حتى أصلي: فيقال: إنك ستصلي، أخبرنا عما نسألك عنه، أرايت هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وما تشهد به عليه؟ قال: فيقول: محمد، أشهد أنه رسول الله، جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك تموت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرور اً، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدأ منه، فيجعل نسمة في النسيم الطيب، وهو طير يعلق من شجر الجنة، قال: فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}

وذكر في الكافر ضد ذلك، إلى أن قال: يضيق عليه قبره، إلى أن تختلف أضلاعه، فتلك المعيشة الضنك التي قال الله تعالى: {فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} » وهذا مختصر من الحديث.
ورواه مسلم في صحيحه، «من حديث أبي هريرة أيضاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا خرجت روح المؤمن، تلقاها ملكان يصعدانها ـ فذكر من ريح طيبها، وذكر المسك ـ قال: فيقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال: وإن الكافر، إذا خرجت روحه، وذكر من نتنها وذكر اللعن، فيقول أهل السماء: روح جاءت من قبل الأرض، فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال أبو هريرة: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا» .
و «في رواية أخرى: فيقول عبدك فلان ـ يعني المؤمن ـ فيقول أرجعوه، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه، فيأتيه آت، وفي لفظ فيأتيه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر: النكير، ففي الترمذي: فيقولان، وفي غيره: فيقول من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: ربي الله.
وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينتهره، فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية، فيقول كما قال، فيقول له: صدقت، ثم يأتيه آت حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: أبشر بكرامة من الله ونعيم مقيم، فيقول: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح، كنت والله سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله، فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقول: هذا منزلك، لو عصيت الله، أبدلك به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقول له: اسكن، وفي لفظ: فيقال له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه.
وإن الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزلت عليه ملائكة غلاظ شداد، فانتزعوا روحه، كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، وينزع نفسه مع العروق، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل

ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا يعرج بروحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا: رب، فلان عبدك، قال: أرجعوه، فإني عهدت إليهم، أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فإنه ليسمع خق نعال أصحابه، إذا ولوا عنه، قال: فيأتيه آت، فيقول: ما دينك؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دريت ولا تليت، فيأتيه آت قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم، فيقول: وأنت بشرك الله بالشر، من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً في معصية الله، فجزاك الله شراً، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه ضربة فيصير تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة، يسمعه كل شيء إلا الثقلين، قال البراء: ثم يفتح له باب من النار، ويمهد له له من فرش النار» .ورواه الإمام أحمد.
وروى أحمد، والحافظ ابن منده، بإسناد حسن، «من حديث البراء أيضاً، بأتم ما تقدم من حديث أبي هريرة والبراء، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فانتهينا إلى القبر، فجلس فجلسنا، كأن على أكتافنا فلق الصخر، وعلى رؤوسنا الطير، فأرم قليلاً ـ والإرمام السكوت ـ فلما رفع رأسه قال: إن المؤمن، إذا كان في قبل من الآخرة، ودبر من الدنيا، وحضره ملك الموت، فجلس عند رأسه، ونزلت عليه ملائكة معهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فجلسوا منه مد الصبر، ثم يقول ـ يعني ملك الموت ـ: اخرجي أيتها النفس الطيبة ـ وفي رواية أيتها النفس المطمئنة ـ إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج نفسه، كما تسيل القطرة من في السقاء، فإذا خرجت نفسه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض إلا الثقلين، فيأخذها وفي رواية، فإذا أخذها ـ يعني ملك الموت ـ لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها إلى السماء، فيفتح له السماء، ويشيعه مقربوها إلى السماء الثانية، وفي لفظ: فلا يمرون منها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي يسمونه بها في الدنيا، فيشيعه من كل سماء مقروبها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، إلى العرش، فإذا انتهى إلى العرش، قال الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، وفي لفظ ـ إلى مضجعه ـ فإني وعدتهم، أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه إلى جسده، فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان الأرض بأشفارهما، فيجلسانه ثم يقال له: يا هذا، من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: صدقت، ثم يقال له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: صدقت، ثم يقال: من نبيك؟ فيقول: محمد رسول الله: فيقولان: صدقت، ثم يفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: جزاك الله خيراً، وفي لفظ فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فينظر إلى مقعده ومنزله منها، حتى تقوم الساعة، وإن العبد الكافر، إذا كان في دبر من الدنيا وقبل من الآخرة، وحضره الموت، نزلت عليه من السماء ملائكة، ومعهم كفن من نار، وفي لفظ ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، قال: فيجلسون منه مد بصره، وجاء ملك الموت فجلس عند رأسه، فيقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى غضب الله وسخطه، فتتفرق روحه في جسده كراهية أن تخرج، لما ترى وتعاين، فذكر خروجها كما تقدم، ونتن ريحها، ووضعها في تلك المسوح، ولعن الملائكة لها، وغلق أبواب السماء دونها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} ، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين: في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} فيأتيه منكر ونكير، يثيران الأرض بأنيابهما، ويفحصان

الأرض بأشفارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرد الخاطف، فيجلسانه، ثم يقولان: يا هذا، من ربك؟ فيقول: لا أدري، فينادى من جانب القبر: لا دريت، فيضربانه بمزربة من حديد، لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم تقل، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ...
»وذكر تمام الحديث كما تقدم.
ورواه أبو داود أيضاً بطوله، بنحو هذه الرواية، وأبو حاتم، وابن حبان في صحيحه، وروى النسائي، وابن ماجة أوله، ورواه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني في صحيحه، وأما ابن منده، فرواه في كتاب الإيمان بطوله، وقال: هذا إسناد متصل مشهور، ولم أذكر سنده للاختلاف فيه.
قال أبو عوانة: قال زاذان الكندي: سمعت البراء، وقال غيره: لم يسمعه من البراء، والله أعلم.
وفي صحيح البخاري ومسلم، «عن مالك عن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم، إذا مات، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» .
ورواه الإمام أحمد أيضاً في مسنده.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:56 pm

فصل ـ في أن النار والخضرة في القبر ليست كمثلها في الدنيا
وليعلم أن النار والخضرة التي ورد ذكرهما في القبر: كما تقدم، ليست من نار الدنيا، ولا الخضرة زرع الدنيا، وإنما هي من نار الآخرة، ومن خضرها، وهما أبلغ وأشد من نار الدنيا وخضرها، فإن من قضى الله بعذابه، فإنه يحمى عليه ذلك التراب، وتلك الحجارة التي فوقه وتحته، أو اللبن، حتى يكون أعظم حراً من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيالم يحسوا بذلك، ولم يروا إلا تراباً وحجارة ولبناً، بل قد يدفن شخصان: أحدهما إلى جانب صاحبه، هذا في حفرة من حفر النار، وهذا في روضة من رياض الجنة، لا حر هذا يصل إلى هذا، ولا نعيم هذا يصل إلى هذا، وقدرة الرب عز وجل أوسع وأبلغ وأعجب من ذلك، وكل

ذلك حتى يحصل للمؤمنين اجتهاد وخوف من الله تعالى، ومراقبته في السر والعلانية، فينتج من ذلك مضاعفة الأجر العظيم، والثواب الجزيل، لأن ما ذكرناه هو من الإيمان بالغيب، ويعلم المؤمن أن أمامه أهوال وعقبات ـ نسأل الله السلامة ـ وما ذكرته، وإن كان من المغيبات، قد يطلع الله بعض خلقه على ما يشاء من عجائب قدرته، كما في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع» .
وفي الصحيح أيضاً: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين وقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ...
» الحديث المشهور.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله ـ في كتاب الروح ـ: حدثني صاحبنا أبو عبد الله محمد بن الوزير الحراني، أنه خرج من داره بعد العصر بآمد من بستان، قال: فلما كان قبل غروب الشمس، توسطت القبور، فإذا بقبر منها وهو جمرة من نار مثل كور الزجاج، والميت في وسطه فجعلت أمسح عيني وأقول: أنا نائم أم يقظان؟ ! ثم التفت، فإذا سور المدينة، قلت: والله ما أنا نائم! ثم ذهبت إلى أهلي وأنا مدهوش فأتوني بطعام فلم أستطع أن آكل، ثم دخلت البلد، فسألت عن صاحب ذلك القبر، فقالوا رجل مكاس توفي، فإذا به توفي ذلك اليوم، انتهى ما ذكره.
وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب القبور وكتاب المنامات من هذا النوع شيئاً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، في الخير والشر، فمن رام المطالعة فليطلب ذلك من موضعه.
ومما ذكر مرفوعاً، «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مررت ببدر، فرأيت رجلاً يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمع حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج، فيفعل به ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة» .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:56 pm

فصل ـ في البرزح والبحث في ماهيته
قال الله تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} فالبرزخ: اسم لما بين الدنيا والآخرة، وهذه الآية دالة عليه، وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، وعذاب القبر ونعيمه: اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، فجعل الله سبحانه وتعالى الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكاماً تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبع لها، ولهذا جعل الله تعالى الأحكام الشرعية على ما يظهر من حركات الإنسان والجوارح، وإن كان في النفس خلاف ما ظهر منها.
وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا في نعيمها وعذابها، تبعت الأبدان الأرواح في نعيمها وعذابها، فالأرواح في البرزخ هي المباشرة للنعيم والعذاب، ثم يسري إلى أبدانها، كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري على أرواحها، فالأبدان في الدنيا ظاهرة، والأبدان خفية.
وإذا أردت أن تعلم ذلك فخذ في نوم الشخص في الدنيا، فإنه ينعم في حال نومه أو يعذب، فهو يجري على روحه أصلاً، والبدن تبع لها، وقد يقوى التأثير في البدن حال النوم حتى يشاهد، وهذا ـ والله أعلم ـ غالب الناس يشاهد هذا في منامه.
ولقد أخبرني الشيخ نصير المقدسي ـ وكان من صلحاء أهل مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر ـ قال لي: ثلاث ليال، أرى في النوم، كأن أناساً يستعملونني بالفاعل، وأخلف منهم خوفاً شديداً، فأعمل، ثم أصبح في هذه الأيام وأنا تعبان في غاية التعب، ثم قال لي: انظر إلى يدي، فنظرت، وإذا بكفيه شلافيط كبار، فكان ينزل الفجر يقرئ الناس، فامتنع في النزول في تلك الأيام، ثم أني أرشدته إلى ذكر يقوله عند النوم، لعله أن يصرف عنه ما يجد، وربما قص علي منامات لبعض الناس، يرى أنه
يأكل أو يشرب، فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه، وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في حال نومه، ويبطش ويضرب في الهواء، أو يدافع عن نفسه، وربما صرخ بأعلى صوته، كأنه يقظان، وهو لا شعور له بشيء من ذلك، لأن الروح استعانت بالبدن، ولو دخلت فيه لاستيقظ، وإنما مثلت لك ذلك حتى تعلم صحة ما ذكرته لك في أول هذا الفصل، والله أعلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:57 pm

فصل: في عرض أعمال الأحياء على أقاربهم الأموات
وينبغي للعبد، إذا تفكر بعين بصيرته، وعلم ماله إلى هذه الحفرة، وما أعد له فيها، في العبادة، ويكثر من الأعمال الصالحة، ويعلم أن عمله يعرض على أقاربه من الأموات، كما ورد في الخبر، «من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً استبشروا، وإن كان غير ذلك، قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا» .رواه الإمام أحمد في مسنده.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده «عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم، فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور» .
فكان أبو الدرداء يقول: اللهم أعوذ بك أن أعمل عملاً أخزى به عند عبد الله بن رواحة، فنعوذ بالله من الافتضاح بين الأقارب الصلحاء أهل طاعة الله تعالى، ثم نعوذ بالله من الافتضاح غداً، بين يدي أحكم الحاكمين، على رؤوس الخلائق، بل نسأل الله تعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه.
قال مجاهد: إنه ليبشر المؤمن بصلاح ولده من بعده، لتقر بذلك عينه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهوارى
مراقب عام المنتدى
الهوارى



تسلية أهل المصائب - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تسلية أهل المصائب   تسلية أهل المصائب - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 20, 2013 7:57 pm

فصل ـ في تلقين الصغار وما قيل في التلقين عموماً
وأما تلقين الصغار، فقد قال الإمام أبو عمر وبن الصلاح: أما تلقين الطفل الرضيع، فما له مستند يعتمد عليه، ولا نراه، والله أعلم.
وقال النووي رحمه الله: الصواب أنه لا يلقن الصغير، سواء كان رضيعاً أو أكبر منه، ما لم يبلغ، إذ يصير مكلفاً، والله أعلم.
وقال العلامة موفق الدين في المغنى: التلقين بعد الدفن لم أجد فيه عن أحمد شيئاً، ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله، فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة ...
الحديث المعروف.
قال: ما رأيت أحداً يفعل هذا إلا أهل الشام، حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذلك، ثم قال بعد كلام: وقال القاضي أبو الحطاب: يستحب ذلك.
ورويا فيه، «عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات أحدكم، فسويتم عليه التراب، فليقم أحدكم عند رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعداً، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، فإن منكراً ونكيراً، يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته؟ ويكون الله حجيجه دونهما، فقال رجل يا رسول الله، فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال: فلينسب إلى حواء» رواه ابن ماجة أيضاً في كتاب ذكر الموت.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تسلية أهل المصائب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» تسلية ابن العربى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إسلامنا نور الهدى :: المنتديات العامة والثقافية :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: